هناك أمور أساسية، يجب أن يراعيها خادم الشباب أثناء خدمته، لتكون فعالة ومثمرة بنعمة المسيح له المجد.
1- عدم التعلق العاطفى
الشباب سن العاطفة الحارة. لذلك فمن المتوقع أن يرتبط الشاب عاطفياً بخادمه. والشابة خادمتها. وحتى مع آبائهم فى الاعتراف. والعاطفة جزء من الجهاز النفسى. وهى إنفعال سار متكرر بموضوع ما، لذلك فهى تنتمى إلى الطبيعة القديمة للإنسان، وإلى التيارات العاملة فى الجسد. الشاب فى حاجة إلى أبوة روحية، وعاطفة على مستوى مسيحى، ليس فيها ذات ولا إنحرافات، بل محبة روحية هادئة. لهذا يجب أن يلتفت الخادم وأب الإعتراف إلى هذه الزاوية، فلا يسمح أيهما للمخدوم بإرتباط زائد عن الحد أو عن الحاجة. وقد قال الآباء قديماً: “أن الدالة تشبه ريح السموم”.. لهذا يجب أن نتحفظ فى الخدمة، وأن تكون خدمتنا فى النور، مرتفعة إلى السماء لا متدنية إلى الحسيات والمشاعر الخطرة.
حقاً إن الشباب فى حاجة إلى أبوة حانية، وخادم ودود يحبه، وقد قال القديس أغسطينوس مرة: “لا يخلص عن طريقك إلا من يحبك”.. لذلك فلابد من محبة ومشاعر مقدسة، دون تعلق عاطفى، قد يتحول فى النهاية إلى وحدة عاطفية طاردة لحضور المسيح، فهما يشبعان أحدهما بالآخر خارج دائرة المسيح، وفى هذا خطر مثلث :
أ- خطر على الخادم : إذ تنقطع ينابيع المحبة السماوية، ويتردى فى هوى العاطفة الطبيعية المدمرة.
ب- خطر على المخدوم : إذ يكتفى بهذا الإرتباط، ولا يتجه نحو المسيح المخلص الوحيد.
ج- خطر على الخدمة : إذ يتعثر بقية المخدومين، وإذا ارتبط الخادم عاطفياً بعدد منهم، فسوف نجد صعوبة ضخمة فى تغيير خادم الأسرة، مما يحرمهم من خبرات جديدة من خدام آخرين، ويربطهم بإنسان هو فى النهاية تحت الضعف.
والسبب فى هذا الخطأ هو ذاتية الخادم وحبه لنفسه. فهو يريد أن يرى نفسه، ويراه الناس والمحبون والمريدون يحيطون به. والعلاج يكمن فى إدراك الخطر، وتوبة صادقة، وعشرة حية مع المسيح. ولاشك أن الخادم المرتبط مع المسيح بعمق، ينقل إلى المخدومين حضرة المسيح، فى تلقائية وبساطة واضحة، ويوجه أنظارهم إلى مخلصهم الحقيقى، فى كل كلمة أو تصرف. كما يوجه أنظارهم إلى إخوته الخدام الآخرين، ليأخذوا منهم ما يبنيهم من فكر سليم، أو خبرة صادقة.
2- عدم اقتحام النفس:
كثيراً ما ينزلق خدام الشباب فى هذا الخطر، إذ يتصور الخادم أنه مسئول عن خلاص هذه النفس، ويتصرف فى غيرة منحرفة، فيبدأ يقتحم نفس الشاب بأسئلة حساسة.
ولابد من أن يعرف الخادم أن المخلص الوحيد هو المسيح، وأنه قد يستخدمه أو يستخدم غيره لخلاص نفوس أولاده. كما يجدر به أن يدرك أن المدخل إلى النفوس يختلف من نفس إلى أخرى، حسب ظروف تكوينها وتربيتها وبيئتها.. كذلك يجب أن يدرك أن اقتحام نفس الشاب، بغرض التعرف على مشاكله، يمكن أن يترتب عليه نتائج خطيرة منها :
1- إما أن يرفض الشاب هذا الإقتحام فينغلق على الخادم أبدياً.
2- وإما أن يستسلم له، ثم يندم بعد ذلك، إذ يلاحظ أن الخادم ليس كاهناً مسئولاً عن أخذ الإعترافات والإحتفاظ بها.. مما يدفع الشاب إلى كراهية ذلك الخادم الذى أطلع على أسراره.
3- وأما الخادم فقد يسمع، ويسترسل فى السمع، ويعثر من الحديث، ويتعب بعد ذلك وبدل أن يقدم دواء يقدم داءاً جديداً.
4- أما ثمرة هذه الخدمة المنحرفة، فهى إحساس خاطئ لدى الخادم بإمكانية الوصول إلى موطن الداء، مع أن الحقيقة هى أنها اقتحام لسر الكهنوت، وتعب للنفوس الخادمة والمخدومة معاً.
على الخادم إذن ألا يرفض السمع. ولكنه يعزف عنه، ولا يطلبه، ولا يسترسل فيه، ولكنه يستغل هذه النقطة فى دفع المخدوم نحو أب الإعتراف.
3- عدم الطغيان فى التوجيه
كثيراً ما يتصور أب الإعتراف أو الخادم نفسه قادراً على الإجابة عن كل سؤال. ودون أن يدرب النفس على التفكير الحر المستنير بنور المسيح والإنجيل. هكذا تنشأ النفس ممسوخة وضعيفة، ومنفصلة عن الينبوع الأصلى الذى هو المسيح.
إن دور الخادم ليس فى أن يلغى شخصية المخدوم. التى تختلف غالباً عن شخصيته، فقد يكون الخادم منطلقاً والمخدوم تأملياً. وقد يكون الخادم ملتهباً فى الخدمة والمخدوم محباً للتسبيح والصلاة.
الخادم الأمين يتحسس نوعية المخدوم وطريقه. وينميه فى نمطه المناسب له، وليس فى نمطه الشخصى.
الخادم الأمين لا يعزل المخدوم عن بقية خدام الكنيسة، بإتجاهاتهم وخبراتهم وفكرهم وكتاباتهم. ولكنه يقوده إلى المسيح. وينمى فيه روح الحرية الملتزمة.
الخادم الأمين ليس هو أستاذاً يلقى محاضرات، وعلى الجميع الصمت والطاعة، ولكنه قائد ديمقراطى يفكر معهم. ويتحاور، ليصل الجميع إلى الحق، وإلى الطريق أو التصرف السليم.
الأساتذة والزعماء الفرديون، والحكام الدكتاتوريون يقتلون المواهب، ولا يخلقون صفاً ثانياً وراءهم لإستمرار العمل. أما القائد الديمقراطى الذى لا يفترض فى نفسه العصمة، ولا يرى فى نفسه الصواب المطلق، فهو يتحاور ويتناقش ويتفاهم، فيصل مع المجموعة إلى فكر الروح والرأى السليم.
الدكتاتور فى آرائه وأفكاره يبدو ناجحاً – إلى فترة – فى قيادة شعبه، ولكن الغرور يكتنفه، والآراء الجديدة تكبت خوفاً منه. ثم تأتى سقطة واحدة فتدمر الكل.
يجب أن نعود أولادنا على الحوار، والتفاهم المشترك، وروح الجماعة، منذ نعومة أظافرهم وهم بعد فى جو الأسرة، ثم وهم فى المدارس والجامعات، وفروع التربية الكنسية. فهذا يخلق من الشاب رجلاً ناضجاً يسهل التفاهم معه، فيكون خادماً ناجحاً، ومواطناً ناجحاً.
4- التعدديــة:
مبدأ هام يتسم به هذا العصر، فقد انتهى عصر الحكم الشمولى، حكم الفرد. كما إنتهى عصر الإيديولوجيات الثابتة كالشيوعية والإشتراكية والرأسمالية. وأصبحنا فى الطريق إلى خليط يتمخض عنه هذا كله، إلى نظام يأخذ من كل النظم السابقة أفضل
ما فيها، ويترك مساوئها..
كما أن رياح الحرية هبت على كل شعوب الأرض، فتحركت دوافع كثيرة من مكانها: كالإنتماء الدينى أو العرقى أو القبلى أو السياسى أو الفكرى أو الإجتماعى.. إلخ. الأمر الذى لم يعد ممكناً معه أن يعيش الإنسان أحادى التوجه، بل يجب أن يؤمن بالتعددية فى كل شئ، الرأى والرأى الآخر، الشخص والآخر، الدين والدين الآخر، العرق والعرق الآخر، الفكر والفكر الآخر.. إلخ. وهذا ما يجب أن يحياه ويمارسه خادم الشباب مع مخدوميه، فليس هو ولا غيره :
معصوماً من الخطأ.
أو مالكاً لكل الحقيقة.
أو حائزاً على كل المواهب.
أو محتكراً لكل الطاقات.
من هنا وجب على خادم الشباب أن يكون أفقه واسعاً، وقلبه رحباً، وفكره قادراً على التقبل والتفاعل والنقد البناء، وتعديل الإتجاه، وجماعية الأداء.
إن التعددية فى كل شئ أصبحت سمة معاصرة، وعلى خادم الشباب أن يؤمن بها ويحياها.. فما أكثر المواهب فى كنيسة الله “لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ..” (رو 6:12)، وما أكثر طرق الخلاص: كالزواج والبتولية.. ومناهج الروح: كالتأمل والعمل.
5- الموضوعية:
يتسـم الشـرق عمومـاً بحرارة العاطفة التى تجعـل فكره يميل إلى التفكير الشخصى
لا الموضوعى، بينما يتسم الفكر الغربى بالموضوعية، بمعنى أن يفصل بين الشخص والموضوع، فلا يتخذ موقفاً من فكر أو رأى أو اقتراح بالموافقة أو الرفض لأنه صادر عن “فلان”، بل بعد أن يدرس هذا الأمر بموضوعية مجردة. ولا نقصد طبعاً إلغـاء
العاطفة من حياتنا، لكننا نقصد ترشيدها بالعقل، فالعقل أساساً “يعقل” أى “يربط” العاطفة والإنفعال والميول الشخصية، ويتجه إلى التفكير الموضوعى فى الموضوع نفسه، بغض النظر عن الشخص الذى يطرحه.ونحتاج أن نتعلم نحن ونسلم هذا الأساس الهام لغيرنا، حتى يسود التفكير الموضوعى، ويتوارى التفكير الشخصى فى الأمور.. فهذا الموضوع مرفوض لأنه جاء من طرف فلان، بغض النظر عما يحتويه من نقاط جيدة، يجب أن نستفيد منها.
6- إعمال العقل:
يتصور البعض أن الإيمان هو نوع من التواكلية، أو مصادرة العقل أو حتى الإحتيال عليه.. لكن العقل هو بالقطع وزنة إلهية، لها دورها فى حياتنا، ومن الخطأ بل من الخطورة – أن نركن إلى عقل راكد سلبى، ونتصور أن هذا هو الإيمان.
الرسول بولس يقول: “بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ” (عب 3:11).. “لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ” (رو 20:1).. “أُصَلِّى بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّى بِالذِّهْنِ أَيْضاً. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضاً” (1كو 15:14).
العقل مهم للإيمان.. والإيمان مهم للعقل.. لا يستغنى أحدهما عن الآخر.. فحينما يتوقف العقل عند حدوده، يتدخل الإيمان لينيره ويصل به إلى ما فوق حدود العقل: وجودالله. واللانهاية، والخلود.. تماماً كالتلسكوب الذى يستكمل مسيرة الرؤيا، حينما تتوقف العين المجردة عند حدودها.
القديس أغسطينوس كان دائماً يربط بين العقل والإيمان، ويرى أننا نؤمن لكى نتعقل، وأننا بالعقل ندرك الكثير من الإيمانيات، ولكن فى حدود ما يسمح به العقل المحدود.
الأرقام مثلاً لا نهاية لها سلباً وإيجاباً، فحينما نبدأ عد الأرقام من واحد إلى مليون، ونستمر فى وضع الأصفار على يمين الواحد الصحيح، لن ننتهى من عد الأرقام حتى تنتهى البشرية كلها، لذلك نصمت قائلين هناك رقم اسمه مالا نهاية…
وهذا الأمر ممكن أن نعده سلبـاً: ناقـص واحد، ناقص مليون.. إلى مالا نهاية أيضـاً،
لنكتشف أن هناك مالا نهاية واحدة، هى الله.
لذلك لابد من إعمال العقل المستنير بالروح القدس فى أمور حياتنا، وتفكيرنا فى مستقبلنا، وإتخاذ قراراتنا المختلفة، المهم أن يكون العقل مستنيراً بالروح، وفى تسليم كامل لمشيئة الله المقدسة، وتحـت إرشاد الأب الروحى.
7- التكامل
وهذا أسـاس هـام فـى التربية الإنسانية، فنحن لا نحرص فقط على تربية الروح وإنمائها، دون تربية كل مكونات الشخصية الإنسانية.
لذلك نحتاج أن نربى شبابنا فى الكثير من الزوايا والنواحى مثل :
التربية الإنسانية : من هو الإنسان؟ وكيف تتحقق له إنسانيته من خلال التجسد والفداء والقيامة والصعود والخلود؟
التربية الثقافية : وضرورة إنماء الوعى. وإيقاظ وتنشيط الذهن من خلال القراءة والحوار والنقد البناء..
التربية النفسية : وكيف يضبط الشباب غرائزه، وعواطفه، واتجاهاته.. وكيف يشبع احتياجاته النفسية المختلفة؟
التربية الجنسية : كيف يتفهم الشباب دوافع الجنس؟ وقدسية الحياة الزوجية، وفسيولوجية الزواج، وسيكولوجية الحب، حتى لا تغرق الزيجة المقدسة فى مفاهيم وممارسات وإنحرافات خاطئة.
إن هذه مجرد بعض الأساسيات الهامة، التى يجب أن نراعيها أثناء خدمتنا للشباب، بمعرفة الرب، وإرشاد روحه القدوس.