المسيحية ترفض الطائفية والتعصب
لاشك أن المسيحية ترفض الطائفية، بمعنى انها ترفض الانحصار فى نظرة مصلحيه ضيقة، نحو فئة بعينها، سواء فئة إجتماعية، أو دينية.. فما معنى الطائفية؟
الطائفية العامة :
والمقصود بها أن تهتم فئة إجتماعية معينة بمصالحها، دون النظر بعين الإعتبار إلى الصالح العام، والنظرة الوطنية الشاملة، فمثلاً حين يهتم العمال بمصالحهم على حساب غيرهم، أو الأطباء أو المحامون أو المهندسون.. الخ، ومن المهم أن تهتم كل فئة بمصالحها، وبما يبنى أعضاءها، ولكن الأهم أن لا يكون ذلك بنظرة أنانية ضيقة، تتجاهل الصالح العام، وصالح الفئات الأخرى فى المجتمع.
الطائفية الدينية :
على نفس القياس، إذا ما اهتمت طائفة دينية معينة بمصالحها الخاصة، وكانت لها هذه النظرة الفردية فهى بذلك تساهم فى تمزيق وحدة المجتمع، وفى إذكاء روح الصراع
مع طوائف دينية أخرى، لذلك فمن المهم أن ننمى فى الناس الإهتمام الدينى، والسعى الروحى السليم، والتمسك بالإيمان والعقيدة، دون أن نسعى إلى “حبس” الناس داخل دائرة دينية، ضيقة وأنانية، وتتجاهل الأديان الأخرى، وروح المحبة والشمول والمساواة، والإخاء الوطنى العام.
الإتساع المسيحى :

وقد علمنا السيد المسيح له المجد،أن نخرج بالمحبة والخدمة عن حدود من يشاركوننا العقيدة والإيمان، ونقدم المحبة والخدمة إلى كل إنسان يشاركنا الوطن، وإلى كل إنسان يشاركنا فى البشرية على إتساعها.فالرب يسوع لم يقل لنا: أنتم نور الكنيسة، بل قال لنا “أنتم نور العالم”، ولم يقل لنا: أنتم ملح المسيحيين، بل “الأرض”.. وطلب منا أن يضئ نورنا قدام جميع الناس ليرى الناس أعمالنا الحسنة، فيمجدوا أبانا الذى فى السموات (أنظر متى 13:5،14،16).
بل أن المسيحية تعلمنا أن نقتحم
قلوب الناس بالمحبة، “فالمحبة لا تسقط أبداً”.. وتطلب منا أن نكون رائحة زكية، لدى جميع الناس.. المسيحية أبداً ما نادت بالإنعزال، فالرب يسوع لم يطلب من تابعيه أن يعتزلوا العالم: “لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير” (يو 15:17).
المسيحية تعلمنا أن نسلك بالحب مع الجميع “ليكن تقدمك ظاهراً فى كل شئ”، ومع أن الرب طلب منا أن لا نحب الأشياء التى فى العالم، إلا أنه قدم لنا النموذج الكامل حينما قال: “هكذا أحب
الله العالم”.. فنحن نحب الناس، ونكره الشر.. (1تى 15:4).
المسيحى الحقيقى يرفض الطائفية والتعصب، فهما غريبان عن روح المسيح.. بل ان المسيحية طلبت منا أن نحب حتى من يعادوننا “أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، احسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت 44:5،45).
“معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس.. سالموا جميع الناس… لا تنتقموا لأنفسكم… إن جاع عدوك فأطعمه.. وإن عطش فأسقه، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه، لا يغلبنك الشر، بل أغلب الشر بالخير” (رو 17:12،19،20،21).هذه هى المسيحية، فإذا سلك المسيحى بغير هذه الروح، أخطأ وانحرف عن روح المسيح.
المسيحية ترفض التعصب :
فلاشك أن التعصب غريب عن المسيحية الحقيقية، فهناك مبدأ رئيسى فى الإنجيل يقول “امتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن” (1تس 21:5).
فما معنى التعصب؟ وما هى مخاطره؟ وما هو السلوك المسيحى الأمثل فى هذا الصدد؟
أ – معنى التعصب :
التعصب – ببساطة – معناه أن يضع الإنسان عصابة على عينيه، فلا يرى إلا ما فى داخل ذهنه وفكره الخاص، ولا يعطى نفسه فرصة ليرى جوانب أخرى فى الموضوع. أو آراء أخرى
يمكن أن تتكامل مع رأيه أو تختلف عنه، إنه إنسان وضع فى ذهنه فكرة واعتبر أنها الفكرة الوحيدة السليمة، وماعدا ذلك فهو باطل كله، لا يعطى نفسه فرصة دراسة أفكار أو آراء أخرى فيما يعتقد أو يسلك، بل ربما يتصور أن فكره هو الحق، وأنه قد الهم بهذا الفكر من الله نفسه، وأى محاولة للمناقشة أو سماع آراء هى نوع من عدم طاعة الله، والإنحراف عن الفكر الإلهى بهذا الصدد.
ب – مخاطر التعصب :
ولاشك أن التعصب للفكر الشخصى له مخاطر عديدة منها :
1- التمركز حول الذات، بحيث يفقد الإنسان رؤية وآراء وأفكار هامة وبناءة قد لا تتعارض تماماً مع رأيه هو، بل تصقل هذا الرأى وتكمله.
2- الإبتعاد عن الموضوعية فى الحياة، فما عندى هو الصحيح، وما عند غيرى هو الخطأ والباطل، ولا داعى لمناقشة هادئة موضوعية نصل من خلالها إلى الحقيقة.
3- التعصب عادة يقود إلى العصبية والعنف، فحين يرفض الإنسان مناقشة آرائه، يتشنج ويتشدد ويهاجم آراء غيره، وسرعان ما يعادى الناس، وربما يلجأ إلى العنف.
4- التعصب يقود الإنسان إلى الإحساس الخطير بالتأله، أو على الأقل بأنه ملهم من الله، وكل من حوله يلهمهم الشيطان.
5- ولاشك أن هذا يقود إلى التشرذم والانغلاقية، بحيث تتمزق الناس إلى جماعات تنكفئ على نفسها.
علاج التعصب :
إن علاج التعصب يكمن فى الإقتناع بأن الإنسان ليس معصوماً من الخطأ وأنه بحاجة إلى الآخرين، وأنه ينبغى أن يرتفع من ذاته إلى من حوله، ومن النظرة الشخصية الضيقة إلى النظرة الموضوعية الواسعة… لذلك فعلاج التعصب يحتاج إلى:
1- شركة سليمة مع الله : فيها يتضع الإنسان ويستنير، ولا يرى فى نفسه الكفاءة المطلقة أو العصمة.
2- شركة سليمة مع أخوته : فيها يحس بأنه يحتاج إليهم، وإلى أفكارهم وآراءهم ونقدهم البناء، فالله الذى يعمل فيه، يعمل فى الآخرين أيضاً.
3- الخروج إلى النظرة الموضوعية للأمور : فنطرح الموضوع بهدوء وبدون حساسيات أو تشنجات، لندرسه فى نور.
والمجد لله دائما
المقال بقلم نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى الأسقف العام للشباب