الألم بحسب قصد الله نيافة الأنبا موسى
“وَلَكِنْ لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِى أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ” (2كو 7:4).
هناك ثلاث نقاط خاصة بالألم :
1- الألم ثمرة الخطية
عقاب الخطية موت رباعى :
1- موت جسدى : بعد أن كان آدم يعيش مع الله أصبح بعد يعيش لفترة ثم يموت.
2- موت روحى : حيث انفصل آدم عن الله وطرد من الفردوس.
3- موت أدبى : أصبح آدم موضع إهانه مستمـرة مـن الطبيعة والشيطان.
4- موت أبدى : يقضـى أبديته بعيداً عن الله فى جهنم.
فالخطية تحمل فى طياتها أدلة إدانتها مثال ذلك :
– التدخيـــــــن : يسبـب سرطان الرئة – أمراض القلب – قرحة فى المعدة.
– شرب الخمر : يسبب سرطان الكبد، وفشل كلوى.
– تعاطى المخدرات : يسبب تلف فى المخ Damage Brain.
– النجاسة : تسبب Sexual Transmitted Diseases (S.T.D.).
أمراض تأتى نتيجة الاتصالات مثل :
– Herbes : وهو عبارة عن قرح…
– السيلان : وهو عبارة عن صديد فى البول.
+ الزهرى : الذى يبدأ بقرحة ثم يتحول إلى طفح يشمل الجسم كله، ثم يسبـــب شــــلل رباعـــى مع خلل فى المخ، مثل المفلوج. لذلك ابتدأ السيد المسيح بشفاء روحه أولاً حيث قال
له: “أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ” (لو 20:5).
+ مرض الكلاميديا : الذى ينقل من الذكور إلى الأناث، وهو مرض صامت، لأن أعراضه تظهر فى الذكور عبارة عن حرقان فى البول بسبب فيروس ينقل للأنثى ويسبب إلتهاب، فى قناتى فالوب فتنسد ثم يدمر المبيض…
+ الأيدز : عبارة عن تدمير جهاز المناعة حتى يموت الإنسان.
+ الهزار والمزاح : يسبب تفريغ روحى للإنسان، يشعر بعده بكآبة نفسية، حتى يصير عنده ميول للبكاء. وكقول الشباب (اليوم ضحكنا كثيراً لابد ها نتنكد!!).
لأن قديماً كان المفهــوم عـن المرض أنه عقاب
عن الخطية، لذلك فى معجزة شفاء الأعمى قيل عنه: “لاَ هَذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ” (يو 2:9).
الخطية مدمرة وآلامها تشمل كل زوايا الإنسان وليس لها عزاء.
2- المفهوم الجديد للألم
آلام الشركة – آلام الصليب…
آلام ذبيحة الحب…
يشعر الإنسان أثناء الألم أنه يشترك مع المسيح الفادى، الذى تألم دون أن يخطئ، هذا الذى تذكر عنه النبوات قائلة: “احفظ دموعى فى زق عندك”… وسفر أعمال الرسل يقول: “وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ” (أع 41:5)…
“لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ” (فى 29:1).
وعندما يقول القديس بولس الرسول: “الَّذِى الآنَ افْرَحُ فِى آلاَمِى لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِــصَ شَدَائِــدِ الْمَسِيـحِ فِـــى جِسْمِـى لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِى هُوَ الْكَنِيسَةُ” (كو 24:1) فهو يرسم أمامه المسيح الذى هو الرأس، والجسم هو الكنيسة… الألم الذى يدفعه المؤمنون هذا يجوز فى قلب المسيح.
فنحن نتألم الآلام التى لم يتألمها المسيح، وهو سيكون معنا فيها.. نحن الذين نتألم كأعضاء فى جسده فهو يتضايق لضيقنا “فِى كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ” (إش 9:63).
فهو تألم فى فترة حياته على الأرض إلى أن صعد إلى السماء، والآن نحن نتألم آلام يشعر بها وهو فوق…
الألم فى العهد الجديد ليس فقط مصحوب بعزاء وإيجابيات، إنما مصحوب بفرح، كما قال الكتاب عن الرسل: “فرحوا لأنهم تألموا”… “الَّذِى الآنَ افْرَحُ فِى آلاَمِى لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِى جِسْمِى لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِى هُوَ الْكَنِيسَةُ” (كو 24:1)، “فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَىْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ” (رو 17:8).
ورسائل القديس بطرس الرسول كلها تتكلم عن الآلام التى للمسيح، والأمجاد التى بعدها. هذا نوع جديد من الألم، ليس بسبب الخطية، إنما لأجل الشركة مع المصلوب، الخطية تصبح ألماً ليس عقاباً لأن عقابها هو الموت الرباعى، ولكن الشركة توجب ألماً مصحوب بالعزاء والفرح ليس بوخزات الضمير وتعب النفس…
لذلك كان أباؤنا القديسين يحبون الألم، والشهداء كانوا يستعذبونه بـل ويسعـون إليه، لدرجة أن الكنيسة منعتهم فى النهاية.
أذكر مثالاً على ذلك: عندما أراد أحد الولاة أن يكرم شخص مسيحى سأله قائلاً: “بماذا أكرمك؟” أجابه قائلاً: “إن أردتم أن تكرمونى فعذبونى قبل أن تميتونى”.
وجميع طغمات الشهداء من الأطفال والنساء والرجال استعذبوا الآلام والموت من أجل المسيح، لأنه كان ألم الشركة مع المسيح فى آلامه، وليس الخطية.
3- الألم فى قصد الله
الله يسمح بالألم لأولاده،لأجل فوائد كثيرة وهى :
1- التوبة : ألم الخطية يقود البعيدين عن ربنا بالتوبة إليه… فهو ليس ألم عقاباً وبلا جدوى إنما بهدف التوبة… فالإبن الضال بعدما بذر أمواله بعيشمتلف، تألـم بالجــوع، وبالمهانــة وبالعــرى، وبالبعد عن والده، وبالندم، بعد أن تركه أصحابه.. فعاد تائباً.
2- التنقية : الذهب لابد أن يدخل النار ليتنقى. أيوب كان إنساناً كاملاً بشهادة من ربنا، فهو كان يقدم ذبائح عن نفسه، وعن أولاده، فهو كان منذ 2000 ق.م، وكان يقارن نفسه بوثنيين عصره، فيرى نفسه باراً، وهذا ما يسمى بالبر الذاتى، لذلك سمح له الرب بهذه الآلام، لكى ينقيه من هذا الإحساس، ثم أرسل له المعزون المتعبون يقولون له سيئاته، فنجده يدافع عن نفسه قائلاً: “لِيَزِنِّى فِى مِيزَانِ الْحَقِّ فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِى” (أى 6:31) هنا يدافع عن نفسه، فهو لم يفعل خطايا فعلية، ولكن عنده إحساس بالرضا عن النفس. فبدأ من هنا ربنا يطهره من هذه الخطية، فأخذ ممتلكاته وغنمه، وأولاده، حتى قال أيوب: “لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِىَّ تَشْرَبُ رُوحِى سُمَّهَا. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّى” (أى 4:6)… وفى النهاية عندما عبر به الله، أجاب أيوب الرب قائلاً: “اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِى. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِى. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِى التُّرَابِ وَالرَّمَادِ” (أى 4:42-6) هذا ما فعله الله بأيوب، هو تكسير ذات أيوب للتنقية، وليس تكسير جسده.
3- التذكية : عندما طلب الرب من إبراهيم أن يقدم له أغلى ما عنده، إبنه اسحق محرقة، بثقة القيامة، وثقة الوعود التى سبق ووعده بها ربنا، قدم إبراهيم ابنه كما عبر عنه الكتاب قائلاً: “لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً لأَنِّى اْلآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّى” (تك 12:22).
هدف هذه الآلام يبرز جوهر ومعدن المؤمن فينال إكليل الحياة.
المؤمن الحقيقى عندما يأخذ منه الرب غالى عليه فهو يشكر الله قائلاً: الرب أعطى الرب أخذ.. لتكن مشيئتك يارب… وبذلك يتذكى.
4- الوقاية : الله يسمح بالألم ليقى الإنسان من الكبرياء، لذلك يقول القديس بولس الرسول: “وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِى الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِى لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ” (2كو 7:12)…
الألم كخزامة تمنع الجمل من أن يجمح.. هذه كما يسميها بستان الرهبان.. مكاوى يسوع، لتحفظنا فى الإتضاع.
بولس كان عنده :
1- ملاريا.
2- ضعف بصر.
3- قرح لكى يسلك بإتضاع.
فأجابه الرب قائلاً: “تَكْفِيكَ نِعْمَتِى، لأَنَّ قُوَّتِى فِى الضُّعْفِ تُكْمَلُ فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِىِّ فِى ضَعَفَاتِى، لِكَىْ تَحِلَّ عَلَىَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ” (2كو 9:12).
1- الفطام : الرب يسمح بالألم للمؤمن لنقل “لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ” (عب 14:13) فيشعر المؤمن أن الدنيا من الدون ويفكر فى السماء السامية العالية.
2- التمجيد : “لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً” (2كو 17:4). حيث مستويات المجد على مستوى الألم، فمستوى الألم هو مستوى التمجيد.
“لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَىْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِى السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ” (فى 9:2-11).
“إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّـمُ مَعَهُ لِكَىْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ” (رو 17:8). الذى يرفض الألم.. يرفض الإكليل أيضاً. لذلك فى وقت الاستشهاد جاء الأنبا موسى يوماً ما، ليقدم نفسه لكى ينال إكليل الشهادة. والرب معك،