الروح… ومواهب للخدمة

الرئيسية / الروح… ومواهب للخدمة

نأتى الآن إلى ختام رحلتنا مع “عمل الروح القدس فى حياتنا“، وهو أن “الروح يعطينا مواهب للخدمة“…صورة اجتماعات الشاب

مراحل رحلتنا مع الروح القدس

 

لقد سارت رحلتنا مع الروح القدس كما يلى :

 

1- أن الروح القدس يبكتنا لكى نتوب عن خطايانا، عاملاً فى ضمائرنا لنتحرك فى إتجاه التوبة.

2- وحين نبدأ طريق التوبة، يرشدنا إلى كل الحق، حتى نعرف كيف نحيا للمسيح، ونصير أعضاء حية فى الكنيسة، جسده المقدس.

3- وفى الكنيسة يقدسنا الروح القدس، من خلال الأسرار المقدسة، ووسائط النعمة، حينما يجددنا ويلدنا ثانية بالمعمودية، ويثبتنا ويسكن فينا بالميرون، فنفرح بعمل رب المجد وسكناه داخلنا بالتناول. وحينما نخطئ يعطينا التوبة المقدسة، ويرشدنا من خلال أب الاعتراف، الذى من خلاله ننال حِلاً عن خطايانا، وَحّلاً لمشاكلنا اليومية. فإذا مرضنا نتبارك بسّر مسحة المرضى الذى فيه يتم شفاؤنا روحياً وجسدياً حسب مشيئة الله المقدسة. ولما ينضج الإنسان، فالغالبية يأخذون بركة سر الزواج المقدس، والبعض يختارهم الرب للبتولية، حسب الموهبة المعطاة لكل منا، وهما طريقان للخلاص. وهذه الأسرار كلها يخدمها سر الكهنوت المقدس، حسب وصايا الرب، ونصوص الكتاب.

4- لكن هذه العطايا كلها لا تمنع أننا كثيراً سوف نحتاج إلى أن يقودنا الروح، فهو أضمن قائد لمسيرة حياتنا نحو الملكوت، “الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ” (رو 14:8)، وتتم هذه القيادة من خلال الكتاب المقدس، والتعليم الكنسى، وأب الإعتراف.

5- إلا أن طريقنا لن يخلو من الآلام، فقد صارحنا الرب بذلك حين قال لنا: “فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ…” (يو 33:16)، ولكن روح الله أى المعزُى، ” الَّذِى يُعَزِّينَا فِى كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّىَ الَّذِينَ هُمْ فِى كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِى نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ” (2كو 4:1).

6- وهنا يكون قد وصل الروح إلى أعماقنا، وحينئذ سوف يثمر فينا ثماره المقدسة: “مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل 22:5).

7- ويكتمل عمل الروح فينا – بعد ذلك – حينما يعطينا مواهب للخدمة، وهذا موضوع حديثنا.

الروح… ومواهب الخدمة

 

يعلمنا القديس بولس الرسول أن الخدمة فى حاجة إلى مواهب كثيرة، وأن الروح القدس هو مانح هذه المواهب.

 

فما هى المواهب المطلوبة ؟

 

يقول معلمنا بولس: “لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا” (رو 6:12)، ثم يبدأ فى تعداد هذه المواهب كأمثلة تحتاج إليها الخدمة فى كل مكان وفى كل جيل:

 

1- النبوة : وهى الوعظ الممسوح بالروح القدس، أو إمكانية التنبؤ بالمستقبل.

2- الخدمة : أى الدياكونيا، وخدمة احتياجات الناس المختلفة.

3- التعليم : أى شرح الطريق روحياً ولاهوتياً وعقائدياً وكنسياً.

4- الوعظ : وهو حث الناس على التوبة والعودة إلى الله.

5- العطاء : عطاء المادة والجهد والوقت، بسخاء وبسرور.

6- التدبير : خدمات الإدارة والتنظيم والقيادة.

7- الرحمة : بأخوة الرب الفقراء والمرضى والمظلومين.

8- المحبة : علاقات المحبة داخل وخارج الكنيسة.

9- العبادة : خدمات الصلوات والتسابيح.

10- المشاركة : مع الفرحين والباكين، مشاركة لهم فى ظروفهم.

11- خدمة القديسين : أى خدام الرب، وأخوته الفقراء أيضاً.

12- الغرباء : أى خدمة الضيوف والمسافرين والمغتربين، ورعاية احتياجاتهم.

 

ولاشك أن كل خدمة أو موهبة من هذه المواهب، فيها الكثير من الفروع… فنحن تحت كلمة “الخدمة” (دياكونيا)، والاهتمام باحتياجات الناس المختلفة، نستطيع أن نجد الكثير من المجالات: مثل خدمة المعوقين بدنياً، أو ذهنياً، والمكفوفين، والصم والبكم، والمسجونين، والمرضى، والمدمنين… الخ. وتحت خدمة “التعليم والوعظ“، هناك خدمة المراحل العمرية المتعددة: كالأطفال، والفتيان، وشباب المرحلة الثانوية، والمرحلة الجامعية، والخريجين، والمخطوبين، والمتزوجين حديثاً، وتوجيهات التعامل بين الآباء والأبناء، والمسنين، وأصحاب المعاشات…

 

كما أن هناك خدمات تعليمية فئوية، ما بين الريف، والحضر، والمجتمعات العمالية، والمناطق العشوائية…

وكذلك هناك تخصصات من حيث الموضوعات التعليمية: الدراسات الكتابية، والعقائدية، والطقسية، والتاريخية، والآبائية، والإنمائية، والثقافية، والإقتصادية، والمجتمعية… الخ.

 

ولاشك أن هذا كله يحتاج إلى عطايا ومعونة خاصة من الروح القدس، الذى يجمعنا معاً كأعضاء فى جسد واحد، ولكنه يعطى كلاً منا ما يناسبه من عطايا وتخصصات من أجل خدمة بقية الجسد، ومسيرة الملكوت…

 

الروح يعطينا المواهب

 

لا يجسر إنسان أن يدعى الملكية الخاصة لموهبة ما، فالكل من الله!! حتى مجرد الإيمان بالمسيح، غير ممكن بدون التجاوب مع عمل روح الله فينا، إذ “وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ” (1كو 3:12)، “فالإِيمَانِ هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ” (أف 8:2). ودور الإنسان أن يتجاوب ويأخذ هذه العطية من الله.

 

وفى هذا يقول الرسول بولس: “فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌوَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌوَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِى يَعْمَلُ الْكُلَّ فِى الْكُلِّ” (1كو 4:12-6).

 

ذلك لأنه “وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ” (1كو 7:12). “لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍوَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً” (1كو 13:12).

 

فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضاً لَيْسَ عُضْواً وَاحِداً بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ.. أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً” (1كو 14:12-27)… “نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِى الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ” (رو 5:12).

 

 

والكنيسة هى جسد المسيح، والرب يسوع هو رأس هذا الجسد، والقديسون هم أعضاؤه السمائية، والمؤمنون هم أعضاؤه الأرضية، والإنسان المسيحى كعضو فى هذا

الجسد المقدس – يحيا ثلاثة علاقات:

 

 

1- يتحد بالرب يسوع، من خلال التناول ووسائط النعمة.

2- ويتحد بالقديسين السمائيين، من خلال الشفاعة والاقتداء بسيرهم المقدسة.

3- ويتحد بأخوته المؤمنين المجاهدين على الأرض، بالمحبة والخدمة…

 

أضف إلى ذلك علاقة رابعة هامة، أن هذا المؤمن يشهد للمسيح فى العالم والمجتمع، نوراً ينشر الحب، وملحاً ينشر الحياة، وسفيراً يدعو للمصالحة مع الله، ورسالة معروفة ومقروءة من جميع الناس، ورائحة زكية للذين يخلصون وللذين يهلكون، وخميرة صغيرة تخمر العجين كله.

 

وهكذا يستخدم المؤمن عطايا الروح له، خدمة للكنيسة، وشهادة لكل العالم.

أنواع المواهب الروحية

 

يتحدث معلمنا بولس الرسول عن هذه المواهب بالتفصيل فى رسالته الأولى إلى كورنثوس، فيقول: “فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ” (1كو 8:12-11).

 

وفى موضع آخر يقول: “فَوَضَعَ اللهُ أُنَاساً فِى الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً ثَانِياً أَنْبِيَاءَ ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ ثُمَّ قُوَّاتٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ أَعْوَاناً (أى معاونون)، تَدَابِيرَ (مدبرون)، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ.. جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى” (1كو 28:12-31).

 

وفى هذه النصوص المقدسة، نجد الحقائق التالية:

 

1- أن الله هو معطى المواهب للبشر “فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ” (1كو 4:12).

2- أنه يفعل ذلك للمنفعة “وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ” (1كو 7:12).

3- أنه يعطى المواهب كما يشاء “قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ” (1كو 11:12).

4- أن المواهب تتكامل معاً كأعضاء الجسد، تختلف وظائفها وخصائصها ولكنها تعمل معاً من أجل بنيان الجسد (1كو 14:12-27).

5- أننا ينبغى أن نجتهد روحياً ليعطينا الرب ما يشاء من عطايا، لخدمة الجسد الواحد (1كو 31:12).

6- أننا يجب أن نفرح بعضنا للبعض الآخر، فنمو عضو، هو خدمة لباقى الأعضاء (1كو 26:12).

7- أن المحبة أفضل من المواهب، فهى كمال الناموس، وسوف تستمر معنا إلى الأبد (1كو 31:12، 1:13-8:13).

 

أنواع العطايا الروحية

 

إذا كان الرسول بولس قد ذكر لنا تسعة من ثمار الروح، فهو قد ذكر لنا أيضاً تسعة من مواهب الروح، وهى :

 

1- كلام الحكمة : فالروح القدس هو الذى ينير ذهن الخادم، فيتكلم بحكمة الله، ويشرح طريق الملكوت بوعى سليم، ويعرف – بالروح – منعطفات الطريق، ومشكلاته، ومراحله، من التوبة عن الخطايا، إلى الشبع بوسائل النعمة، إلى الخدمة الأمينة، إلى التكريس الكامل للمسيح… وهكذا عاش آباؤنا، سواء خدام الكلمة (الكهنة والشمامسة) أو مدبروا النفوس (فى الاعتراف والأديرة)، خاضعين لعمل روح الله، ليعطيهم حكمة فى فهم نفوس السامعين، واحتياجاتهم، وفى تقديم ما يناسبهم على المستوى الشخصى، والأسرى، والكنسى، والإجتماعى.

2- كلام علم : وهذه عطية خاصة للبعض، إذ يعطيهم إمكانية الدرس والتعمق والبحث، فيغوصون فى كلمة الله، أو يتأملون فى أعمال الله، أو يشرحون لنا أمور اللاهوت والعقيدة، فيقدمون لنا كل يوم لآلئ نفيسة، كما نراها فى فكر الآباء القديسين، الذين كتبوا لنا فى أمور الدفاع عن الإيمان، وتفسير الكتاب المقدس، والعظات والمقالات والرسائل، وشرح الليتورجيات الكنسية، والنسكيات، والتاريخ الكنسى، وقوانين الكنيسة، والشعر، والتسبيح، والحوارات… الخ.

3- إيمان : والمقصود طبعاً الإيمان المتميز، إيمان المواقف والمعجزات، كإيمان القديس ابرآم بن زرعة، والقديس سمعان الخراز، الإيمان الذى به ” قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ

 

ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِى الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍعُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَىْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَتَجَرَّبُوا فِى هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِى قُيُودٍ أَيْضاً وَحَبْسٍ، رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِى جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِى بَرَارِىَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ.. فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَىْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا” (عب 33:11-40). إنها الأنشودة الخالدة، التى امتدت من العهد القديم، إلى العهد الجديد، إلى الكنيسة فى الماضى والحاضر والمستقبل، حتى تصل بنا إلى الملكوت السعيد، والخلود المجيد.

4- مواهب شفاء : وما أكثر ما فى تاريخ الكنيسة من معجزات شفاء، قديماً وحديثاً، فقد منحنا الرب محبة خاصة للقديسين والقديسات، وعلى رأس الكل العذراء المطوبة، الملكة الحقانية، وقصص معجزات الشفاء لا تنتهى من كنائسنا وبيوتنا. أن إلـه العهـد القديم الـذى أعطـى أليشـع إمكانية شفاء نعمان السريانى، هو إله الكنيسة الذى أعطانا الكثير من المعجزات، بشفاعة أمنا العذراء، أو الشهيد مارجرجس، والشهيد مارمينا، والشهيد أبو سيفين، والقديس أبانوب… الخ.

5- عمل قوات : وهى المعجزات الخارقة، غير معجزات الشفاء، مثل معجزة نقل الجبل المقطم، أو صلاة البابا بطرس الجاولى من أجل فيضان مياه النيل، أو غير ذلك من الأمور التى تظهر عمل الله، ووجوده الخالد فى حياتنا.

 

ولاشك أن كلا منا، لو تأمل قليلاً، للاحظ يد الله فى حياته، تعمل الكثير لخيره ورعايته وخلاصه. ولدينا الكثير من قصص النجاة من حوادث الطرق أو ساحات الحروب، بشفاعة آبائنا القديسين، القادرين بنعمة الله على عمل هذه القوات.

 

6- نبوة : وهذه الموهبة على نوعين:

 

أ- الوعظ الممسوح بالروح القدس.

ب- معرفة المستقبل.

 

وفى النوع الأول… نجد معلمنا بطرس يتحدث إلى الآلاف، فيؤمن ثلاثة آلاف بالمسيح، ويتم تعميدهم… وتستمر الموهبة حتى إلى الوعاظ المشهورين فى تاريخ الكنيسة: كالقديس أثناسيوس والقديس مكاريوس والقديس يوحنا ذهبى الفم والقديس امبروسيوس… وحالياً قداسة البابا شنوده الثالث الذى نال جائزة عالمية خاصة فى الوعظ، وأثرى الكنيسة بعظاته المباركة.

وفى النوع الثانى… نجد فى العهد الجديد بنات فيلبس المبشر، اللواتى “كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ” (أع 9:21)، وكذلك أغابوس، الذى تنبأ للرسول بولس، كيف أن اليهود سيربطونه فى أورشليم، ويسلمونه إلى أيدى الأمم (أع 11:21)، ولكنه لم يقل للرسول بولس أن لا يذهب إلى أورشليم، لذلك فعندما طلب إليه المؤمنون أن لا يصعد إلى هناك، قال الرسول العظيم: “مَاذَا تَفْعَلُونَ؟ تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِى. لأَنِّى مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضاً فِى أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ” (أع 13:21).

 

7- تمييز الأرواح : وهى موهبة الحكمة الروحانية الفائقة، التى تعطى لأصحابها إمكانية تمييز الأرواح، بمعنى الإفراز والتفرقة، بين ما يكون من روح الله أو روح العدو، كما شاهدناها فى بطرس الرسول، وهو يوبخ سيمون الساحر قائلاً: “لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِىَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ. لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِى هَذَا الأَمْرِ لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيماً أَمَامَ اللهِ” (أع 20:8-21). ونفس هذه الموهبة كانت لدى معلمنا بطرس كما ظهر فى حادثة حنانيا وسفيرة، حينما علم بالروح القدس أنهما اتفقا على تجربة روح الرب (أع 1:5-11).

 

وكذلك معلمنا بولس الرسول، حينما التقى بالساحر بار يشوع، النبى الكذاب اليهودى، الذى أراد أن يفسد الوالى عن الإيمان، فوبخه الرسول ضارباً إياه بالعمى إلى حين (أع 6:13-12).

ولاشك أن هذه الموهبة موجودة حتى الآن فى الكنيسة، وهناك آباء فى التاريخين القديم والحديث، أعطاهم الرب إمكانية الإفراز وتمييز الأرواح، من أجل بنيان الجماعة الكنسية، وأعضاء الجسد المقدس. وهى موهبة لازمة فى كل الدهور، للتمييز بين التعليم السليم والخاطئ، وبين السلوك الروحى والنفسانى، وبين العمل الإلهى والبشرى والشيطانى.

 

8- أنواع ألسنة : وهى موهبة هامة لنشر كلمة الله، وكذلك كآية لغير المؤمنين (1كو 22:14). ولابد أن تكون عطية من الله، يعطيها لمن يشاء، من أجل الإيمان والخدمة. وهذا ما حدث يوم الخمسين، حينما تكلم الرسل بألسنة كثيرة، حيث اجتمع حوالى خمسة عشر جنسية فى أورشليم، وشاهدوا هبوب الريح العاصفة، والألسنة النارية، واستمعوا إلى الرسل “كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ” (أع 6:2)، مما جعل ثلاثة آلاف يؤمنون ويعتمدون فى يوم واحد، ثم يعودون إلى بلادهم مبشرين بالمسيح، وشاهدين لعمل روح الله.

 

ونسمع فى تاريخ الكنيسة أن القديس باخوميوس أخذ لساناً يونانياً ليستطيع أن يدبر حياة الرهبان الناطقين باليونانية، ويستمع إلى اعترافاتهم، ويرشدهم فى طريق الملكوت.

 

9- ترجمة ألسنة : وهى موهبة مكملـة للسابقة، كما أنهـا مثلهـا، آيـة لغير المؤمنين، وكانت هامـة لنشر الكلمة. لـذلك طلـب الرسول أن يصلى أولاده، ويجتهدوا فى أن تكون هناك ترجمة للألسنة، بنياناً للمؤمنين… “مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَىْ يُتَرْجِمَ” (1كو 13:14)، قائلاً: “إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ فَرُوحِى تُصَلِّى وَأَمَّا ذِهْنِى فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ. فَمَا هُوَ إِذاً؟ أُصَلِّى بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّى بِالذِّهْنِ أَيْضاً. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضاً” (1كو 14:14).

 

وهنا نتوقف لنقول أن بعض غير الأرثوذكس، يطلبون موهبة الألسنة بالذات كعلامة وحيدة للملء الروحى، وهذا أمر غير كتابى، إذ أن الرسول يؤكد لنا أن الرب يعطينا المواهب “كَمَا يَشَاءُ” (1كو 11:12)، وليس كما يشاء الإنسان. كما أن اللسان يجب أن يكون لغة مفهومة. حتى يكون آية لغير المؤمنين، “إِذاً الأَلْسِنَةُ آيَةٌ لاَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَلْ لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ” (1كو 22:14). أما ما يحدث أحياناً من أصوات غير مفهومة، لا كلمات فيها، ولا لغة يعرفها أحد السامعين، فهذه أمور نفسية، تحدث من تقلصات بعضلات اللسان والفم، بقصد أو دون قصد، نتيجة الإنفعال، والتركيز على ضرورة الكلام بلسان!!

 

بل أن الرسول بولس يشترط لموهبة الألسنة أن تترجم (1كو 13:14)، حتى يستفيد المؤمنون جميعاً. كما أنه يفضل موهبة النبوة (الوعظ الممسوح بالروح القدس)، على موهبة الألسنة، إذ يقول: “جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ وَبِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا، لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِى نَفْسَهُ وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِى الْكَنِيسَةَ..” (1كو 1:14-4). ثم يقول: “أَنْ تَتَنَبَّأُوا لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً” (1كو 5:14).

 

???

 

ختاماً نقول: أن المواهب الروحية هامة لخدمة الكنيسة، لكن الرسول نفسه يفضِّل عليها المحبة، حين يقول: “جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِى مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ” (1كو 31:12 ،1:13)… ثم يقول بعد ذلك: “وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِى وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُأَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ” (1كو 13،8:13).

 

لهذا يجب أن نصلى لكى نحب بعضنا بعضاً من قلب طاهر وبشدَّة، لأن كل الناموس فى كلمة واحدة يكمل: “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (غل 14:5). وهذا مستحيل، ما لم نفتح قلوبنا للرب، ليسكن فيها ويفرحها، وذلك حينما ننفذ وصية “تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ” (مت 37:22-39).

 

لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِى قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا” (رو 5:5)… فلنطلب من روح الله أن يسكب محبته الإلهية فى قلوبنا، فالمحبة هى طريقنا إلى الملكوت، بل هى الملكوت نفسه، لأن “اللهُ مَحَبَّةٌ” (1يو 4 :16).

انبا موسى

 

 

 

 

 

 

 

 

مشاركة المقال