1- هو ناموس طبيعى أسسه الله أولاً منذ البدء بدليل قوله: “ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ” (تك 27:1-28)، “لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً” (تك 24:2).
2- وقد بارك السيد المسيح الزواج ورفعه إلى مقام السر، وقال عن الزوجين “وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.
فَالَّذِى جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” (مت 5:19-6).
3- وقال عن الرسول بولس مشبهاً إياه باتحاد المسيح بالكنيسة: “هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ” (أف 32:5).
4- يشترط فى إتمام السر أن يكون الزوجان مسيحيان “لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ” (2كو 14:6)، “وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِىَ تَرْتَضِى أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ فَلاَ يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ الَّتِى لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَهُوَ يَرْتَضِى أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا فَلاَ تَتْرُكْهُ. لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِى الرَّجُلِ” (1كو 12:7-14)،
وهنا لابد أن نوضح أنه عندما بدأت المسيحية تنتشر بين الوثنيين، وكان أحد الزوجين يؤمن والآخر قد لا يؤمن بها، فكانت تسمح للطرف المؤمن بالاستمرار مع الطرف الآخر حفاظاً على رباط الأسرة، وكفرصة للطرف الآخر ليرى ما فعلته المسيحية فى شريك حياته،
لعله يؤمن. أما الآن فالوضع يختلف، ولا يصح أن يرتبط المؤمن بالمسيح، بغير المؤمن.
5- رباط الزواج بامرأة واحدة لا ينفك “فَسَأَلُوهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا” (مت 7:19-8)، “وَلَكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ
امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضاً الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا بَلْ لِلرَّجُلِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضاً لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلِبْ أحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَىْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ
وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضاً مَعاً لِكَىْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. وَلَكِنْ أَقُولُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ.
لأَنِّى أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا” (1كو 2:7-7).
+ “وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا.
وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ” (1كو 10:7-11).
+ “الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيّاً. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا فَهِىَ حُرَّةٌ لِكَىْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ فِى الرَّبِّ فَقَطْ” (1كو 39:7).
+ “فَقُلْتُمْ: لِمَاذَا؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِى أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا وَهِىَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ قَالَ الرَّبُّ” (ملا 14:2-16)، “مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِى” (مت 32:5).
6- البتولية مقدسة كما أن سر الزواج مقدس، ولكنها دعوة خاصة تحتاج أن يجاهد الإنسان لكى يحفظ نفسه فيها “وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ رَاسِخاً فِى قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ بَلْ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى إِرَادَتِهِ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى هَذَا فِى قَلْبِهِ أَنْ يَحْفَظَ عَذْرَاءَهُ فَحَسَناً يَفْعَلُ” (1كو 37:7).
? “فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِىَ لَهُم. لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (مت 11:19-12).
نتائج هذا السر والغاية منه
1- تحقيق حياة الشركة والمحبة والوحدة فى المسيح.. “لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ” (مت 6:19).
2- نمو الجنس البشرى واستمراره “أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ” (تك 28:1).
3- ازدياد أعضاء الكنيسة وولادة أبناء مسيحيين يرضون الله بالفعل والحق: “الْمَرْأَةَ.. سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِى الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ” (1تى 15:2).
4- تحرير الإنسان من الشهوات بالاقتران الشرعى “وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِى كَتَبْتُمْ لِى عَنْهَا فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. وَلَكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ.. وَلَكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبِطُوا أَنْفُسَهُمْ فَلْيَتَزَوَّجُوا لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ” (1كو 1:7-9).
فلنحفظ هذا السر مكرماً.. “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ” (عب 4:13). لهذا يمكن تلخيص أهداف الزواج المسيحى فيما يلى :
1- اتحاد الحب الروحى :
هذا هو الهدف الأول من الزواج المسيحى، “وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً” (مت 5:19).. وهذه الوحدة هى بفعل الروح القدس العامل فى سر الزيجة المقدس: “الَّذِى جَمَعَهُ اللَّهُ
لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” (مت 6:19).
ونحن نعرف أن كلمة “حب” فى الكتاب المقدس، وردت فى الأصول اليونانية فى ثلاثة معان :
أ- الأيروس : الحب الجسدى أى الشهوة الحسية.
ب- الفيليا : الحب الإنسانى البشرى الطبيعى.
ج- الأغابى : الحب الروحانى المقدس الإلهى.
والزواج شركة حب روحانى مقدس، يتسامى فوق الحب الطبيعى القابل للتقلب، وفوق الشهوة الحسية التى تذبل مع مرور الوقت.
يتحــد الزوجـان إذن بحب روحانى من فعل الروح القدس،الذى يجـدد الطبيعـة الإنسانية بالمعمودية، ويسكن فيها بالميرون، ويضبط مسارها ويقدسها بالتوبة وأمانة الجهاد الروحى.
2- التعاون فى الحياة :
“وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ” (تك 18:2). وكعالم بأعماق الطبيعة الإنسانية أراد الله أن يشعر آدم بحاجته إلى “آخر” فأجاز أمامه كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، وأحضرها إليه “لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا” (تك 19:2).. “وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا” (تك 19:2). “وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِيناً نَظِيرَهُ” (تك 20:2).
وهنا شعر آدم بحاجته إلى آخر، فأوقع الله سباتاً عليه فنام، وأخذ ضلعاً من جنبه، وبناها لتصير حواء، وأحضرها إلى آدم فقال: “هَذِهِ اْلآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِى وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِى. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ” (تك 23:2).. ثم يضيف الوحى الإلهى: “لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً” (تك 24:2).. “وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ” (تك 25:2)..
الأمر الذى يؤكد نوع الحب الذى ربطهما، الحب الروحانى، الأغابى!وهكذا يصير الهدف الثانى من الزواج هو التعاون فى الحياة، على أساس “التناظر” والمساواة.. فهى معين “نظيره”، مأخوذة من الضلع تدشيناً للمساواة، لا من الرأس، ولا من القدم!
3- خلاص النفس :
لاشك أن هذا من أسمى أهداف الزواج المسيحى، فالمهم أن يخلص الإنسان فى النهاية، والزواج المقدس يساعد الإنسان فى ضبط مسار حياته الروحية، فتشبع غرائزه بطريقة مقدسة: الجنس، والأبوة، والأمومة حياته الروحية.. وهكذا
يساعده الزواج فى الحماية من الغواية والخطيئة.. إذ يقول الرسول: “لِسَبَبِ الزِّنَا لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا” (1كو 2:7).. “لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ” (1كو 9:7).
ومن المعروف أن الزواج ليس هو كل شئ فى خلاص الإنسان، بل مجرد عامل مساعد، فهناك من يخلصون فى البتولية، المهم أن يحرص كلاهما: المتزوج والبتول، أن يتمسك بركائز الخلاص الأساسية مثل: الإيمان بالمسيح، والمعمودية والميرون، وأمانة التوبة والجهـاد
الروحى، والشبع بوسائط النعمـة المتنوعــــة كالافخارستيــا والصلاة وقراءة كلمة الله، وحضور الاجتماعات الروحية، وقراءة الكتب الروحية، والصوم.. وأن يعبر عن إيمانه الحىّ بأعمال مقدسة، حيث أن الإيمان بدون أعمال ميت.. انتظاراً لخلع هذا الجسد الضعيف، ولبس الجسد النورانى الخالد.
4- استمرار النوع الإنسانى :
لاشك أن ثمرة الزواج إنجاب الأطفال، وهو هدف مقدس ومبارك، حيث يستمر من خلاله النوع الإنسانى، وتتعاقب أجيال الشر، يمجدون الله، ويستكشفون أعماله فى الكون، والتاريخ، والبشر ويتعاونون معاً على الخير، فالآخر الإنسانى هو بالضرورة مخلوق مثلى على صورة الله ومثاله، ويجب أن أتعامل معه على هذا الأساس.
ولعل فيما نرى اليوم من عزوف الشباب الأمريكى والأوربى عن التناسل – اكتفاء بالحسيات والمادة – وما بدأت تعانيه هذه الأجناس، بما تتميز به من صحة جيدة وذكاء عقلى، من انقراض وتناقص يهدد وجودها.. لعلنا نرى فى هذا أهمية ما تباركه المسيحية من إنجاب للأطفال “الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ” (مز 3:127)!!
5- خلق المزيد من القديسين :
وهذا أسمى أهداف الزواج المسيحى قاطبة، فالزوجان فى المسيح يتقدسان ويرثان الملكوت.. وأولادهما وبناتهما سوف يصلون جميعاً بالتربية الروحية الأمينة إلى نفس الميراث السماوى، وهكذا تكون عملية الإنجاب ليست مجرد أمر جسدى، بل يتحول إلى أمر روحى، إذ تزداد قائمة أسماء القديسين والقديسات فى السماء، ويسعد هؤلاء جميعاً بفاديهم ومخلصهم، وبشركة حية، خالدة وسعيدة، فى أورشليم السمائية.
لذلك تحرص الأسرة المسيحية على التربية الروحية الأمينة لأولادها، وليس فقط التربية الجسدية أو الذهنية أو الاجتماعية.. وشعار الزوج المسيحى: “َأَمَّا أَنَا وَبَيْتِى فَنَعْبُدُ الرَّبَّ” (يش 24: 15).. وهدفه النهائى أن يقف أمام الله قائلاً: “هَا أَنَا وَالأَوْلاَدُ الَّذِينَ أَعْطَانِيهِمِ اللهُ” (عب 13:2).