تعرض الكتاب المقدس على مر العصور للكثير من حمـلات النقد والتشكيك فى صحة وسلامة الكثير من أسفاره ومعجـزاته.ولقد فطن آبـاء الكنيسة الأولون إلـى هـذا النقـد والتشكيك فقاموا بالرد على هذه الهجمات حتى عرفوا فى التاريخ بالأباء المدافعون Apologists Fathers ومن أشهر هؤلاء الآباء القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد والعلامة أثيناغوراس والعلامة أوريجينوس… إلخ، وفى هذا المقال سوف نعرض لبعض من مدارس النقد الحديث التى تعرضت للكتاب المقدس مع الردعليها.
أولاً: مدرسة نقد المصادر Source Criticism :
وتفترض هذه المدرسة أنه يوجد مصدر أقدم للنص الكتابى اعتمد عليه موسى النبى فى كتابه “سفر التكوين”؛ وزعيم هذه المدرسة طبيب فرنسى يدعى “جين ستروك” حيث قسم مصادر التوراة إلى مصدرين أساسيين هما :
أ- المصدر اليهوى : وفيه استخدم المؤلف لفظ الجلالة “يهوه” فى مملكة الجنوب حوالى عام 850 ق.م. ويبدأ عنده حسب زعمه اعتباراً من قصة الخلق الثانية كما وردت فى سفر التكوين (تك 4:2).
ب- المصدر الألوهيمى : وفيه استخدم المؤلف لفظ الجلالة “ألوهيم” بدلاً من “يهوه” ووضعه المؤلف فى مملكة السامرة حوالى عام 750 ق.م. ولقد ذكر علماء آخرين مصادر أخرى مثل الشريعة الكهنوتية وعزرا الكاهن. وللرد على أصحاب هذه المدرسة نقول إن دراسة مصادر الكتاب تكون: من داخل الكتاب المقدس ذاته وذلك بمقارنة الآيات المختلفة المدونة بين أسفاره، وليس بافتراض مصدر خارجى لا وجود له إلا فى خيال أصحابه، بالصلاة وطلب إرشاد الروح القدس من خلال الاسترشاد بشروح وكتابات آباء الكنيسة الأولين الذين عاشوا واختبروا عمق أعماق الكتاب المقدس.
ثانياً: المدرسة الأسطورية Mythological School :
وزعيم هذه المدرسـة عالـم ألمانــى يدعـى “شتـراوس”1808-1874 وله كتاب شهير بعنوان “حياة يسوع” وفيه ذهب أن كل القصص التى وردت فى الأناجيل عن السيد المسيح ليست إلا أسطورة شعريـة نسجها خيال التلاميذ والرسل القديسين. وللـرد على أصحاب هذه المدرسة نقول :
أ – لماذا قـام التلاميذ مجتمعين بتأليف هذه الروايات الملفقـة. ولماذا تحملوا العذابات والاستشهاد على اسـم المسيح من أجل روايات قاموا بتلفيقها؟ ما هى الإمكانيات الماديـة والعلميـة والحربية التى ساندتهم فى سبيـل نشـرهذه الأساطير؟ لماذا لم ينقسم التلاميـذ بعضهم على بعض ويفضح بعضهـم أغراض بعض؟
د- كيف انتشرت المسيحية فى العالم كله بسرعة فائقة فى جميع دول العالم وفى عصـر واحـد وهى قائمة على أساطير ملفقـة قام الرسل بتأليفها!!!؟
ثالثاً: مدرسة نظرية التكيف Accommodation School :
وصاحب هذه المدرسة عالم ألمانى يدعى “سملر” 1723-1791 حيث زعم أن السيد المسيح كان يتكيف فى تعاليمه حسـب معتقدات المجتمع المعاصر له. فالشفاء من الأرواح النجسة ليس إلا أعراض مرض الصرع أو أى اضطراب نفسى؛ بل ذهب سملر أبعد من ذلك أن كل تعاليم السيد المسيح ليست إلا أفكار يهودية سائدة فى عصره، استخدمها السيد المسيح بقصد التكيف دون الالتزام بالإيمان بها. وأبسط رد على أصحاب هذه المدرسة هو هل يليق بالمسيح القدوس البار أن يتكيف مع تعاليم عصره ويضلل أجيال بأكملها!!!!؟؟ حاشا لله من ذلك.
رابعاً: مدرسة النظرية الأخلاقية Moral School :
وصاحب هذه المدرسة هو الفيلسوف الألمانى الشهير إيمانويل كانت 1724-1804 وكان يرى أن كل ما ورد فى الكتاب المقدس من عقائد وأحداث تاريخية ونبوات ليس له إلا قيمة أخلاقية فقط مستنداً فى ذلك على المبادئ التالية: أن الهدف الرئيسى من الدين – أى دين – هو
ما يحمله من قيم أدبية وأخلاقية يقبلها العقل.
أن مبادئ الاخلاق واحدة فى كل الأديان. لهذا لا يوجد إلا دين واحد فقط هو ما أسماه بـ “الدين الطبيعى فى حدود العقل فقط”.
تقاس صلاحية الدين – أى دين – بمقدار ارتباطه بهذا الدين الطبيعى فقط وليس بانتسابه إلى الوحى الإلهى؛ وبذلك يكون “كانت” قد هدم كل أعمال التجسد والفداء والكفارة والخلاص التى قام بها السيد المسيح وجعله مجرد معلم أخلاقى فقط!!!
خامساً: المدرسة التطورية Evolutionary School :
ولقد تأثرت هذه المدرسة بنظرية التطور التى وضعها عالم الأحياء البريطانى تشارلز داروين. وهى تزعم أن جميع الأديان قد تطورت عن الإيمان بعقيدة أولية بسيطة مثل عبادة الأرواح. ومن أشهر علماء هذه المدرسة العالم الإنجليزى ادوارد تايلور والفيلسوف الإنجليزى هربرت سبنسر والعالم الإنجليزى جيمس فريزر وله موسوعة ضخمة بعنوان “الغصن الذهبى” THE golden Bough يهتم فيها بشرح هذه النظرية فى شىء من التفصيل.
وأخيراً يا إخوتى الشباب فلنتذكر عبارة معلمنا القديس بطرس الرسول أنه “لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسين مسوقين من الروح القدس” (2بط 21:1) ولنتذكر أيضاً وعد الرب لنا “السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول” (مت 35:24،
مر 31:13، لو 33:21).