القيامة الفريدة – نيافة الأنبا موسى

الرئيسية / القيامة الفريدة – نيافة الأنبا موسى

حقا … إنها قيامة فريدة, قيامة الرب يسوع من بين الأموات، فهى قد حدثت مرة واحدة, ولم تحدث قبل ذلك, ولم تحدث بعد ذلك, ولن تحدث إلى الأبد! ذلك لأن قيامة الرب اتسمت بسمات ثلاث فريدة, حيث أن الرب:

1- قام ولم يمت ولن يموت.               2- قام بقدرته الذاتية.                       3- قام بجسد ممجد.

1- قام ولم يمت ولن يموت:

لأن كل الذين قاموا من بين الأموات, فى كل العهود, تسلط عليهم الموت بعد أن عادوا إلى الحياة, وتمكن منهم, وأماتهم مرة أخرى, إلا الرب يسوع, الذى بعد أن قام ظل يظهر لتلاميذه أربعين يوماً, ثم صعد إلى السموات أمام أعينهم, ليبقى حياً إلى أبد الآبدين “أنا هو الأول والآخر, والحى وكنت ميتا, وها أنا حى إلى أبد الآبدين” (رؤ1: 17, 18).

وكان هذا أمراً طبيعياً, فالبشر حين يموتون, تتحلل أجسادهم, ويخضعون لعوامل الفناء, ويتحكم فيهم الموت, وذلك بسبب الخطية التى تسللت إلى الجسد الإنسانى منذ البداية, وأصبحت تنخر فى عظامهم حتى إلى النخاع, و”أجرة الخطية هى موت” (رو 6: 23), لذلك فحتى إذا سمح الله بقيامة إنسان, إلا أن الخطية الكامنة فى الجسد الطبيعى, تظل تعمل فيه ليموت مرة أخرى, وهى محبة عجيبة من الله, ذلك أن الجسد الذى نموت به, غير الجسد الذى سنقوم به، جديداً روحانياً خاليا من لوثة الإثم, فالموت معبر إلى القيامة, والجسد – حين نواريه فى التراب – يكون كبذرة دفناها, لتعطينا ثمارا جديدة.

أما السيد المسيح – له المجد – فكان جسده بلا خطية, ولذلك لم يستطع الموت أن يمسكه, ولا الهاوية أن تقبض عليه, بل أنه قام بجسده ونفسه, ولكن بصورة نورانية لا يسيطر عليها الموت.

وشكراً لله, فحتى من يرفضون ألوهية المسيح, لا ينكرون حياته المستمرة الخالدة, فهو حى, وسيستمر حياً إلى الأبد .. ومن هو الحى إلى الأبد ” إلا الله”؟!

2- قام بقدرته الذاتية:

وهذا فرق آخر بين كل من أقيموا من بين الأموات، وبين الرب الذى قام بنفسه, كلهم قاموا بقدرة خارجة عنهم, قدرة الله التى تعمل فى قديسيه, لمجد أسمه, ولأهداف روحية معينة. لقد أقام اليشع النبى ابن الشونمية متمدداً عليه ومصليا لله (2مل4: 34), بل أن عظامه أقامت ميتاً حين تلامس جسده معها (2مل13: 21). وفى العهد الجديد, أقام بطرس طابيثا بصيحة مؤمنة “ياطابيثا قومى” (أع 9: 40), وأقام بولس افتيخس بأن عانقه واحتضنه (أع 20: 9- 12). وحتى السيد المسيح له المجد, بعد أن أقام عددا لا يحصى من الأموات (ابنة يايرس – ابن أرملة نايين – لعازر – ومن أقامهم يوم صلبه ومكثوا فى القبور حتى قيامته ثم ظهروا لكثيرين), إلا أنه سمح بالقيامة ثم تركهم لموت آخر, حباً منه، حتى لا يظلوا أحياء بجسد الخطية, بل لابد من أن يشتركوا فى القيامة العامة، ويأخذوا الجسد النورانى الذى لا يموت.

أولئك قاموا بقدرة خارجة عنهم, بصلوات قديس, أو ضراعة صديق, أما يسوع فقام بسلطانه الذاتى, سلطان لاهوته المتحد بناسوته, المسجى فى القبر, وكما نقول فى “القسمة السريانية”: “وانفصلت نفسه عن جسده, إلا أن لاهوته لم ينفصل قط, لا من نفسه ولا من جسده”. نعم فاللاهوت لا يموت, وهو غير محدود وحين انفصلت نفس المسيح الإنسانية من جسده الإنسانى مات الناسوت, ولكن اللاهوت غير المحدود, والموجود فى كل مكان, ظل متحدا بنفسه التى نزلت إلى الجحيم لتطلق المسبين, وبجسده المسجى فى قبر جديد. وفى اللحظة المعينة, استطاع اللاهوت أن يضم النفس إلى الجسد بعد أن أتمت مهمة إطلاق الأسرى, وبعد أن أتم الجسد مهمة سفك الدم لغفران خطايانا.

ياللمجد الذى نحياه, بسبب قيامتك الفريدة, يامن مت من أجل خطايانا, وقمت من أجل تبريرنا … لك المجد !

3- قام بجسد ممجد:

وهذا فرق ثالث يجعل قيامة الرب فريدة فى نوعها, فكل الذين قاموا, قاموا بأجساد عادية قابلة للموت, أما الرب يسوع فقام بجسد ممجد, روحانى ونورانى فى طبيعته, لا يتسلل اليه المرض, ولا يطاله الموت, لاتدخل اليه الخطية, ولاتقترب منه عوامل الفناء, أنه جسد حقيقى, ولكنه اكتسب خصائص روحانية ونورانية جديدة , كيف لا ؟!وهو الجسد الذى سيصعد به إلى السماء, ليسكن فى عالم الروح وبالنور إلى الأبد ؟!

انه الجسد الذى تحدث عنه معلمنا بولس, مؤكدا لنا إننا سنتغير إلى صورته, حين قال: “الذى سيغير شكل جسد تواضعنا, ليكون على صورة جسد مجده” (فى 3 : 21). انه الجسد الذى لا يخضع لمقاييس الحس والمكان والزمان, يدخل والأبواب مغلقة, ويتنقل فى خفة ويسر رغم الجاذبية الأرضية. انه الجسد الذى وعدنا به الرب حين قال: “مجد السمويات شئ .. وكما لبسنا صورة الترابى, سنلبس أيضاً صورة السماوى” … “الإنسان الأول من الأرض ترابى, والإنسان الثانى الرب من السماء” (1كو 15: 35-50).

أنه الجسد الذى يحيا بلا طعام, ولا يجسر الشيطان أن يقترب إليه. ومع أننا رأينا السيد المسيح – بعد القيامة – يأكل مع تلاميذه, أو يطلب منهم أن يلمسوه ليتأكدوا أنه “لحم وعظام” . إلا أن ذلك مجرد معجزات حسية, فيها أكسب الرب جسده الروحانى أبعاداً محسوسة, حتى يتأكد التلاميذ من حقيقة القيامة, وأنه قام بنفس جسده الذى مات به. مباركة قيامة الرب … ومبارك رب القيامة … ومباركة كل نفس اتحدت به , لتحيا له ومعه إلى أبد الآبدين.

مشاركة المقال