الشباب والحاجات النفسية 2
ثانياً: أمثلة للحاجات النفسية :
هناك أمثلة كثيرة للحاجات النفسية نذكر منها :
1- الحاجة إلى الحب : فالإنسان مخلوق عاطفى، وفيه وجدان دافئ، يود أن يحب، وأن يكون محبوباً. من هنا يجتهد الإنسان فى أن يقدم حبه للآخرين، وأن يجد منهم ما يحتاج من عاطفة دافئة ومحبة صادقة. ويستحيل أن تستريح نفس الإنسان، إن كان كارها ومكروهاً.. فهذه حياة لا تطاق، سواء روحياً أو نفسياً أو إجتماعياً أو حتى بدنياً… فالحب دائماً يبنى، والكراهية دائماً تهدم. إن سعادة اللقاء بالأحباء لا يدانيها شئ آخر، وبخاصة حينما تكون محبتنا روحانية (أغابى) وليست إنسانية قاصرة (فيلى)، وبالقطع ليست شهوانية جسدانية مرفوضة (ايروس). الإنسان المسيحى ينال من الرب طاقة حب جبارة ومقدسة، فيحب الآخرين “من قلب طاهر بشدة” (1بط 22:1)، ويكون شعاره “بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً” (غل 13:5).
2- الحاجة إلى الأمن : إذ يحتاج الإنسان إلى الإحساس بأنه آمن نفسياً وجسدياً… سواء من جهة مستقبله فى العمل أو الدراسة أو الزواج. أو السكن… فالإحساس بالأمن هام، لكى يحصل الإنسان على الراحة النفسية المطلوبة… وبخاصة فى هذه الحياة المعاصرة، بما فيها من خصخصة غير آمنة (بسبب سهولة الاستغناء عن الموظفين) فهذا له ثمنه النفسى طبعاً…
وكذلك السكن غير الآمن، أو الوجود وسط صراعات وحروب ونزاعات. ولاشك أن الأمن الحقيقى هو من الله، الذى يقول لنا: “آمنوا بالرب إلهكم فتأمنوا” (2أى 20:20)، فهو الذى يحرسنا من كل شر، ويسند حياتنا فى كل موقف، ويعطينا السلام النفسى من جهة المستقبل، واثقين أن “يسوع المسيح هو هو، أمسا واليوم وإلى الأبد” (عب 8:13)… وهكذا نحن نجتهد فيما يؤول إلى أمننا، واثقين فى الله ملجأنا الحقيقى.
3- الحاجة إلى التقدير : فالإنسان لا يستريح لو عومل بدون اهتمام او اكتراث ممن حوله… ويسعده أن يكون موضع تقدير من الآخرين… ليس لكى تتضخم ذاته، ولكن لكى يحس أن الله جعل منه عضواً نافعاً وغصناً مثمراً، له دوره فى خدمة الجماعة. ولاشك أن تشبيه الكنيسة بالجسد، يوضح لنا أن كلاً منا هو عضو فعال، له وظيفته فى خدمة الجسد، وليس مجرد زائدة يمكن الاستغناء عنها. والإنسان الحى فى الله، لاشك أن الرب سيعطيه وزنات على قدر طاقته، يتاجر بها فى خدمة الآخرين، فيصير موضع تقدير منهم، ويحس أنه عضو فعال ومتفاعل، يفيد ويستفيد…
4- الحاجة إلى النجاح : فالفشل مرّ، والله “لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تى 7:1)، والإنسان الفاشل نفسه متعبة وحزينة، أما الناجح فعنده فرح داخلى، بسبب عمل الله معه. ولا يظن أحد أنه يمكن أن ينجح بدون الله، إذ مكتوب “إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبنى” (نح 20:2)… فلقد “كان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً” (تك 2:39). النجاح عطية إلهية، ولكنه مرهون بجهد الإنسان، فالله والإنسان يعملان معاً.
5- الحاجة إلى الانتماء : إذ لا يستطيع الإنسان أن يحيا وحيداً، لا يحس بالإنتماء إلى جماعة ما. ومن هنا تكون هناك دوائر للإنتماء فى حياة الإنسان مثل: الإنتماء الأسرى إذ يشعر الإنسان بالروابط العائلية ويعتز بالمحبة المنزلية… ثم الإنتماء الكنسى إذ يشعر بإرتباطه بالكنيسة الأم، ويعتز بها، وبخاصة كنيستنا القبطية حيث اللاهوت والرهبنة والشهداء والكرازة، والتى كانت ولا تزال لها دورها فى خدمة المسيحية العالمية. ويأتى بعد ذلك الإنتماء الوطنى، الدائرة الأوسع، فيشعر الإنسان ويفخر بانتمائه إلى مصر، صاحبة الحضارة العريقة، حضارة التوحيد والحكمة والفلسفة والفلك والهندسة والطب… وأخيراً يأتى إلى الإنتماء الإنسانى، إذ يحس أنه عضو فى الجماعة البشرية، يتألم مع المظلومين والمسحوقين واللاجئين والمشردين، ومن يتعرضون للكوارث مثل: الزلازل والسيول والفيضانات والحروب… وهكذا يعيش الإنسان أبعاداً ثرية، ولا يحيا حبيساً فى قوقعة الذات الخانقة.
6- الحاجة إلى التفردّ : أى أن يحس الإنسان بجوهره الخصوصى، وعطايا الله له، والوزنات التى تفرّد بها، لكى يتاجر ويربح، لمنفعته الخاصة، ولمنفعة أسرته وكنيسته ووطنه… فكل إنسان هو عضو، وكل عضو فى الجسم يتفرّد بوظيفة خاصة، وقليلاً ما يتكرر العضو فى الجسد الإنسانى، كالرئتين والكليتين… ولكن هناك مخ واحد، وقلب واحد، وكبد واحد، وبنكرياس واحد… وكل عضو له عمله ووظيفته وخصوصيته، التى لا يشاركه فيها عضو آخر. وينبغى على القادة (سواء فى مجال الأسرة أو الكنيسة أو الوطن) إتاحة المناخ والفرصة، ليعبر كل شخص عما فيه من مواهب وعطايا ووزنات، يخدم بها الآخرين. فالإبداع والإبتكار يستحيلان فى المجتمع الشمولى، الذى يحبط الفرد، ويجعله مجرد ترس فى ماكينة ضخمة، كما كانت تفعل الشيوعية… إذ كانت لا تقبل الإبداع الفردى، وهكذا انهارت… لأن الكل هو مجموع الأفراد والأجزاء، فإذا ما خبا نور الجزء، انطفأ الكل!!
7- الحاجة إلى المرجعية : لأن التفرد هام، وإن كانت له خطورته، إذا ما تجاهل حاجته إلى المرجعية. بمعنى أن الإنسان الحكيم، حتى ولو كان موهوباً ومبدعاً، إلا أنه فى حاجة إلى مرجع يرجع إليه فى أعماله ونشاطاته، وإلا إنحرف وانحسر!! وربما اضاع الآخرين وراءه!! وهنا نتذكر الهراطقة والمبتدعين، الذين كانت لهم مواهبهم الفذة وقدراتهم الشخصية والفكرية، ولكن لأنهم تكبروا ووثقوا فى أنفسهم متجاهلين المرجعية الجماعية، سقطوا وكان سقوطهم عظيما. ولنا فى الرسول بولس المثال الذى يجب أن نحتذى به، حيث أنه – وهو الرسول الجبار والكارز العملاق، ذهب إلى أعمدة الرسل، بوحى من الله، لكى “يعرض عليهم إنجيله” قائلاً: “لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غل 2:2). هل كان بولس يشك فى تعليمه وانجيله؟ قطعا لا!! لكنه جاء بإعلان من الله، لكى يأخذ يمين الشركة من الآباء الرسل، ويراجع ما يقول على ما يقولون. وإذ اطمأن الجميع “أعطوه وبرنابا يمين الشركة” (غل 9:2)، وذلك حين علموا بالنعمة المعطاة له… وطلبوا منه أن يذكر الفقراء، وهذا ما كان يفعله فعلاً (غل 10:2). أنموذج رائع، ليتنا نتمسك به، حتى لا ننحرف أو ننقسم إلى شيع ومذاهب، فلو كان الكل يتمسك بالمرجعية، لما انقسمت كنيسة المسيح بهذا الشكل المؤسف.