الشباب… والإستنارة

الرئيسية / الشباب… والإستنارة

يقول القديس أنطونيوس الكبير: “من يعرف ذاته يعرف الله، ومن يعرف الله يعرف زمانه”.4

 

? معرفة الذات، أى إدراك تكوين الإنسان الداخلى من جسد ونفس وعقل وروح… وكل منها فيه دقائق ومشتملات تؤكد وجود الخالق، من أكبر عضو إلى أصغر خلية، إلى الشفرة الوراثية “الجينوم”…

وهكذا بالتأمل فى داخل النفس والكيان الإنسانى، أعرف الله، أى اهتدى إلى خالق هذا الكيان المذهل، منذ كان خلايا صغيرة، إلى أن صار إنساناً ناضجاً!

? وهكذا إذ أعرف الله، اقترب منه أكثر، من خلال الشركة الحية معه فى الصلاة بأنواعها: القداس الإلهى وصلوات الساعات، والصلوات السهمية، والمناجاة الحرة… فيملأنى روحه، وتنسكب فىّ نعمته، وأصير ابناً له، متشبهاً به!

? ومن خلال معرفة الله يستنير الذهن، فيبدأ بأن يعرف زمانه، أى يكون لديه الإفراز بين الغث والسمين، الصالح والمضرّ، البناء والهدام… وهكذا يميز الشباب أصدقاءهم ووسائل ترويحهم وما يقرأون ويشاهدون ويسمعون!! وهذا ما نسميه “الإستنارة”.

 

فالإستنارة فى المفهوم الإنجيلى والآبائى، أن يشرق نور الله فى ذهن الإنسان، فيستطيع أن يمتلك موهبة الإفراز والتمييز، ويكون لديه العقل الحكيم، الذى يقتاده الروح القدس، فتكون قراراته واختياراته سليمة.

 

والإستنارة فيها عناصر كثيرة، يجب أن تتوافر للإنسان حتى يتمتع بها، وهذه أهمها :

 

1- المعمودية :

التى فيها يستنير الإنسان بسبب تجديد الروح القدس لحياته، حينما يولد من الماء والروح. لهذا تحرص الكنيسة على أن تقدم لنا إنجيل المولود أعمى فى أحد التناصير، لتذكرنا أن من أهم أعمال روح الله فى حياتنا أنه يفتح بصيرتنا الداخلية، فنرى ما لا يراه الناس:

 

? نرى أنفسنا على حقيقتها!

? نرى الله كمخلص محب!

? نرى الطريق فنسير فيه باطمئنان!

? نرى الحقيقة فلا يخدعنا زيف هذا العالم!

 

وحينما يتعرف الإنسان إرادياً على عمل الله، وتسكن فيه حكمة القدير، يصيح قائلاً: “كنت أعمى، والآن أبصر”. إذ يزيل الله عنه غشاوة الحسيات، وزيف العدو، وخداعات العالم، فينسكب النور الإلهى فى قلب الإنسان وذهنه، ويصير بالحقيقة إنساناً مبصراً وحكيماً.

2- الكلمة :

فكلمات الإنجيل خير نور للطريق، وسراج للحياة: “سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى” (مز 105:118)، “الوصية مصباح والشريعة نور” (أم 23:6)، “أنا هو نور العالم، من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة، بل يكون له نور الحياة” (يو 12:8).

لذلك فالمسيحى الحقيقى لا يكف عن قراءة الكلمة، ويحتضنها فى قلبه حباً، وفى ذهنه مبادئ، وفى سلوكه دستوراً!!

 

ومن خلال قراءة الكلمة يستنير الذهن، ويعرف الإنسان أين يضع قدميه.

 

3- القراءة :

فهى وسيلة هامة لشرح الكلمة، فالقراءات الروحية هى شرح وتفسير وإيضاح لكلمة الله، وحث وتحريك للقلب والإرادة ليسير الإنسان فى الطريق السليم، دون أن يتعرض لمزالق خطرة، أو حيل العدو، أو مصائد الخطيئة. القراءة تنير العقل، وتعرف الإنسان بكل ما يتعرض له من حروب روحية، قد تفقده خلاصه. ومن خلال القراءات الروحية، يضيف الإنسان إلى نفسه خبرات آخرين غيره، فيتقدم ويصير حكيماً.

4- الإرشاد الروحى :

فالإنسان حينما يفكر بمفرده، يجد نفسه أحياناً حبيس شهوات نفسية، أو خداعات شيطانية، تظهر وكأنها ملائكة نور!! وهكذا يحتاج أن يعرض أفكاره على أبيه الروحى، حتى لا يسقط فى خداع، أو غرور، أو سلوك خاطئ! وكم من مجاهد ضاع كل جهاده كقش وخشب، أمام نار دينونة الله، لأنه سلك بدون إرشاد، وبوحى من ذاته!! وبالعكس، كم من إنسان بسيط استنارت عينه بنور الكلمة، واسترشد فى كل خطوة من خطوات حياته، فسلك فى الطريق المستقيمة ولم تفترسه الضباع!

وهكذا نستطيع أن نسلك فى النور، عاملين بوصية الكتاب والرب يسوع: “فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام و الذي يسير في الظلام لا يعلم الى اين يذهب، ما دام لكم النور امنوا بالنور لتصيروا ابناء النور تكلم يسوع بهذا ثم مضى و اختفى عنهم (35:12-36). وكذلك نستطيع أن نقتدى بداود النبى حينما قال: ” سراج لرجلي كلامك و نور لسبيلي (مز119: 105). فتح كلامك ينير يعقل الجهال (مز119: 130).

“الوصية مصباح و الشريعة نور” (ام6 : 23).

 

 

فليعطنا الرب هذه الإستنارة، لنعرف طريقنا، ونقوم خطواتنا

نيافة الأنبا موسى

مشاركة المقال