التفاعل فضيلة مسيحية – الأنبا موسى الأسقف العام

الرئيسية / التفاعل فضيلة مسيحية – الأنبا موسى الأسقف العام

التفاعل فضيلة مسيحية.. ذلك لأن الله منذ البداية خلق الملائكة والبشر أحراراً… وتركهم يتفاعلون… وكان مستعداً أن
يتحمل بمحبة تفاعلات الحرية، وما ينتج عنها من سلبيات، كما أنه كان مستعداً، بمحبته وسبق معرفته، من دفع ثمن هذه الحرية، ليبقى الإنسان صاحب قراره، ومسئولاً عن إختياره.إن الله لم يخلقنا كقطع الشطرنج أو الدمى أو مسرح العرائس، ولم يشأ أنيحركنا بالـ Remote Control، بل أحب أن نبقى أحراراً حتى النهاية، مهما كلفته الحرية، ومهما كلفتنا!! فالحرية تصاحبها المسئولية: “أنا حرّ، إذن فأنا مسئول”!!.

وبعكس ما تصور سارتر، الذى رأى فى الله خالقاً ديكتاتوراً، وصوَّره فى مسرحية “الذباب” على أنه “جوبيتر”، الذى تقطر يداه بالدماء، من أجل كثرة ضحاياه!! الله – بالعكس تماماً – تجسد من أجلنا، ونزفت يداه دماً، وليس بدماء الآخرين، لكى يفدينا من موت الخطية، ويعطينا فرصة تجديد طبيعتنا، بحريتنا وإختيارنا، وفرصة دخول الملكوت بإرادتنا وقرارنا المباشر!!

مجالات التفاعل الأنسانى :

1- مع الله :

الإنسان يتفاعل مع الله، طاعة وعصياناً، حباً وتمرداً، إحتياجاً ورفضاً، إيماناً وإلحاداً… والرب يبقى صامداً وصامتاً، تاركاً لنا حرية القرار.

لقد وضع القرار فى يد الإنسان، مرة واحدة وإلى الأبد. ومع أن الإنسان يبقى حبيس أمور تخص حياته الأرضية، مثل لون بشرته، أو مستوى ذكائه، أو بعض عناصر وراثية، وربما أمراض… إلا أن مصيره الأبدى يبقى فى يده.

فالرب واقف على الباب ويقرع، “هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِى، وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِى” (رؤ 20:3).

ومن يدرس سفر نشيد الأنشاد، يرى تفاعل العروس، النفس البشرية مع الله، فى صور كثيرة مثل :

+ الحوار… الذى يدور بينهما خلال صفحات السفر.

+ النداء والإستجابة… يا حبيبى.. يا حبيبتى.

+ التمنع فى الإستجابة… غسلت ثوبى.. خلعت حذائى…

+ البحث عن الحبيب الإلهى… بين الرعاة.

+ الإتحاد المقدس… سريرنا أخضر (رمز الحياة).

وجوائز بيتنا أرز (رمز الخلود)، وروافدنا سرو (خشب تصنع منه الآلات الموسيقية، رمز سعادة وحلاوة اللقاء بالله)…

2- مع الأسرة :

فعلاقــــات المحبة والتفاعـل مــع أعضــاء الأسـرة تتـراوح بيــن الــدفء المفـــــرح والمشاكل العاتية… وسبب ذلك أن لكل فرد من أفراد الأسرة ذاته الخاصة،
وإرادته المستقلة، ومن هنا يكون ناتج التفاعل، هو ثمر نوعية المتفاعلين!! وفرق بين أسرة يسودها حب المسيح الباذل المحتمل، وأسرة تسودها الذات البشرية بأنانيتها المدمرِّة!!

وميادين التفاعل الأسرى كثيرة، بدءاً من علاقات الزواج المقدسة، إلى التدبير المادى، إلى العلاقة مع الأسرتين، إلى العلاقة مع مَنْ هم خارج الأسرة، إلى
المذبح العائلى، إلى الإنتماء الكنسى، إلى اختلاف الأجيال، إلى التواصل والتكامل والحّوار البناء… الخ.

3- مع الكنيسة :

فنحن جميعاً أعضاء فى جسد واحد، هو جسد المسيح، والتفاعل جارٍ ونشيط بين الرأس والأعضاء (أى المسيح والمؤمنين)، وبين الأعضاء السمائية والأرضية (أى بين القديسين فى السماء ونحن المجاهدين فى الأرض)، وبين المؤمنين وبعضهم البعض (علاقات الخدمة والمحبة)، وبين أعضاء الكنيسة والكنائس الأخرى (الحوارات اللاهوتية للتقارب طلباً للوحدة المسيحية)، وبين المسيحية والأديان الأخرى (حوار الأديان)… إنه تفاعل حىّ وخلاق، فى مجالات عديدة، فيها الإيجابيات والسلبيات، وفيها الاجتهاد من أجل إنماء روح التفاعل الإيجابى مع الآخر، وفلسفة “قبول الآخر المختلف” بالحب، والاحترام، والتفهم، ومحاولة الوصول إلى فهم مشترك وإيمان واحد سلمه لنا القديسون.

4- مع المجتمع :

فالمسيحى يتفاعل مع أخوته فى المجتمع، بحيوية الكائن الحىّ، الذى يتحرك مع التيار أو ضده، حسب الموقف، فى مرونة قوية، وإفراز سليم.

وقد شبّه الكتاب المقدس المؤمن بعدة تشبيهات :

+ فهو النور، الذى يهزم فلول الظلام.

+ وهو الملح، الذى يحفظ العالم من الفساد، والذى يذوب دون أن يضيع.

+ وهو الرسالة، المعروفة والمقروءة من جميع الناس.

+ وهو الخميرة الحية، التى تخمر العجين كله.

+ وهو رائحة المسيح الزكية، فى الذين يخلصون والذين يهلكون.

+ وهو السفير، الذى يحمل طابعاً جديداً، ويمثل رب المجد وسكان السماء، أمام المجاهدين على الأرض

5- مع الحضارات :

فنحن نرفض مقولة صدام أو صراع الحضارات… فالصدام ينبع من الأنانية  فقط، أنانية من يتصور أن ما عنده هو  كل الحقيقة، وكل الصواب، وكل ما يُسعد الإنسان ويبنيه… وهذا خطأ خطير، فالحضارة الغربية، رغم كل ما فيها من إيجابيات مثل :

+ الاهتمام بالإنسان… وحتى الحيوان.

+ الإنماء الإقتصادى والاستهلاكى.

+ التقدم العلمى والتكنولوجى.

+ المنجــزات المريحـة للحيـــاة اليوميــة التليفـون والمحمــول والفاكس وآلة التصوير، ووسائل الإعلام الفضائية، والإنترنت، والكومبيوتر.

هذه كلها إيجابيات رائعة ومفيدة… لكن الحضارة الغربية فيها سلبيات مثل :

+ التركيز على الجسد والنفس أكثر من العقل والروح…

+ الفردية والذاتية والأنانية (Me Culture)…

+ الاستغراق فى الحسيات والجنس…

+ الطموح المادى نحو الغنى…

+ الثقافة الكوكبية (global culture) التى سنصل إليها مع الوقت من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام…

+ حتى الدين سيتأثر من خلال محاولة خلق: Code أخلاقى، عبارة عن خليط من أديان التوحيد الثلاثة، وأديان آسيا البوذية والهندوسية وغيرها، وميثاق حقوق الإنسان…

هناك – إذن – تحديات إيمانية وعقائدية وروحية وعلمية وثقافية ومعلوماتية وإجتماعية ماثلة، وستزداد ضراوة مع الوقت… فهل ننسحب من العصر؟!  كلا بالطبع، ولكن نتفاعل معه، ونأخذ أحسن ما فيه، ونرفض ما يدمَّر الإنسان من سلبيات…

وهنا أتوقف لأذكر القارئ الحبيب ببعض مبادئ مسيحية مثل :

1- ضرورة التفاعل :

+ “أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ افْرَحُوا. اكْمَلُوا. تَعَزَّوْا. اهْتَمُّوا اهْتِمَاماً وَاحِداً. عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ” (2كو 11:13).

+ “فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ” (غل 10:6).

+ “بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً”  (غل 13:5).

+ “إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ” (رو 18:12).

+ “فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا  تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ”  (رو 20:12).

+ “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ” (رو 21:12).

2- أهمية التأصيل :

+ “فِى الْمُسْتَقْبَلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ وَيَمْلأُونَ وَجْهَ الْمَسْكُونَةِ ثِمَاراً” (إش 6:27) إيمانياً وروحياً وعقائدياً، وثقافياً، وعلمياً، وإجتماعياً… وذلك من خلال الشبع الروحى (بوسائط النعمة) والثقافى  (من خلال القراءة)…

3- ضرورة الأفراز :

+ “امْتَحِنُــوا  كُـــــلَّ  شَـــىْءٍ،  تَمَسَّكُــوا بِالْحَسَنِ” (1تس 21:5).

+ “كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ” (1كو 23:10).

+ “كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِى” (1كو 23:10).

+ “كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى لَكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَىَّ شَىْءٌ”  (1كو 12:6).

4- أهمية التجديد :

+ “إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِى الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً” (2كو 17:5).

+ “وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ” (رو 2:12).

5- حمل الصليب :

+ “إِنْ أَرَادَ أَحــَدٌ أَنْ يَأْتِـــىَ وَرَائِــى فَلْيُنْكــِرْ نَفْسَــهُ

وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِى” (مت 24:16،
لو 23:9).

+ “اِحْمِلُوا نِيرِى عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّى لأَنِّى وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِى هَيِّنٌ وَحِمْلِى خَفِيفٌ” (مت 30،29:11

 

التفاعل بحب وقوة، هو إذن فضيلة مسيحية، فلقد طرحنا الرب فى بحر هذا العالم، وليس أمامنا سوى السباحة السليمة أو الموت المهلك… ولاشك أن هتاف المؤمن دائماً هو:

+ “وَلَكِنَّنَا فِى هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا، بِالَّذِى أَحَبَّنَا” (رو 37:8).

+ “أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى” (فى 13:4).

فإلى مزيد من التفاعل والحب، ونشر الخير، وصنع السلام، والتعلم من الآخرين، وتقديم الخدمة للجميع… فهذه هى المسيحية!!

 

مشاركة المقال