الرهبنة وخدمة الكنيسة

الرئيسية / الرهبنة وخدمة الكنيسة

الرهبنة وخدمة الكنيسة

تدور علاقة الرهبنة وخدمة الكنيسة فى ستة محاور هى:Ava-Mossa2-1

أولاً: التواصل العضوى

 

– تواصل الرهبنة مع الكنيسة الأم مستمر، لأننا جميعاً أعضاء فى جسد المسيح… ولا يمكن أن يكون هناك شرخ أو عازل أو فاصل فى الجسد… ويؤكد هذا الكلام ما حدث فى زيارة الأنبا أنطونيوس للأنبا بولا، حين سأله الأنبا بولا سؤالين:

 

– السؤال الأول عن الكنيسة: ماذا عن هرطقة أريوس، وكفاح القديس أثناسيوس الرسولى؟

– السؤال الثانى عن النيل: هل النيل مازال يفيض…؟

 

– شئ جميل أن يكون الراهب بالرغم من أنه روحانى وسماوى يفكر فى الأبدية، إلا أن هذا لا يلغى إنسانيته أو عضويته فى جسد المسيح… أى إنه لا يفقد تواصله العضوى مع الكنيسة الأم. الراهب يشعر بالمسئولية عن الكنيسة كلها “عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ” (أش 6:62)

– مسئولية الراهب هنا هى الصلاة “يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي الأَرْضِ” (أش 62: 6-7)

– لذلك فالتواصل العضوى بين الرهبنة والكنيسة نجده فى موقف الأنبا أنطونيوس حينما سمع عن الإستشهاد، ترك البرية، ونزل ليثبت المؤمنين فى الإيمان مستعداً للاستشهاد. لم يكن سلبياً، وذلك بسبب شعوره بالعضوية فى الجسد المقدس.

ثانياً: الصلاة الدائمة

 

– الرهبنة علمت المؤمنين فى الكنيسة الصلاة الدائمة … فنجد أن الأنبا أنطونيوس يوصى أولاده فى كل مكان أن يصلوا قائلين: “ياربى يسوع المسيح أرحمنى… ياربى يسوع المسيح أعنى… أنا اسبحك يارب يسوع المسيح” وهذه صلاة يسوع المشهورة والتى كان يرددها السائح الروسى… هذه الصلاة ليست روسية بل هى صلاة قبطية أصيلة، علمها لنا الأنبا أنطونيوس، ونصليها فى الإبصاليات كل يوم.

 

– الرهبنة علمتنا أن نعيش مع المسيح فى كل لحظة… علمتنا أن نكون فى حالة إتصال دائم مع الله

– الآباء علمونا أن “صلاة يسوع” تكون مثل النفس الداخل والخارج… وفى كل نفس نقول: “يا ربى يسوع المسيح”… هذه البركة أعطتها الرهبنة للكنيسة.

– الأب ليف جيليه حينما زار مصر وعمره وقتئذ كان 75 عام… ذهبنا إلى حلوان لنحضره إلى رابطة القدس… والمترو فى هذه الأيام كان مزدحماً جداً، وكان العمال يقفزون إلى المترو من الشبابيك… ولكن هذا الأب رفض أن يركب الأتوبيس السياحى وفضل أن يركب وسط الزحمة… وقلت له والعمال يتزاحمون حوله: “أتمنى أن لا تكون متضايقاً من هذا الأزدحام” فأجابنى: “لا لا… يمكنك أن ترى المسيح فى كل هذه الوجوه” لأنه يعلم أن كل هؤلاء مخلوقون على صورة المسيح. وحينما نزل واحد من العمال وجلس أبونا مكانه رأى الكنيسة المعلقة وشرحت له أنها كنيسة أثرية… ولكنه لم يعط إهتماماً كبيراً للموضوع لأنه كان مشغولاً بصلاة يسوع.

 

– صلاة يسوع تبدأ باللسان، والذى يقود بدوره إلى الفكر ثم تستقر فى القلب، وتعود تقفز إلى اللسان… وهكذا فى دورة كاملة فى حياة الإنسان تكون هذه الصلاة مشبعة وداعمة وحافظة!!

– بينما كنا نتناول طعام الافطار مع أبونا بيشوى كامل ونتحدث فى أمور مختلفة… وجدناه يقول: “يا حبيبى يا يسوع” لقد كان يحيا فى عرس وفرح داخلى بالمسيح.

– الصلاة الدائمة هى بالحقيقة عطية من عطايا الرهبنة للكنيسة.

 

ثالثاً: التطلع السماوى

 

– الذى يزور الدير ويرى الرهبان والحياة الديرية يعتبر العالم كله نفاية سواء: المادة – المناصب – الكرامة… إلخ ويشعر أن الراهب انتصر على هذه كلها، طالبًا وجه الرب…

– الأنبا أنطونيوس باع كل ماله وخرج إلى المسيح، والأنبا بولا قال: “أترك العالم بإرادتى” فالرهبنة رفعت أنظار الناس للسماء.

– الرهبنة جعلتنا نفكر فى الأبدية… هذه خدمة أخرى للرهبنة فى الكنيسة المقدسة.

 

رابعاً: مدرسة الفضائل

 

– الرهبنة قدمت بستان الرهبان وهو الذى يغذى شعب الكنيسة بقصص وأقوال وحياة الآباء… ليتعلموا منها.

– إن يد الرب فى الدير تكون قريبة منا أكثر من العالم، لأننا سنكون معه، وهو المهتم بأمورنا… وأنت فى الدير الله يدبر لك كل شئ، بينما وأنت فى العالم الناس حولك كثيرون يساعدونك، بنعمة ربنا.

 

– “مفاتيح الخزائن موضوعة فى أيديكم لكى تأخذوا وتعطوا حتى تحبوا وتحبوا أخرين(القديس أمبروسيوس) أى تقدموا الحياة الروحية للآخرين… هكذا علمنا الأباء

– “فى كل موضوع يصير المخلص هو الكل للكل: فللجائع يصير خبزاً، وللعطشان ماء، وللموتى قيامة، وللمرضى طبيباً، وللخطاة خلاصاً“. (القديس كيرلس الأورشليمى)

– “النعمة دائماً مستعدة أن تطلب الذين يطلبونها بكل ترحيب. هكذا يرى سيدنا نفساً ساهراً وملتهبة حباً يسكب عليها غناءً يفيض وغزارة تفوق كل طلبة“. (القديس يوحنا ذهبى الفم)

– “ليس أقوى من الذى يتمتع بالعون الإلهى وليس أضعف من الذى هو محروم منه”. (القديس يوحنا ذهبى الفم)

– “ألبس التواضع كل حين وهو يجعلك مسكناً لله“. (الشيخ الروحانى)

– “من رآه ثم احتمل أن لا يراه؟ ومَن سمع صوته واحتمل أن يعيش بدونه“. (الشيخ الروحانى)

– الراهب نفس حية عضو فى جسد المسيح… والخير الذى يعم على عضو يعم على جميع الأعضاء فمثلاً: لو أن العين متميزة فى الإبصار فهذه ميزة للجسد كله.

– من اختبر ربنا يعيش هذا العمق، ويقدمه للناس، حتى وهو راهب أو متوحد أو فى أى مكان.

– الرهبان أعضاء متميزون بنعمة المسيح، فى جسد المسيح، يقدمون الخير للكنيسة.

– الرهبنة مدرسة للفضائل فنجد “التوبة” فى القديس موسى الأسود و”عدم الإدانة” فى القديس يحنس القصير.

– الراهب يعيش عمق الحياة الرهبانية فيكون مدرسة للفضائل… فالناس تجد الفضيلة متجسدة فى الأباء.

 

خامساً: الرهبنة تقدم النموذج الإنجيلى

 

– أنبا أنطونيوس سمع الآية الإنجيلية وعاش هذه الآية بعمقها… لذلك حينما سأله الفلاسفة: “كيف تعيش فى البرية بدون كتب؟”… أجاب: “كتبى هى شكل الذين كانوا قبلى، وإن أردت أن أقرأ ففى كلام الله أقرأ“… فكان إنجيلياً حتى النخاع، رغم ندرة نسخ الكتاب المقدس فى ذلك الوقت.

– وكان يقول لتلاميذه: “ليكن لك شاهداً من الكتب المقدسة على كل عمل تعمله”

– فالراهب إنجيل متحرك يمشى على قدمين.

– الناس تنظر للرهبان نظرة متسامية… فنحن بعنا العالم، لكن كسبنا أكثر! بعنا الرخيص وكسنبا الغالى! بعنا المحدود وكسبنا غير المحدود!

سادساً: تفريخ قيادات للكنيسة

 

– لقد قدمت الرهبنة للكنيسة الآباء المطارنة والأساقفة والمتبتلين الذين خدموا الكنيسة، انعزلوا عن العالم ثم استدعاهم الرب للخدمة.

 

توجد إحصائية للبطاركة وهى:

– مارمرقس كان بتولاً.

– 8 من الأباء البطاركة كانوا مطارنة وأساقفة.

– 8 من الأباء البطاركة كانوا مديرى الاكليريكية.

– 20 من الأباء البطاركة كانوا كهنة متبتلين.

– 4 من الأباء البطاركة كانوا شمامسة متبتلين.

– 73 من الأباء البطاركة كانوا رهباناً.

 

– المادة الخام للقيادات الكنسية تتكون فى حياة الرهبنة.

– الرهبنة حفظت سلامة الإيمان والعقيدة … فالأنبا أثناسيوس ذهب للأنبا أنطونيوس ليتقوى به ضد أريوس.

– الرهبنة هى المخزن والينبوع، لكل مفردات الإيمان المسيحى والعقيدة الأرثوذكسية.

– الرهبنة قدمت للكنيسة، قيادات كثيرة للخدمة.

 

نشكر الله من أجل الرهبنة… فالطوائف الأخرى تقول لنا: “يا بختكم بالرهبنة” لأن فعلاً الرهبنة فى الكنيسة القبطية أصلت فى الشعب القبطى الجذور الروحية والإيمانية والعقيدية والآبائية والنسكية

 

إذاً لو شعرنا بالتواصل العضوى مع جسد الكنيسة كله، ورفعنا قلوب الناس للملكوت بالصلاة الدائمة، فتطلعوا إلى السماء، نكون قد قدمنا للكنيسة مدرسة فضائل، متجسدة فى البشر، وذلك من خلال قيادات كنسية قدمتها الرهبنة للكنيسة القبطية.

نيافة الأنبا موسى

مشاركة المقال