الحاجة إلى القداسة
واضح أن الجيل الرقمى المعاصر، تتاح أمامه مصادر إثارة غير مسبوقة، فأمامه:
1- الشاشة الكبيرة: أى السينما، وما تقدمه من أفلام، أكثرها مرتبط بالغريزة، إما غريزة الجنس أو المقاتلة، أو على الأكثر حب الاستطلاع كأفلام الخيال العلمى.
2- الشاشة المتوسطة: أى التليفزيون، فمع أن هناك ضبط جيد لما يُعرض على التليفزيون الرسمي، هناك الآن فضائيات حرة للغاية، بل وأحياناً إباحية التوجه.
3- الشاشة الصغيرة: وهى شاشة اللاب توب (الكومبيوتر)، وما أخطرها؟! وخطرها ينبع مما يلى:
أ- أنها تشاهد إما على إنفراد أو مع مجموعة منحرفة من الشباب.
ب- أنها تتيح فرصة الاختيار الشخصى، فالمشاهد يختار بنفسه من آلاف المواقع والملفات ما يريد هو شخصياً.
ج- أنها تتيح فرصة غير محدودة من التنوع والاختيارات، سواء من جهة المشاهد المتنوعة، أو عروض لعلاقات منحرفة… الخ.
4- شاشة الموبايل: وهى أخطرها جميعاً، حيث تتيح نقل وتخزين كل ما سبق، وأكثر، مما يجعل فرص الانحراف متاحة بصورة غير مسبوقة، وعلى دائرة اتساعها هو العالم كله.
هذا التحدى يقود بعض أبناء الجيل الرقمى إلى نوعين من الإدمان:
1- إدمان الكمبيوتر: Computer Addiction 2- إدمان الجنس: Sex Addiction
وكلاهما مرض خطير، حيث يكون لدى المصاب به نوع من “الاعتمادية” Dependence، بمعنى أنه يعتمد على جرعة خارجية ليشبع إدمانه، سواء استخدام الكمبيوتر، أو ممارسة الخطيئةبالمشاهدة، واللفظ، والسمع، وأحياناً بالفعل!!.
لهذا فالحاجة إلى القداسة، والاقتناع بأهميتها، وبمكاسبها لحياتنا، على الأرض وفى السماء… حاجة جوهرية للجيل الرقمى… ومن هنا نسأل:
1- ما مفهوم “القداسة”؟ هل هناك “قداسة” للإنسان أم أن القداسة لله وحده؟ وما الفرق بين أن الله “قدوس” والإنسان “قديس”؟
2- ما هى ضرورة القداسة؟ وما مكاسبها للإنسان؟
3- من هم أعداء القداسة؟
4- وما الطريق إليها؟
أولاً: مفهوم القداسة
هناك فرق شاسع بين “القداسة” لدى الله، الذى ندعوه “القدوس” أو “كلّى القداسة”، وبين الإنسان المدعو إلى قداسة نسبية محدودة، تتناسب مع الإنسان المحدود.
قداسة الله: هى “عصمته”، أى أنها عدم إمكانية الخطأ، وهى قداسة مطلقة، وغير محدودة… وكلمة “عصمة” بالإنجليزية تشرح نفسها بنفسها فهى (عصمة = Infallability)) وهى كلمة من 3 مقاطع:
In= للنفى fall= يسقط ability= إمكانية
أى “عدم إمكانية السقوط”.. أى العصمة الكاملة، والقداسة غير المحدودة والمطلقة. وهى غير موجودة إلا فى الله وحده، وهى من أهم الأدلة أن السيد المسيح هو اللوغوس “الكلمة” ظاهراً فى الجسد، لأنه “لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً” (2كو21:5)، وقد تحدى اليهود قائلاً: “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟” (يو46:8).
أما قداسة الإنسان: فهى نسبية، ومحدودة، أى أنه يجاهد فى طريقها ليشابه صورة الله، ليتأهل بنعمة الله لنوال ملكوته و”شَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِى النُّورِ” (كو1: 12). فالإنسان مهما كان مستواه الروحى معرض للسقوط، ومدعو للتوبة طوال حياته.
لهذا قال السيد المسيح فى العظة على الجبل: “كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ” (مت5: 48).
وقال معلمنا بطرس الرسول: “نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِى دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِى كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: “كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّى أَنَا قُدُّوسٌ” (1بط1: 15، 16).
وهذه الآية وردت فى سفر اللاويين، كوصية من الله منذ القديم:
“”تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّى أَنَا قُدُّوسٌ” (لا11: 44). “تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّى قُدُّوسٌ” (لا19: 2).
ويقول معلمنا بولس الرسول: “الْقَدَاسَةَ … بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ” (عب12: 14).
وهذا ما أكده لنا رب المجد: “طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ” (مت5: 8).
فنحن قد دعينا لكى نكون: “مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ” (رو8: 29).
الإنسان- الآن- غير معصوم من الخطأ، مهما كان قديساً!! لأنه مكتوب، بل هناك حقيقة تقول: “ليس مولود إمرأة يتزكى أمامك”. وهذا ما يتأكد من الآيات التالية:
”لاَ تَشْمَتِى بِى يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ” (مى7: 8).
الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ” (أم24: 16).
“إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا” (1يو1: 8).
“إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا” (1يو1: 10).
إذن، فما معنى القداسة الإنسانية؟
معناها:
1- الجهاد ضد الخطية حتى لا نسقط، وإذا سقطنا نقوم. 2- الشبع الروحى لنصير هيكلاً للروح القدس، يثمر فينا ثماره.
1- الجهاد ضد الخطية حتى لا نسقط وإن سقطنا نقوم:
كما كتب معلمنا يوحنا: “يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَى لاَ تُخْطِئُوا” ثم يردف قائلاً: “وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا” (1يو2: 1، 2).
ومن هنا نعلم أن الإنسان المؤمن بالمسيح، والساعى إلى الشبع الروحى، والمجاهد ضد الخطية من خلال التحفظ على حواسه وعلاقاته… يجاهد أن لا يخطئ… وإذا سقط يقوم، مستعيناً بشفاعة السيد المسيح الكفارية، التى تغفر لنا خطايانا، ولكن بشرط:
التوبة: أى رفض الخطية، والندم عليها، والعزم على تركها، والإيمان بـ “دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ” (1يو1: 7).
والاعتراف: لأن الكاهن عنده – بالروح القدس – سلطان الحِلّ والربط: الحلّ عند التوبة، والربط (أى المنع من التناول) عند رفض التوبة.
كما أن الكاهن يعطينى – بالروح القدس – الحَلّ لمشاكلى وتساؤلاتى الروحية، لأعرف طريق التخلص من الخطايا، بنعمة الله العاملة فينا، وبالجهاد الأمين.
ولكن القداسة لا تقف عند الشق السلبى فقط (أى التخلص من عبودية الخطية)، ولكنها تمتد إلى الشق الإيجابى (وهى أن أصير هيكلاً للروح القدس، فيثمر فى ثماره المقدسة)…
2- الصيرورة هيكلاً للروح القدس:
وهذا يتم:
أ- بالميرون المقدس: حيث يتم رشم الطفل المعمد 36 رشماً:
– رشم واحد على الرأس (لتقديس الفكر) – 7 رشومات على الحواس (لتقديس الحواس)
– رشمان على الصدر (لتقديس القلب) – رشمان على الظهر (لتقديس الإرادة)
– رشماً لكل من لمفاصل الذراعين (لتقديس الأعمال) – رشما لكل من لمفاصل الساقين (لتقديس الخطوات)
ب- الجهاد الأمين:
ونقصد به الجهاد من أجل حواس مقدسة (ماذا أسمع، ماذا أرى، ماذا أقول، ماذا أتذوق….الخ).
والجهاد من أجل علاقات مقدسة (من هم أصدقائى وماذا يدور فى حديثنا، ولقاءاتنا، ونشاطاتنا…الخ)
وحينما يستقر روح الله فينا، ويعمل فى كياننا الإنسانى بنعمته، يخلصنا من السلبيات، ويثمر فينا ثمار الروح التسعة المعروفة:
1- المحبة
: فنحب الجميع “مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ” (1بط1: 22).
2- الفرح: فتبتهج قلوبنا بالرب، بفرحة مباركة.
3- السلام: أى الصفاء النفسى الداخلى.
4- طول الأناة: أى أن أطيل أناتى على من حولى، ولا أتعجل نموهم أو سلوكاً صحيحاً لديهم.
5- اللطف: أى التعامل الرقيق، غير العنيف.
6- الصلاح: أى السلوك المستقيم فكراً ونية وعملاً.
7- الوداعة: أى اللين فى الكلام وحتى فى التوبيخ.
8- الإيمان: أى الثقة فى الله، مهما كانت مشيئته.
9- التعفف: أى الارتفاع فوق مستوى الخطيئة، وحتى فوق ما هو مسموح، إن كان لا يبنينى أو يبنى غيرى.
ثانياً: ضرورة القداسة
لاشك أن حياة القداسة هامة جداً للإنسان سواء على الأرض أو فى السماء! فالقداسة على الأرض:
1- تبنى الإنسان بكل مكوناته. 2- تجعلنا مشابهين صورة المسيح. 3- تؤهلنا لميراث ملكوته.
1- القداسة تبنى الإنسان
لاشك أن حياة القداسة تبنى الإنسان بكل مكوناته، بينما حياة الخطية تدمر الإنسان كله، فالخطية:
تدمر الروح: وتحرمها من الله وشركته وعمله.
تدمر الفكر: وتجعله غير منتج ولا مثمر.
تدمر النفس: وتجعلها تعانى تعاسة الإحساس بالندم.
تدمر الجسد: وها الأمراض المنقولة جنسياً، وهى تحطم جسد الإنسان كله. أما المخدرات فتدمر خلايا العقل، والمسكرات ينتج عنها سرطان الكبد والمثانة. وأما التدخين فعاقبته أمراض القلب وسرطان الرئتين….
تدمر العلاقات: فالإنسان المنحرف، لا يثق فيه أحد، ويرفض الكل صداقته أو مشاركته فى أى عمل.
أما القداسة:
فتبنى الروح: حين تشبع بوسائط النعمة، فتصير مقدسة وفرحة مثمرة.
وتبنى الفكر: إذ يكون نقياً ومنتجاً، فيكون الإنسان ناجحاً فى دراسته وعمله…
وتبنى النفس: إذ تكون فرحة بالتوبة، وسعيدة بعشرة الله، ومستريحة الضمير.
وتبنى الجسد: فالإنسان العفيف لايصاب بآفات جسدية ناتجة عن إدمان الخطيئة، بل بالحرى يكون سليم الجسم، يمارس الرياضة، ويعطى جسده حقه من الغذاء والراحة والعلاج.
وتبنى العلاقات: فالإنسان المقدس يكون موضع حب وثقة من الجميع، ويمكن للإنسان أن يأتمنه على صداقته وبيته والمشاركة فى مشروعاته… الخ.
2- والقداسة تؤهلنا لميراث الملكوت
لأن “أَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ… يُعَايِنُونَ اللهَ” (مت5: 8).
و”الْقَدَاسَةَ… بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ” (عب12: 14).
حياة القداسة تؤهلنا لميراث الحياة الأبدية، كما ذكر لنا معلمنا بولس، فى أنشودته الخالدة فى غلاطية:
“وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِى الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: “يَا أَبَا الآبُ”. إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ” (غل4: 4-7).
وفى هذا المسلسل الجميل نكتشف أن:
ملء الزمان أعطانا الميلاد. والميلاد أعطانا الفداء.
والفداء أعطانا التبنى. والتبنى أعطانا الروح القدس.
والروح القدس أعطانا الميراث الأبدى.
إذن، فتجسد الرب وفدائه لنا، وتبنيه للبشر، جعلنا أهلاً لعمل الروح وتقديسه، ثم ميراث الملكوت الأبدى.
3- القداسة تجعلنا مشابهين صورة ابنه
لاشك أن حياة القداسة تعيد للإنسان الصورة الأصلية التى خلقنا الرب عليها إذ نفخ فى أنف آدم، فصار آدم نفساً حية، كما أنه خلقنا على صورته ومثاله:
– فى القداسة… لأن الله قدوس..
– وفى الخلود… لأن الله خالد..
– وفى الحكمة… لأن الله كلّى الحكمة..
– وفى السلطان… إذ سلطنا الله على الكون المادى وعلى الحيوان وسمك البحر..
– وفى الحرية… لأن الله حرّ، وأعطانا حرية الحياة معه أو ضده… على أن نتحمل تبعات اختيارنا!
ولاشك أن السيد المسيح بتجسده وفدائه، أعاد آدم إلى صورته الأولى، بل إلى ما هو أفضل منها، حيث أننا – بعد القيامة – سنقوم بأجساد نورانية روحانية سماوية، لا تأكل ولا تشرب، ولا تمرض، ولا تشيخ، ولا تموت إلى الأبد.
ثالثاً: أعداء القداسة:
لاشك أن للقداسة ثلاثة أعداء:
1- الجسد. 2- العالم. 3- الشيطان.
1- الجسد:
ونقصد به تيار الإثم العامل فى الجسم… إذ يقول معلمنا بولس: نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِى أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّى فِدَاءَ أَجْسَادِنَا” (رو8: 23).
والحديث هنا عن إنسان مؤمن بالمسيح، ومعمّد، وأصبح هيكلاً للروح القدس، إلا أنه يئن من وطأة تيار الإثم العامل فى جسدنا الترابي، الذى مازلنا نعيش فيه. والحلّ – كما يقول معلمنا بولس – هو أننا مع جهادنا ضد الخطية، ننتظر لحظة تغيير هذا الجسد الترابى إلى جسد سماوي… “وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ… إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ” (1كو15: 49، 50).
وللجسد حواس هى منافذ للخطيئة، وشهوات تنبع من الداخل ويغذيها الخارج!!
هكذا علينا أن نجاهد لحفظ حواسنا وعلاقاتنا من الخطية، وننتظر القيامة المجيدة التى فيها سيتجدد جسدنا ويصير نورانياً.
2- العالم:
ونقصد به العثرات والشهوات: “شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَم” (1يو2: 16).
وقد ازدادت هذه المحاربات بكثرة، وتنوعت فى صورها، وتفاقم تأثيرها على حياة القداسة لدى الإنسان المؤمن… لكنه يعرف أن الغلبة هى فى المسيح، وبالمسيح!! “هذِهِ هِى الْغَلَبَةُ الَّتِى تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا” (1يو5: 4). “أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو16: 33)… “مَنْ هُوَ الَّذِى يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِى يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟” (1يو5: 5).
ذلك لأن المعونة التى يهبها لنا الله بالنعمة، هى التى تجعلنا ننتصر على عثرات وشهوات العالم المحيط بنا… “الْعَالَمُ يَمْضِى وَشَهْوَتُهُ” (1يو2: 17)… “الَّذِى فِيكُمْ (أى روح الله) أَعْظَمُ مِنَ الَّذِى فِى الْعَالَمِ” (1يو4: 4).
3- الشيطان:
وهو (الْمُجَرِّبُ) (مت4: 3)، و(الْمُقَاوِمُ) (1تس2: 4)، و(إِبْلِيسَ) (مت4: 1)… الذى سقط من أعلى مكان، حينما تكبّر فى نفسه، وأراد أن يجعل كرسيه فوق كرسى الله: “رْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ” (أش 13:14 -14).
… فسقط إلى الأرض، وأخذ يغوى الإنسان لكى يسقط هو أيضاً… وقد أطاعه الإنسان فى البداية، حينما استمع إليه متكلماً فى الحية، لكن الرب وعد بسحقه بالصليب، حينما قال للحية: “أَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ” (تك3: 15).
وهذا ما تم فى الصليب، حينما قال الرب يسوع: “رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ” (لو10: 18). “رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ (الشيطان) يَأْتِى وَلَيْسَ لَهُ فِى شَيْءٌ. (يو14: 30).
وأيضاً الرسول يعقوب قائلاً: “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. (يع4: 7). فهو “كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ” (1بط5: 8).
وقد وعدنا بولس الرسول قائلاً: “إِلهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا” (رو16: 20).
معادلة النصرة:
المؤمن + المسيح › الجسد + العالم + الشيطان.
فالمؤمن تصحبه قوة المسيح اللانهائية، التى تتصاغر أمامها كل قوى الجسد والعالم والشيطان.
رابعاً: طريق القداسة :
يتلخص طريق القداسة فيما يلى:
1- الشبع الروحى المستمر: بوسائط النعمة, “النَّفسُ الشَّبعانَةُ تدوسُ العَسَلَ” (أم 27: 7). فالصلاة وكلمة الله والقراءات والاجتماعات الروحية والتناول والأصوام والتسبيح والخدمة, كلها وسائط مشبعة لأرواحنا, فلا تجوع إلى عسل الخطية المسموم!!
2- الجهاد الروحى المستمر: أى مقاومة الخطية من خلال التحفظ المستمر فى أمرين: الحواس والعلاقات. فالحواس هى منافذ الخطية, والإنسان المؤمن يقول مع المرنم: “الرب يحفظ مغاليق أبوابك ويبارك بنيك فيك”, كما أن أولاد الله صارت لهم “الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر”، كما أن المؤمن يتحفظ فى علاقاته وصداقاته واجتماعياته, حتى لا يجعل نفسه لقمة سائغة لإيحاءات العدو, من خلال أصدقاء السوء لأن “المُعاشَراتِ الرَّديَّةَ تُفسِدُ الأخلاقَ الجَيدَةَ” (1كو 15: 33). “ورَفيقُ الجُهّالِ يُضَرُّ” (أم13: 20).
3- الاعتراف الأمين والفعال: ففى الاعتراف نأخذ حِلا عن الخطايا وحَلا للمشكلات, وإرشادات روحية بناءة تسندنا فى جهادنا, وتعرفنا على مزالق الطريق, وحيل العدو, وأساليب التعامل السليم فى مواقف الحياة المختلفة. كما أن الاعتراف يريح النفس, وينير الطريق, ويضبط المسار اليومى.
4- روح الرجاء المستمر: فالإنسان المسيحى يجاهد بلا كلل, ولا يحسّ بالفشل مهما تكرر سقوط فى الخطية, فهو يعرف “أنَّ اللهَ لم يُعطِنا روحَ الفَشَلِ، بل روحَ القوَّةِ والمَحَبَّةِ والنُّصحِ” (2تي 1: 7). وهو لذلك يعرف طريق العودة السريع إلى حضن المسيح, كما أنه لا ييأس, فهو – بنعمة الله – لا ينزل إلى نقطة الصفر, وحتى إذا نزل لا يستمر فيها, بل ينتفض قائماً, فيحمله الرب إلى نعم ونجاحات وانتصارات, بقوة عمل الله وأمانة الإنسان.
فليعطينا الرب أن نشبع ونجاهد, وننتظم فى الاعتراف, ونحيا فى روح الرجاء, فى مسيحنا المحبوب والمحب, له كل المجد.
بقلم نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب