العقل بين السقوط والخلاص(أ) – نيافة الأنبا موسى

الرئيسية / العقل بين السقوط والخلاص(أ) – نيافة الأنبا موسى

لاشك أن العقل – العنصر الثانى فى الشخصية الإنسانية بعد الروح – هو هبة أساسية من الله للإنسان: ومنذ طفولتنا ونحن نعرف أن الإنسان – حيوان عاقل.. وإن كنا نتضايق من تعبير حيوان، لكن الحقيقة العلمية هى أننا نتفق مع الحيوان فى أن تكون لنا نفس غريزية وجسد مادى محسوس، أما الإنسان فيتميز عن الحيوان بأن له عقلاً يفكر، وروحاً تتصل بالله.

وإن كنا قد تحدثنا سابقاً عن الروح التى بها نتصل بالله، وندخل فى أمور الإيمان والسماء والخلود، كما تحدثنا عن الوسائل التى بها تشبع أرواحنا: كالصلاة والإنجيل والتناول والإجتماعات الروحية والقراءات الروحية والخدمة الكنسية، فنحن الآن نبدأ حديثنا عن العنصر الثانى فى الإنسان وهو العقل.

والعقل عنصر أساسى فى الشخصية الإنسانية، ويستحيل أن تكون شخصية الإنسان متكاملة، ما لم يكن عقله ناضجاً مفكراً. وإذا فقد عقله فقد أهليته ولم يعد مسئولاً عن أفعاله، ومن حق السلطة أن تحجر عليه أو تحجزه إن ظهرت منه خطورة على من حوله. وأن كان الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله، فعلى الإنسان أن يهتم بهذه العناصر، التى تسهم فى أن يتحقق قصد الله من خلقة الإنسان.

1- الإنسان… مخلوق على صورة الله :

خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، فما معنى ذلك؟ بالفعل، أعد الرب الكون قبل أن يخلق الإنسان. خلق السديم والأرض والشمس والقمر والنجوم والنباتات والأسماك والحيوانات. ثم خلق الإنسان ليكون تاجاً لكل هذه الخلقة، وكاهناً يعبر عن تمجيدها للخالق، المهندس الأعظم للكون، ومانح الحياة للجميع.

واتسم الإنسان منذ خلقته ببصمات رئيسية، فيها يتضح أنه مخلوق على صورة الله ومثاله، ومن هذه السمات ما يلى:

أ- البر : خلق الله الإنسان باراً، لم يعرف الخطيئة والعصيان. وكان متشحاً ببرّ إلهى خاص. وكان موضوع لذة الله، بمعنى أن الله كان يتمشى مع آدم فى الجنة، فى شركة حب وسعادة. إلى أن تدخل الشيطان – بسماح من الله – ليعطينا فرصة الحرية. وساومت حواء مع الحية، وسقط الإنسان، وفقد هذه البرارة الإلهية، ودخل إلى عالم الخطيئة والفساد، عالم الغيرة والحسد والأحقاد والقتل والأنانية.. ولم يكن هذا دون سماح من الله، فهو الذى سمح بكل ذلك، لسابق علمه، وعظيم حكمته لكى يتمتع آدم بالحرية، ويختار الحياة مع الله بكامل إرادته.

ب- الحكمة : سمة ثانية فى الإنسان، فإلهنا العظيم، الآب والإبن والروح القدس، إله واحد، واجب الوجود، لا نهائى الحكمة، مصدر الحياة فى الكون. والإنسان مخلوق على صورة الله – فيه العقل الإنسانى. وكانت حكمة الإنسان إلهية قبل السقوط، وعقله مستنيراً، لكنه حين تخلى عن الله، وأراد أن يصير كالله، عارفاً الخير والشر، وتصور أنه يستطيع أن يستقل عن القدير، أظلم عقله، وفقد حكمته: وعرف الشر والخطيئة، وفسدت طبيعته.

ج- الخلود : فالإنسان مخلوق للخلود، ليحيا مع الله إلى الأبد: وكان يأكل من شجرة الحياة. ولكنه حينما سقط فى الخطيئة، خرج من الفردوس، حتى لا يحيا إلى الأبد فى الخطيئة، خرج مؤقتاً لحين فدائه. وبعد أن فداه الله بدمه الطاهر، عاد الإنسان إلى الله، إلى الحياة والخلود، وسوف يأكل من شجرة الحياة إلى الأبد.

د- الحرية : فالله حر، وليس لكائن آخر سلطان عليه، ولذلك فقد خلق الإنسان حراً. والإنسان فقد حريته بإرادته، حينما أستعبد نفسه للشيطان. وقد رفض الله أن يستعبد الإنسان، وتركه حراً ليختار طريقه بنفسه… وقد كلفت هذه الحرية الإنسانية إلهنا المحب، ثمناً باهظاً، هو التجسد والفداء. ولكن الله فعل ذلك كله، بسابق علمه، وحرية إرادته، لكى يبقى الإنسان حراً.

 

مشاركة المقال