تقابل السيد المسيح أثناء كرازته مع إنسان ولد أعمى، ولم يستطع هذا الإنسان أن يتمتع بنعمة البصر إلا بعد أن قابله السيد المسيح، وطلى بالطين عينيه، وأمره بالاغتسال فى بركة سلوام، وذلك مثال لكل البشر، الذين فقدوا بصيرتهم الروحية واستنارتهم السماوية، وكيف أنهم سينالون الاستنارة من خلال المعمودية المقدسة.
إن الله لم يترك نفسه بلا شاهد (أع 17:14)، بل أعلن لنا نفسه فى القديم بواسطة رموز وصور متعددة، وآخرها يوحنا المعمدان، فقد جاء كملاك يعد الطريق (مت 1:3).. ودعى السابق، الصابغ، والشهيد.
وفى ملء الزمان كشف الله عن ذاته بطريقة باهرة، إذ انشقت السماء، وأعلن الآب عن ذاته، مناديًا الابن، وظهر الروح القدس فى شكل حمامة.
1- الإعلان الكامل :
أخيرًا أعلن الله ظهوره النورانى الكامل الذى مهدت له ومضات العهد القديم. وازداد لمعان ذلك الظهور أثناء كرازة الرب العامة (يو 3:17)، وفى حادثة التجلى (مر 19:12-26)، حين أضاء وجه السيد المسيح بنور أقوى من الشمس، وجاء صوت من السماء يشهد له قائلاً: “هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا” (مر 7:9).
2- السماء المفتوحة :
أ- انشقت السماء يوم عيد الظهور الإلهى، إيذانا بانتهاء عهد الظلال والرموز، وحلول وبدء عهد النور الإلهى الواضح.
ب- لم تنغلق السماء منذ أن انشقت، بل ظلت مفتوحة للمؤمنين (أع 26:7)، (أع 11:10)، (2كو 12) فى رؤى للقديسين بطرس وبولس.. والكثيرين بعد ذلك.
ج- وإذ انشقت السماء نزل منها الروح القدس، ليحل على بنى البشر مصدرًا للحياة، وأساسًا للتعزية، يصاحب المؤمن طوال غربته.؟
3- الشهادة السماوية:
أ- هذا هو ابنى الحبيب: هى شهادة النبوة التى أعلن بها الآب أبوته لابنه الوحيد، ذاك الذى صار لنا بفدائه التبنى والمواعيد (أف 5:1).
ب- الذى به سررت: بهذا أعلن الآب كمال مسرته بابنه الوحيد الجنس، أنه قد أصبح لله مسرة فى حياة أولاده المؤمنين به، “لذاتى فى بنى آدم” (أم 31:8).
وهنا نتساءل: هل استنرنا بالرب فى حياتنا؟ وهل أضيئت مصابيح قلوبنا بزيت البهجة؟ كيف؟؟! هناك وسائل هامة للاستنارة مثل:
1- استنارة المعمودية:
بدون المعمودية لا يمكن أن يستضئ قلب المؤمن، وبولس الرسول يقول عنها أنها الاستنارة (عب 4:6) والمعمودية لا تعاد، وهى نعمة ينالها كل مؤمن… حين نخلع إنساننا العتيق، ونلبس “الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ” (كو 10:3).
2- امتداد الاستنارة:
وما أن ينال المؤمن قوة المعمودية، حتى ينطلق لينال كافة الأسرار الكنسية المقدسة، كالميرون، والاعتراف والتناول. بل أنه يواظب على وسائط النعمة لزيادة امتداد الاستنارة فى حياته، بالإضافة إلى دراسته لكلمة الله وقراءاته الروحية، وحضوره الاجتماعات الكنيسة.. وهذه كلها وسائل استنارة.
ومعمودية السيد المسيح تظهر فى حياتنا، إذ نتذكر:
1- عمل الثالوث القدوس فى خلاصنا.
2- إتضاع السيد المسيح وخضوعه للناموس، سواء فى الختان أو المعمودية ليكمل كل بر.
3- أهمية المعمودية والقيم الروحية، التى ننالها من ممارسة هذا السر. وليتنا نقرأ بعض مقتطفات من كتاب الخدمات الكنسية عن المعمودية.
4- أن الميلاد الثانى يكون بالمعمودية، والتوبة هى امتداد عمل المعمودية فينا، فالولادة الثانية هى بالماء والروح، والتوبة تجديد لعهد المعمودية.
فلنتأمل معاً فى بركات المعمودية التى نالها كل منا. ويمكنا أن نجمع مواقف وآيات من الكتاب المقدس عن شواهد إعلان الله لذاته فى العهدين، وكيف أن طقوس المعمودية وعلاقتها بالنور مثل الملابس البيضاء، وإضاءة الشموع حول المعمد، فى الزفة التى تقام للمعمدين.
قال القديس كيرلس الكبير: “تستنير نفوس المعتمدين بتسليم معرفة الله”.
وقال القديس يوستينوس الشهيد: “وهذا الاغتسال يسمى تنويراً، لأن الذين يتعلمون هذه الأمور، يستنيرون فى أفهامهم”.
كل عام وأنتم بخير،