كان الرب يظهر فى العهد القديم فى صورة إنسان، مرارًا كثيرة، وذلك تمهيدًا للتجسد الإلهى… فنراه يتمشى مع آدم فى الجنة (تك 8:3)، ويزور ابراهيم فى صورة ثلاثة رجال أحدهم يتحدث مع ابراهيم قائلا: “لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ؟” (تك 13:18)، “هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ” (تك 17:18)، والاخران يذهبان إلى لوط فى سدوم، فى شكل ملاكين من الله (تك 1:19). كذلك نرى الرب يظهر فى صورة إنسان صارعه يعقوب حتى الفجر (تك 32: 22-29) فى مخاضة يبوق، وباركه هناك. كما رآه موسى من ورائه، حينما جاز ساترًا إياه بيده فى نقرة من الصخرة، وقال له: “ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي. وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى” (خر 23:33). كذلك رآه مع أشراف بنى اسرائيل، ماشيًا على سحاب السماء، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بنى اسرائيل (خر 11:24). كذلك نرى الله ظاهرًا فى شكل إنسان ليشوع بن نون. ويتحدث معه كإله، إذ يقول الكتاب: “فَقَالَ الرَّبُّ لِيَشُوعَ: انْظُرْ. قَدْ دَفَعْتُ بِيَدِكَ أَرِيحَا وَمَلِكَهَا…” (يش 13:5، 2:6). كما رآه أشعياء فى الهيكل : “رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ” (أش 1:6).
كذلك رآه بعين النبوة قائلا عنه: “مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. َكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا” (أش 5،3:53). كما رآه آتيًا من أدوم بثياب حمراء فسأله: “مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ الْمِعْصَرَةِ؟ قَدْ دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ الشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ” (أش 63: 1-3).
كذلك نرى دانيال يتحدث عن خبرته الشخصية فيقول: “كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. َأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ” (دا 7: 13-14).
ويعوزنا الوقت لكى نتحدث عن ظهورات الرب المتعددة فى العهد القديم، فى صورة إنسان، فهو الذى رآه أشعياء مجروحًا وسأله عن جراحاته فقال له : “مَا هَذِهِ الْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي.” (زك 6:13)، كما رآه زكريا ملكًا وديعًا، يدخل إلى أورشليم “وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ” (زك 9:9).
ولكن ظهورًا مميزًا كان لمنوح وامرأته، والدى شمشون، كيف جاءهما فى شكل رجل، وبشرهما بميلاد الغلام، ولما سأله منوح: “ما اسمك؟ حتى إذا جاء كلامك نكرمك” قال له الرب: “لماذا تسأل عن اسمى وهو عجيب” فأخذ منوح جدى المعزى، والتقدمة، وأصعدهما على الصخرة للرب، فعمل عملا عجيبًا، ومنوح وأمرأته ينظران!! فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء، أن ملاك الرب صعد فى لهيب المذبح، ومنوح وامرأته ينظران، فسقطا على وجهيهما إلى الأرض.
والملاحظ أن منوح تأكد أن هذا ليس إنسانًا عاديًا، أو مجرد ملاك، إذ قال لأمرأته وهو مرتعد : “نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ!”، لكن امرأته طمأنته قائلة: “لَوْ أَرَادَ الرَّبُّ أَنْ يُمِيتَنَا لَمَا أَخَذَ مِنْ يَدِنَا مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً, وَلَمَا أَرَانَا كُلَّ هَذِهِ, وَلَمَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ أَسْمَعَنَا مِثْلَ هَذِهِ.” (نظر قض 22:13).
عجيب…
نعم… هذا هو اسم الرب…
كما ورد فى نبوة أشعياء.
وفى ظهوره لمنوح فهو: 1- عجيب فى ميلاده الأزلى … 2- عجيب فى ميلاده الزمنى …
3- عجيبًا فى قدراته الفائقة …
(يتبع)