القيامة .. والقداسة
القيامة .. والقداسة مقال لنيافة الأنبا موسى
معروف أننا نؤمن بقيامتين، القيامة الأولى: هى قيامة التوبة، والثانية هى القيامة العامة، حيث اليوم الأخير، ونهاية العالم. لهذا يقول القديس يوحنا الحبيب: “مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِى الْقِيَامَةِ الأُولَى (التوبة). هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِى سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ” (رؤ 6:20)..
التوبة – إذن – هى القيامة الأولى، التى تمنحنا الاستعداد للقيامة الثانية، وفى هذا يقول الرسول بولس: “اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِىءَ لَكَ الْمَسِيحُ” (أف 14:5).
وقيامة المسيح، كما أنها أعطتنا التوبة، تعطينا أيضًا النصرة على الخطية.. فالمسيح القائم من بين الأموات، يسند جهاد أبنائه، ويهبهم قوة الحياة الجديدة، إذ أنه كسر شوكة الموت، وغلب الهاوية، ودعانا أن نهتف مع الرسول بولس قائلين: “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟. (1كو 55:15)، وأيضًا: “شُكْرًا لِلَّهِ الَّذِى يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (1كو 57:15) تمامًا كما هتف مرة أخرى “فِى هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِى أَحَبَّنَا” (رو 37:8).
القيامة توبة.. القيامة نصرة.. والقيامة تقديس..
إذ أننا صرنا بالمعمودية والميرون، هيكلاً للروح القدس، وبالتناول مسكنًا للمسيح. وهكذا صارت لنا إمكانية الإثمار الروحى (غل 22:5)، والسكنى الإلهية (رؤ 20:3، يو 23:14).
يا لها من نعم كثيرة أن نأخد كل هذه البركات من الفادى المحب، القائم من بين الأموات.
فكيف الطريق إلى القداسة؟
.. إن طريق القداسة يتمثل فى خطوات أربع، متتالية، ومتوالية، ومتوازية، ومتداخلة، فهى أركان جوهرية فى طريق الملكوت:
1- الشبع الروحى المستمر :
سواء من خلال الصلوات المتنوعة: القداس الإلهى، والأجبية، والصلوات السهمية، والصلوات الحرة.. أو من خلال كلمة الله: النور، والخبز، والمبادئ، والوصايا، والوعود، والخبرات.. أو من خلال: القراءات الروحية، والاجتماعات الروحية، والتناول باستعداد، والصوم بإفراز، والخدمة بأمانة.. إنها جميعًا وسائط نعمة وقوة روحية.
2- التدقيق فى الحواس والعلاقات :
حيث أن الحواس هى نوافذ يمكن أن نستخدمها إيجابيًا أو سلبيًا: النظر، والسمع، والكلام.. أما العلاقات فهى أخطر ما يضر بحياتنا الروحية، فسلطان الأصدقاء الأشرار قوى للغاية على من يسلم لهم زمام حياته وشخصيته، وما يثيرونه من عثرات وسلوكيات خاطئة، ليس له حصر.
3- مقاومة الخطيئة قدر الطاقة :
إذ يوصينا الرسول أن نقاوم الخطيئة “حَتَّى الدَّمِ” (عب 4:12)، وكم من مثال فى سير آبائنا القديسين وأمهاتنا القديسات، دفعوا حياتهم، رافضين السقوط فى الخطيئة.
4- روح الرجاء :
لأنه حتى بعد الشبع، والتدقيق، والمقاومة، لن يكف عدو الخير عن محاربتنا، كما أننا معرضون للسقوط بسبب حروب الجسد وعثرات العالم.. المهم إذا سقطنا أن لا نفقد روح الرجاء، بل نهب قائمين تائبين ومعترفين، واثقين أنه فى النهاية “يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِى أَحَبَّنَا” (رو 37:8)، و”أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى” (فى 13:4)