الشباب وخدمة الاَخر – نيافة الأنبا موسى الأسقف العام

الرئيسية / الشباب وخدمة الاَخر – نيافة الأنبا موسى الأسقف العام

من المستحسن أن لا يقف الخادم مع الشباب عند حدود التخلص من السلبيات.. ولابد أن يتحرك بفهم نحو اقتناء الإيجابيات، وتقديس الحياة لله، والاتجاه نحو خدمة الله من خلال الإنسان والآخر.. فالشاب المؤمن يجتاز أربع مراحل :

1- أن يقتنع الشباب بضرورة الانتصار على الخطايا، والتخلص من العادات السلبية، والعثرات، ويبتعد عن أصدقاء السوء، والعبوديات والانحرافات المختلفة… هذا أمر جوهرى طبعاً، ويساعدنا فيه الاعتراف.

2- وأن يبدأ الشباب فى إشباع نفسه روحياً، بوسائط النعمة المتنوعة: كالصلاة‎، وقراءة كلمة الله، وحضور الاجتماعات الروحية، والقراءة الروحية، والتناول، والصوم، والتسبيح والأنشطة البناءة فى مسابقات متنوعة: روحية، ثقافية، اجتماعية، رياضية… الخ. والاستفادة بالعطلة الصيفية… فهذا أمر إيجابى هام، من خلاله
يثمر روح الله فى داخل الشباب ثماره: مثلَ “مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل 22:5).

3- وأن يتقدس الشباب للسيد المسيح، هيكلاً طاهراً، وملكية خاصة للرب: فكراً، وحواساً، ومشاعر، وإرادة، وسلوكاً، وأفعالاً فى حياته اليومية، لدرجة أن يقول: “أَنَا لِحَبِيبِى وَحَبِيبِى لِى. الرَّاعِى بَيْنَ السَّوْسَنِ” (نش 3:6) فهذه درجة أفضل بالطبع.

4- ليكن دفع الشباب نحو خدمة إخوته، سواء فى حقل التربية الكنسية، أو فى افتقاد الشباب لربطهم بالكنيسة والسيد المسيح، فهذا هدف جوهرى وهام، ليس فقط لخدمة الآخرين، كأعضاء فى جسد واحد.ولكن حتى فى خدمة الشباب أنفسهم، لأن الخدمة مفيدة فى :

أ- تحديد معالم الشخصية روحياً… إذ تتكون للشباب رؤيا حياتية مقدسة، والتزام بطريق الملكوت.

ب- ضبط مسار السلوك اليومى كقدوة للآخرين… إذ يعرف خطورة العثرة على حياته وعلى حياة إخوته.

ج- بنــــــــاء روحـــــــى مستمــــــر… من خلال الممارسات الروحية للخادم… فالتوقف فى الطريق الروحى رجوع أكيد.

د- بناء فكرى مستمر…من خلال الدراسـات المقدمة أو المطلوبـة مـــن الخـادم…حتى ينمو فكرياً بطريقة تفيده وتفيد إخوته.

ه‍- نمو فى المحبة… حيث يخرج الشباب من ذواتهم إلى السيد المسيح، وذلك من خلال علاقته بالآخر، سواء الآخر الدينى أو الاجتماعى…

خطر – إذن – أن تخلو خدمتنا للشباب من هذا البعد الكرازى (داخل الكنيسة) والشهادى (فى المجتمع)…

فبالبعد الكرازى، يتحول الشباب إلى خدام فى حقول العمل الكنسى المختلفة (أنظر رومية 12)… فهناك خدمات كثيرة فى الكنيسة. ففى هذا الإصحاح نقرأ عن الخدمات التالية :

1- النبوة : أى الإنباء بالمستقبل، أو الوعظ الممسوح بالروح…

2- الخدمة : الاهتمام باحتياجات الناس المختلفة “دياكونياً”.

3- التعليم : شـرح طريــق السيـد المسيـح (روحيـاً ولاهوتياً وعقائدياً وكنسياً).

4- الوعظ : حث الناس على التوبة والعودة إلى الله.

5- العطاء : عطاء المادة والجهد والوقت… بسخاء.

6- التدبير : خدمات الإدارة والتنظيم والقيادة.

7- الرحمة : خدمات أحباء الرب الفقراء، والمرضى والمعوقين والمسنين والمكفوفين والصم والبكم والأميين والمتخلفين عقلياً.. الخ.

8- المحبة : علاقات المحبة مع كل المواطنين.

9- العبادة : خدمة الصلوات والتسبيح.

10- المشاركة : مع الفرحين والباكين.

11- القديسين : خدمة الخدام أو الفقراء أيضاً.

12- الغربــاء :رعايتهم والاهتمام باحتياجاتهم.

وبالبعد الشهادى، يقدم الشاب المسيحى مسيحه حباً وخدمة للآخر فى المجتمع، فهو الذى أوصانا أن نكون بحياتنا :

+ نوراً… ينتشر فى كل مكان، طارداً فلول الظلمة.

+ وملحاً… يعطى حفظاً للعالم من الفساد.. إذ يذوب دون أن يضيع.

+ ورائحة زكية… تنتشر فى تلقائية ويسر.. أثناء حركة الحياة اليومية.

+ وخميـــرة حيــة…تخمر العجين كله.. بسبب البكتريا الحية الكامنة فى الخميرة.. رمزاً للحياة الروحية الكامنة فينا بالسيد المسيح.

+ ورسالة مقروءة… “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ” (مت 16:5).

إن خادم الشباب الأمين، وبالأحرى أب الاعتراف، يجب أن يخرج بمخدوميه من دائرة الانحصار فى الذات، إلى دائرة العطاء والحب للآخر، والخدمة، والشهادة الأمينة، مع تحذير جوهرى أن يحفظ الإنسان نفسه بلا دنس فى العالم، وأنه بينما يتفاعل مع الآخرين يسلك بمنهج “المرونة القوية” التى تجعله يسير مع الآخرين فى الطريق حينما يكون سليماً، ويرجع عنهم حينما يرتادون مناطق الخطأ.. وهذا أمر يحتاج إلى شبع روحى مستمر، واستنارة فكرية، وإرشاد الأب الروحى ومسئول الخدمة، مع ضمير حىّ يستجيب
بسرعة لوخزات الروح وآيات الكتاب المقدس.. ومن خلال هذا التفاعل المجتمعى، يصير الإنسان المسيحى شاهداً أميناً للرب.

+ إن الانحصار فى الذات هو طريق الانحسار…

+ أما الانتشار بالحب المقدس، فهو طريق الانتصار…

+ ألم يقل الرب: “مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أع 35:20).

 

مشاركة المقال