الذكاء الإجتماعي

الرئيسية / الذكاء الإجتماعي

الذكاء الإجتماعي

img_1418288087_488“السعادة لا تتوفر للمرء فيما يملك، بل فيما يفعل”…
(د. هنرى لنك)

للوهلة الأولى قد نتصور أن الذكاء مجرد إمكانية عقلية لا شأن لها بالعاطفة، وقد يظن البعض أن الذكاء يقتصر على التحصيل المعلوماتى، ومن ثم يعتبرون الحاصلين على درجات عليا فى الاختبارات الدراسية هم وحدهم الأذكياء! فما هذا الذكاء إلا الذكاء التحصيلى.

غير أن هناك نمطاً أخر من الذكاء، هو الذكاء الاجتماعى الذى يساعد الفرد على التفاعل مع الآخرين بمرونة خاصة، والتصرف فى المواقف المختلفة والمفاجئة بلباقة وحكمة، ويوفر له القدرة على اكتساب الأصدقاء، ويزوده بجاذبية تجعل الآخرين ينصتون إليه.

أحياناً يمتلك الفرد الذكاء بمفهومه الشامل، أى الذكاء بمعنى القدرة على التفاعل الاجتماعى بأن واحد، وأحياناً أخرى يمتلك الفرد أحداهما ويفتقر إلى الآخر بقدر ما ينمى أحد نمطي الذكاء ويهمل الآخر.

فمن درب نفسه على التحصيل المعلوماتى وأهمل التفاعل الاجتماعى، فقد يحقق فى دراسته مستوى عال من النجاح، وقد يحصل على أعلى الشهادات، ولكنه قد يفتقر إلى التفاعل الحيوى مع الاخرين
أما من درب نفسه على التفاعل الاجتماعى بقدر ما يتدرب على التحصيل الدراسى فانه بالتأكيد سوف يحقق نجاحاً اجتماعيا ووظيفياً امتداداً لنجاحه الدراسى.
واضح هنا أن الذكاء التحصيلى والاجتماعى كليهما مكتسب، وأن هناك دوراً تربوياً مهماً يقوم به الوالدان والمدرسون لتحقيق نوع من التوازن بين نمطى الذكاء بحيث يساهم كل نمط فى بناء الشخصية بشكل من الاشكال.
إن هناك دوراً مهماً يقوم به الفرد نفسه فى تنميه ذكائه واهتمامه وأولياته واختياراته، مدرباً نفسه حتى على ما لم يتدرب عليه فى طفولته.
سمات الذكاء الاجتماعى:
 القدرة على تفهم ظروف الآخر:
من الذكاء الاجتماعى أن يتفهم الواحد ظروف الآخر المختلفة، الظروف النفسية التى يمر بها “الآخر”، ومن ثم سوف نختار الكلمات المناسبة واللهجة والأسلوب، وربما نغمة الصوت التى نضمن أن يكون لها أفضل وقع على قلب
“الآخر الذى يفترض أن ذكاءنا العاطفى قد أتاح لنا سابقاً أن نتفهم شخصيته، وبالتالى أعددنا أنفسنا للتعامل معه فى ظروفه الجديدة.
 أن نتفهم الظروف الاقتصادية التى يمر بها الآخر دليل واضح على ذكائنا الاجتماعى، حيث نتعامل معه بأسلوب لا يجرح مشاعره، بل ويحفظ له كرامته…. ولاشك أن السلوك بالمحبة المسيحية يكسبنا نوعاً من الايجابية فى تعاملنا مع الآخرين، حيث نضع أنفسنا فى موضع لآخرين، لأنه هكذا علمنا الرب يسوع
“وكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا انتم أيضاً بهم هكذا” ( لو31:6).
القدرة على التعامل بمرونة مع “الآخر” هنا تعنى القدرة على التكيف مع طباع “الآخر” المختلفة دون التشبث بطريقتى الخاصة، أو محاولة فرض “تحيزاتى”، أو”شروطى” أو”قوانين” الخاصة ومسلماتى…. إنما ينبغى أن أعامله بأسلوب يقرب بيننا المسافات، ويشعره بأننى معه على الطريق، وبأن بيننا عوامل مشتركة توفر له الاطمئنان تجاهى، فينطلق فى هذا المناخ الحبى ليتافعل معى ببساطه وتلقائية أكثر، الأمر الذى ينمى علاقتنا بشكل ايجابي، بفضل هذا الذكاء الاجتماعى الذى يأخذ من خامات الآخر ويصنع منتجات تروق له…
هذا الأسلوب الذكى اتبعه بولس الرسول فى الخدمة والكرازة بالمسيح لغير المؤمنين فنجده يقول: “صرت لليهودى كيهودى لأربح اليهود، وللذين تحت الناموس كأنى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس لأربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء صرت للكل كل شئ لأخلص على كل حال قوما”ً (1كو9: 20-22).
 القدرة على السلوك بحكمة فى المواقف الحرجة بشكل يراعى مشاعر الآخر ويتجنب المساس بكرامته… هذه الحكمة تكتسب بالطبع من خلال خبرة التعامل والتفاعل مع الآخرين، ومن خلال المحاولة والخطأ حيث يتدرب الفردعلى تقدير أبعاد الكلمات ومغزاها، ومدى تأثيرها على الناس، ويتفهم من خلال التعامل مع من هم اكبر سناً وأكثر خبرة أن هناك مواقف تتطلب تصرفاً خاصاً قد لا يمكن للفرد استنتاجه دون ملاحظة الكبار المحافظين على أصول التعامل الانسانى الراقى، كما أن هناك كلمات تقال فى ظروف معينة قد لا تناسب ظروفاً أخرى..
وهكذا يكتسب الفرد تدريجياً حكمة التعامل مع الآخرين برفق ورقة، أو بمعنى آخر يكتسب مزيداً من الذكاء الاجتماعى… هذا الأسلوب نبهنا إليه الرب يسوع حينما طلب منا أن نكون بسطاء كالحمام، بمعنى نقاوة القلب والنية وحكماء كالحيات بمعنى أن نتصرف بشكل مدروس واع حتى لا نسئ إلى مشاعر الآخرين (متى16:10).
لدكتور/ عادل حليم

مشاركة المقال