الشباب والدوافع
يتجه العالم من خلال ما يسمى الثقافة الكوكبية (Global Culture) إلى نوع من السلوك الغريزى، حيث تسود الحياة الغربية (الأمريكية والأوربية)، موجة من الخضوع للغريزة كموجه للسلوك الإنسانى والحياة اليومية. ويشهد على ذلك ما يتم بثه عبر الأقمار الصناعية، والقنوات التلفزيونية فى أنحاء العالم، من مواد تخاطب غريزتين فى الإنسان: الجنس والمقاتلة. وكذلك ما ينتشر على مواقع الإنترنت، ما يسمى Pornography أى المواد الإباحية المتعلقة بخطايا الجسد.
وفى دراسة قرأتها فى الولايات المتحدة يقول الكاتب عن أمريكا أنها “مجتمع موجه جنسياً” Sex Oriented Society ، هكذا يقول عنوان الكتاب، منتقداً الموجة العارمة من الإنفلات الجنسى فى أمريكا وأوربا. وتقول الإحصائيات أن الشباب الأمريكى فيما بين سن 15-18 سنة، يمارس 12 علاقة فى المتوسط، مع 12 شريك من الجنس الآخر، الأمر الذى يصيب هذا الشباب بالإدمان الجنسى، الذى يؤدى إلى إدمان المخدرات.
أما إدمان المخدرات فيقودهم بالضرورة إلى إدمان الجريمة، حيث تزايد العنف بشدة فى المدارس الأمريكية، ليس على مستوى الشجار المستمر فى المدارس، بل على مستوى القتل!!
هناك رباط وثيق إذن بين غريزة الجسد، وغريزة المقاتلة والعنف. والمؤسف أن الإعلام الأمريكى ينمى هاتين الغريزتين فى الأجيال الصاعدة. والكل هناك يعرف ذلك، ويعترف بخطورته، ولكنها إمبراطورية المال التى تتحكم فى كل شىْ، وتفرض نفسها على كل نشاط إنسانى. إنها نوع من المافيا المدمرة، التى تبيع كل مبدأ وخلق ودين وثقافة إنسانية، فى مقابل المال، الذى محبته هى “أصل لكل الشرور” (1تى 10:6).
موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى :
إن الشخصية الإنسانية لها خمسة أبعاد ومكونات :
1- البعد الروحى :
المتصل بالروح، التى تتجه نحو الله، والتدين، والإيمان، والخلود. وهو البعد الذى ينمو فينا بالصلاة، وقراءة كلمة الله، وممارسة الأسرار المقدسة، والشبع بوسائط النعمة.
2- البعد العقلى : ويتصل بالعقل، فالإنسان أصلاً روح عاقلة، إستودعت فى الجسد الترابى، وهى نفخة من الله، فيها الحكمة والمعرفة والتفكير والإستدلال والدراسة… وينمو هذا البعد فينا من خلال القراءة والثقافة، بأنواعها المختلفة: الثقافة الكتابية، والثقافة الكنسية، والثقافة العامة.
3- البعد النفسى :
ويتصل بالنفس، حيث الدوافع (الغرائز) والحاجات النفسية، وهما أمران موروثان. بالإضافة إلى أمور مكتسبة أثناء مسيرتنا فى الحياة مثل: العواطف، والعادات، والإتجاهات. وتحتاج النفس منا إلى ضبط، وليس إلى كبت، وهذا ممكن بعمل روح الله فينا، وبالجهاد الأمين فى الحياة اليومية.
4- البعد البدنى :
ويتعلق بجسم الإنسان،
ذلك الجسم الفسيولوجى التشريحى، حيث أعضاء الجسد كلها هبة مقدسة من الله، وأساسية للحياة، وتتحرك بناء على المكونات السابقة: الروح والعقل والنفس.
الجسد هو الخادم المطيع للقوى السابقة، وليس له ذنب أساسى فى الخطيئة، وإن كان محتاجاً إلى القمع والضبط والسيطرة، من خلال الصوم والسهر والميطانيات، ونواحى النسك المتنوعة.
5- البعد الإجتماعى : ويتصل بتكوين علاقات مع الآخرين، بدءاً من الأسرة إلى الجيران إلى المدرسة إلى الكنيسة، إلى العمل، إلى المجتمع… والكفاءة فى تكوين علاقات ناجحة هى من أهم علامات الصحة النفسية. لهذا يجب أن تحرص الخدمة على إعطاء فرصة للشباب لتكوين علاقات مقدسة، وصداقات بناءة، وذلك من خلال الأنشطة المتنوعة، مثل الحفلات والرحلات والمسرحيات والمعارض والنوادى الرياضية والمسابقات الفنية والمهرجانات… فمن خلالها تتكون شخصيته، ويختار أصدقاءه.
الدوافع – إذن – هى جزء من المكون النفسى فى الشخصية الإنسانية، ولا يمكن فصلها عن بقية مكونات الطبيعة الإنسانية.
والدافع أو الغريزة، لها ثلاثة جوانب :
1- الجانب الإدراكى…
2- الجانب الإنفعالى…
3- الجانب النزوعى…
فغريزة مثل “الطعام” فيها هذه الجوانب الثلاثة، إذ يدرك الإنسان أن ما أمامه طعام صحى وسليم، فينفعل نحوه بإنفعال الجوع، ثم يمد يده ويأخذه ويأكله.
كذلك الغرائز الأخرى… كالخوف وحب التملك وحب الحياة والإستطلاع والجنس… كلها فيها هذه الجوانب الثلاثة: الإدراك والإنفعال والحركة.
أمثلة للدوافع (الغرائز) :
يولد الإنسان وفى أعماقه غرائز كثيرة، وهى – بلاشك – مقدسة أصلاً وأساسية للحياة، ولحفظ الوجود الإنسانى.
نعم… لقد لوثتها الخطيئة بعد السقوط، فأصبحت تنحرف أو تضغط أو تخطىء.. ولكنها أساساً كانت مقدسة، ومازالت أساسية للحياة…
وهذه بعض الأمثلة :
1- غريزة الطعام والشراب :
التى تجعل الطفل والفتى والشاب، الكبير والصغير، يهتم بأن يجد طعاماً ليأكل، ولو ضاعت هذه الغريزة لهلك الإنسان جوعاً… وكذلك دافع “الشراب” فالماء أساسى للحياة أيضاً! وغياب الماء يعنى موت محقق.
2- غريزة حب الحياة :
فالإنسان فى أعماقه التطلع إلى الخلود، ولا يحب أن يموت، ولذلك يحافظ على حياته بكل ثمن، سواء من جهة السكن فى مكان مأمون من الحشرات أو الهجمات… أو من جهة مراعاة الصحة الجسدية والعلاج… أو الهرب من أى مخاطر تهدد الحياة…
3- غريزة الجسد :
التى بدونها ينقرض النوع الإنسانى، فهى أساسية ليس فقط للترابط والتعاون فى الحياة، ولكن فى الإنسال والإنجاب لاستمرار البشرية. ومن هنا ترفض المسيحية أى خروج عن الجنس السليم المقدس – كالجنسية المثلية – حيث يضيع هدفا الحب النقى والتناسل، وتبقى فقط الشهوة الحسية الزائلة. كما أن المسيحية ترى فى هذه الممارسات الشاذة، إنحرافاً بالطبيعة البشرية، وخروجاً عن هدف الجنس السامى، ونوعاً من النجاسة الأكيدة.
4- غريزة حب الاستطلاع :
وهى جوهرية فى الوصول إلى الاكتشافات العلمية والجغرافية الأساسية للحياة الإنسانية، وكمجرد مثال: حب الاستطلاع هو السبب فى اكتشاف القارة الأمريكية الشاسعة الأتساع، بشمالها وجنوبها، وبما فيها من خيرات فى الزراعة والمواد الخام والبترول والغاز الطبيعى والفحم الحجرى والأنهار والأمطار… وها هى تحوى مئات الملايين من البشر القادمين من دول أخرى، ليعيشوا فيها مع أجيالهم… بعد أن كانت تسكنها أقلية ضئيلة من السكان الأصليين. ونفس الكلام ينطبق على أستراليا… وعلى كل منجزات العلم الحديث… وهذا كله لخير الإنسان وإسعاده، مادامت الغريزة تسير فى الخط السليم.
5- غريزة حب التملك :
والتى تجعل الإنسان يحب أن يقتنى وأن يغتنى… ومادام هذا فى حدود ضبط القلب فى مخافة ومحبة الله، وعدم الاستعباد لرذيلة حب القنية، يكون الامتلاك مشروعاً، ويمكن أن يستثمره الإنسان لخيره الشخصى، وخير أسرته وكنيسته ومجتمعه… وها نحن نسمع عن أغنياء أسخياء فى العطاء وكرماء فى التوزيع.
6- غريزة الخوف :
وهى التى تجعل الإنسان حريصاً أن يبتعد عن كل ما يضر بحياته الجسدية، سواء من جهة الكوارث أو الأمراض، وتجعله يهرب أيضاً من كل خطر يمكن أن يهدد حياته، سواء من جهة البشر أو الطبيعة أو الحيوانات أو الآفات الضارة… أو الإشعاعات الصادرة من أجهزة ونفايات… أو من تلوث البيئة: الماء والهواء والغذاء… هذه كلها أمور مشروعة وطيبة، وكذلك أساسية لحفظ الحياة…