تأملات فى سفر الأمثال
هو أحد الأسفار الشعرية فى الكتاب المقدس، حيث كتب بأسلوب شعرى جميل. ينسب سفر الأمثال لسليمان الحكيم ابن داود الملك، ولكن ليس كل ما فيه من أقوال سليمان، فهناك أقوال أخرى جمعها سليمان وانتقاها – بوحىّ من الروح القدس – من بين الأقوال المأثورة والحكم والأمثال التى كانت موجودة فى زمانه.
سليمان الحكيم:
كاتب سفر الأمثال هو سليمان الحكيم (أم 1:1، 1:10)، ثالث ملك لمملكة إسرائيل الموحدة بعد شاول وداود. وقد كان سليمان فيلسوفًا، رجل علم، ملكًا، حكيمًا، لذلك فلم يكن أحد يستطيع كتابة سفر الأمثال مثله.
كانت الحكمة هى شهوة قلب سليمان وطلبته الوحيدة من الله فى بداية حياته، لذلك أراد أن يتمتع كل البشر بالحكمة السماوية.
اكتسب سليمان الكثير من الخبرات، حيث بلغ قمة الغنى والسلطة والعظمة، وكذلك كانت له خبرات مُرة مع الخطية حيث ترك لنفسه العنان فترة من الزمن قبل أن يتوب ويرجع إلى الله.. جاء عن سليمان أنه “وَتَكَلَّمَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ مَثَلٍ، وَكَانَتْ نَشَائِدُهُ أَلْفًا وَخَمْسًا” (1مل 32:4) كان حكيمًا ومعلمًا للشعب. ولكـن علينـا
أن نتذكر أن الروح القدس هو من ملأ سليمان بالحكمة لكتابة هذا السفر، ولذلك فهـى ليسـت مجرد حكمة بشرية من سليمان الحكيم، ولكنها وصايا الله لنا على فم سليمان الحكيم.
هدف السفر:
يهدف هذا السفر إلى إرشادنا إلى طريق نسلكها فى الحياة، تقرب بيننا وبين الله،
حيث يبين لنا فى طريقة عملية كيف يسلك رجل الله بحكمة وسط العالم. وهو فى إرشاده لا يعرف أنصاف الحلول، بل يبين لنا الخطأ والصواب، حيث لا يوجد ما هو بين الاثنين.
تختلف الأمثال فى فكر الله عنها فى الفكر البشرى عند الحكماء والفلاسفة:
الحكمة البشرية الحكمة الإلهية:
– يعجز الفلاسفة عن أن يحققوا ما ينصحون به، ولا يملكون القوة لتحقيقه. – أما رجال الله فيستخدمون الأمثال الإلهية التى تعلن الحق كاملاً بتمامه، ولديهم قوة النعمة الإلهية لممارستها.
– الحكمة البشرية هى حصيلة خبرة ودراسة وقدرات يعطيها الله لبعض الناس. – أما الحكمة الإلهية فهى هبة إلهية تعطى لأناس الله، وتنمو من خلال عمق العلاقة مع الله، مستندة إلى نعمة الله.
كان لسفر الأمثال أهميته الخاصة فى الكنيسة الأولى، وإهتم به كثير من آباء الكنيسة، رغـم أنـه لا يتعرض للكثير من العقائد الإيمانية، ولكن الكنيسة لا تفصل بين الإيمـان والحيـاة، فسـلوك الإنسان هو ترجمة للإيمان الحّى والشركة مع الله.
حتى نستفيد من السفر، علينا أن نسلك بما فيه من وصايا بطريقة عملية، فى مواقف حياتنا المختلفة، مع رفع قلوبنا إلى الله فى الصلاة، ليهبنا نعمة لكى نسلك بحسب مسرته.
موضوع السفر:
سفر الأمثال هو دائرة معارف تضم إجابات على الكثيـر مـن الأسـئلة، بشـأن
كيفية سلوك الإنسان فى حياته كما يعلن عن السعادة الحقيقية، وكيف يصل الإنسان إليها..السفر يتحدث عن الحكمة، وكيف يقتنيها الإنسان، وهو فى ذلك يركز على أن الحكمة هى من الله.
مفتاح السفر :
“بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ..” (أم 10:9) فهو يدعونا إلى إقتناء الحكمة الإلهية، وتعلمها على يد الله. ولكنه يتحدث أيضًا عن العديد من الموضوعات منها: (مخافة الله، الإتكال على الرب، تهذيب الأبناء، الصداقة، اللسان، الغضب، محبة المال، النميمة، العطاء، الحسد، الاجتهاد وعدم الكسل..). والكثير من الموضوعات الهامة التى تمس حياتنا العملية.
مخافة الله فى سفر الأمثال:
– “مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ” (أم 7:1). – “بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ” (أم 10:9).
مخافة الله هى هدف السفر وموضوعه الأساسى، فبدون معرفة الله ومخافته لا يمكن إكتساب الحكمة التى تقدم إرشادًا للحياة كلها، ولا تنفع الإنسان بدونها أى معرفة أو ذكاء.. لن نستطيع الدخول فى طريق الحكمة إلا من خلال معرفة الله، فالله هو بدء الحكمة، وهو غايتها أيضًا. ومخافة الله هى التى تحث الإنسان على التعلم، بينما المعرفة البعيدة عن الله قد تقود الإنسان إلى الكبرياء والتشامخ حتى على الخالق نفسه.
نصائح للشباب من سفر الأمثال:
فى (أم 15:15-32) يقدم سليمان الحكيم مجموعة رائعة من النصائح للشباب كأبناء له،يحذرهم من المغريات والعثرات التى تقابلهم فى هذا السن، ويرشدهم إلى التمسك بروح الحكمة والتمييز، وقبول الإرشاد والنصيحة من مرشديهم: “يَا ابْنِى إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَكِيمًا يَفْرَحُ قَلْبِى أَنَا أَيْضًا وَتَبْتَهِجُ كِلْيَتَاىَ إِذَا تَكَلَّمَتْ شَفَتَاكَ بِالْمُسْتَقِيمَاتِ” (أم 15:23-16).
يبين سليمان الحكيم من أين يبدأ السقوط والابتعاد عن الله، حين يشعر الإنسان أن طريق الله يقيده، ويتطلع إلى أولاد العالم (البعيدين عن الكنيسة) كأمثلة ناجحة لشباب يستمتع بحياته ولا يحرم نفسه من مغريات العالم وملاهيه…
– “لاَ يَحْسِدَنَّ قَلْبُكَ الْخَاطِئِينَ بَلْ كُنْ فِى مَخَافَةِ الرَّبِّ الْيَوْمَ كُلَّهُ. لأَنَّهُ لاَبُدَّ مِنْ ثَوَابٍ وَرَجَاؤُكَ لاَ يَخِيبُ” (أم 17:23-18).
حينئذ تبدأ المغريات فى الدخول إلى حياة الإنسان لتعثره وتبعده أكثر عن الله..
شرب الخمر:
من الموضوعات الهامة والتى يمكن تناولها من خلال سفر الأمثال هو موضوع شرب الخمر، حيث تعامل سفر الأمثال مع هذا الموضوع بحزم ووضوح فى عدة آيات، كما أن بعض هذه الآيات ينطبق أيضًا على أى عادة ضارة. راجع أيضًا (أم 1:20) بالإضافة للآيات السابقة.
– “لاَ تَكُنْ بَيْنَ شِرِّيبِى الْخَمْرِ بَيْنَ الْمُتْلِفِينَ أَجْسَادَهُمْ لأَنَّ السِّكِّيرَ وَالْمُسْرِفَ يَفْتَقِرَانِ وَالنَّوْمُ يَكْسُو الْخِرَقَ” (أم 20:23-21).
الطاعة:
فى هذه المرحلة لابد للإنسان أن يستمع إلى نصائح والديه ومرشديه الروحيين الذين يحبونه محبة حقيقية، ويبتهجون ويفرحون إذا عاد إلى الله..
– “اِسْمَعْ لأَبِيكَ الَّذِى وَلَدَكَ وَلاَ تَحْتَقِرْ أُمَّكَ إِذَا شَاخَتْ. اِقْتَنِ الْحَقَّ وَلاَ تَبِعْهُ وَالْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ وَالْفَهْمَ. أَبُو الصِّدِّيقِ يَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَمَنْ وَلَدَ حَكِيمًا يُسَرُّ بِهِ. يَفْرَحُ أَبُوكَ وَأُمُّكَ وَتَبْتَهِجُ الَّتِى وَلَدَتْكَ” (أم 22:23-25).
ولكن إذا لم يستمع الإنسان للتوجيه والإرشاد واستمر فى طريقه بعيدًا عن الله، سيخسر كل شىء وينزلق فى طريق الخطية، وفى هوة عميقة ليس لها نهاية..
– “لأَنَّ الزَّانِيَةَ هُوَّةٌ عَمِيقَةٌ وَالأَجْنَبِيَّةَ حُفْرَةٌ ضَيِّقَةٌ. هِىَ أَيْضًا كَلِصٍّ تَكْمُنُ وَتَزِيدُ الْغَادِرِينَ بَيْنَ النَّاسِ” (أم 27:23-28).
– “لِمَنِ الْوَيْلُ؟ لِمَنِ الشَّقَاوَةُ؟ لِمَنِ الْمُخَاصَمَاتُ؟ لِمَنِ الْكَرْبُ لِمَنِ الْجُرُوحُ بِلاَ سَبَبٍ؟ لِمَنِ ازْمِهْرَارُ الْعَيْنَيْنِ؟ لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِى طَلَبِ الشَّرَابِ الْمَمْزُوجِ” (أم 29:23-30).
نتيجة الخطية والشهوة:
– “فِى الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ” (أم 32:23).
– “يَقُولُ: ضَرَبُونِى وَلَمْ أَتَوَجَّعْ. لَقَدْ لَكَأُونِى وَلَمْ أَعْرِفْ. مَتَى أَسْتَيْقِظُ أَعُودُ أَطْلُبُهَا بَعْدُ!” (أم 35:23).
رغم أن سليمان الحكيم كتب هذه النصائح منذ أكثر من 2000 سنة، إلا أنها
تنطبق بشكل عجيب على هذا العصر، وهو ما يوضح لنا كيف يقود الوحى – الروح
القدس – رجال الله القديسون فى كتاباتهم، لتبقى كلمات الله فى الكتاب المقدس نافعة للتعليم والتوبيخ والتقويم فى كل عصر. راجع (2تى 16:3).
الاجتهاد فى العمل:
– تعرض سفر الأمثال لأهمية الاجتهاد فى العمل، فالله يطلب من أولاده ليس فقط أن يجاهدوا روحيًا، ولكن عليهم أيضًا أن يجتهدوا ويتفوقوا فى عملهم أو دراستهم ويكونوا مثلاً وقدوة صالحة لكل من حولهم: “اَلْعَامِلُ بِيَدٍ رَخْوَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فَتُغْنِى” (أم 4:10).
– يوجه سفر الأمثال نظرنا إلى التأمل فى الطبيعة لنرى كيف تعمل المخلوقات بإجتهاد ومثابرة رغم قدراتها العقلية المحدودة بالمقارنة بالإنسان: “اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا. الَّتِى لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ وَتُعِدُّ فِى الصَّيْفِ طَعَامَهَا وَتَجْمَعُ فِى الْحَصَادِ أَكْلَهَا. إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟” (أم 6:6-9).
المحبة :
– “اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ” (أم 12:10).
– “مَنْ يَسْتُرْ مَعْصِيَةً يَطْلُبُ الْمَحَبَّةَ وَمَنْ يُكَرِّرُ أَمْرًا يُفَرِّقُ بَيْنَ الأَصْدِقَاءِ” (أم 9:17).
العطاء :
– “لاَ تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ أَهْلِهِ حِينَ يَكُونُ فِى طَاقَةِ يَدِكَ أَنْ تَفْعَلَهُ” (أم 27:3).
– “مَنْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ” (أم 17:19).
محبة المال :
– “كُنُوزُ الشَّرِّ لاَ تَنْفَعُ أَمَّا الْبِرُّ فَيُنَجِّى مِنَ الْمَوْتِ” (أم 2:10).
– “اَلْقَلِيلُ مَعَ الْعَدْلِ خَيْرٌ مِنْ دَخْلٍ جَزِيلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ” (أم 8:16).
اللسان :
– “كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ” (أم 19:10).
– “مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ يَحْفَظُ مِنَ الضِّيقَاتِ نَفْسَهُ” (أم 23:21).
مواضيع أخرى :
– “اِسْمَعْ يَا ابْنِى تَأْدِيبَ أَبِيكَ وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ وَقَلاَئِدُ لِعُنُقِك” (أم 8:1-9).
– “اَلأَحْمَقُ يَسْتَهِينُ بِتَأْدِيبِ أَبِيهِ أَمَّا مُرَاعِى التَّوْبِيخِ فَيَذْكَى” (أم 5:15).
– “قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ” (أم 18:16).
– “اَلْبَطِىءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً” (أم 32:16).
– “اَلاِنْتِهَارُ يُؤَثِّرُ فِى الْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ جَلْدَةٍ فِى الْجَاهِلِ” (أم 10:17).
– “اَلصِّيتُ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى الْعَظِيمِ وَالنِّعْمَةُ الصَّالِحَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ” (أم 1:22).
– “لاَ تَقُلْ: إِنِّى أُجَازِى شَرًّا. انْتَظِرِ الرَّبَّ فَيُخَلِّصَكَ” (أم 22:20).
علاقة السفر بأسفار سليمان الأخرى:
كتب سليمان الحكيم أربعة أسفار كلها أسفار شعرية أو حكمية وهـى: سـفر الأمثـال، سفر الجامعة، سفر النشيد، وسفر الحكمة (من الأسفار القانونية التى حاول البروتستانت حذفها).
تعتبر الأسفار الأربعة سلم للحياة مع الله، فسفر الأمثال يرينا كيف يسلك المؤمن بحكمة فى الحياة من خلال مخافة الله، وفى سفر الجامعة يعرف أن الحياة لا تساوى شيئًا، وفى سفر الحكمة يعرف أن الله يسوس العالم بالحكمة،
أما فى سفر النشيد فيدخل فى شركة حب حية مع الله.
– يهدف سفر الأمثال إلى “إرادة مقدسة” والجامعة إلى “عقل مقدس” وفى النشيد إلى “قلب مقدس”.
– فى سفر الأمثال الله هو إله العدل، وفى سفر الجامعة هو وحده الذى يهب للحياة معنى، وفى سفر الحكمة هو إله الأمانة والرعاية، أما فى سفر النشيد هو إله الحب.
آيات للتطبيق العملى:
يمكن للخادم أن يأخذ بعض الآيات من سفر الأمثال، ويفتح نقاشًا مع المخدومين حول كيفية تطبيق هذه الآية فى حياتهم العملية، وهذه بعض الأمثلة لتوضيح الفكرة، ويمكن للخادم الإضافة إليها: “مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِىءَ كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ” (أم 15:17).
– نحن نعرف أن الله لا يحب الظلم، ولذلك فإتهام شخص برئ بذنب لم يفعله هو شىء مكروه لدى الله، ولكن الآية تخبرنا أيضًا أن تبرئة الشخص المذنب من ذنب ارتكبه مكروه لدى الرب بنفس الدرجة، بل أن الآية ذكرت مبرئ المذنب قبل مذنب البرىء.
ملاحظة : أحيانًا نكذب لنحمى أصدقائنا ومن نحبهم من العقاب، وبذلك نكون قد برئنا مذنبًا.. فهل نشعر أن هذا يغضب الله؟ فكر فى مواقف أخرى نمر بها ويمكن أن تحمل نفس المعنى: “مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ” (أم 15:17).
– “تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. فِى كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ” (أم 5:3-6).
كلنا نؤمن بضرورة الاتكال على الله وتسليم حياتنا في يديه، ولكن الآية هنا توضح شىء مهم من خلال كلمة “كل”، فالله يريد أن تتكل عليه ب “كل” قلبك، كما أن هذا الاتكال لا يكون فى بعض المجالات فقط (الحياة الروحية، الخدمة..) ولكن فى “كل” طرقك.. ولنلاحظ دقة الآية فى تعبير “على فهمك لا تعتمد” فالله لا يمنعنا من التفكير بل علينا أن نفكر ونخطط، ولكن اعتمادنا فى النهاية يكون على الله لقيادتنا فى الطريق.
– هل تتكل على الرب فى كل نواحى حياتك.
– أم أن تلجأ إليه فقط عندما تعجز عن التصرف؟ هل جربت الاتكال على الله؟
– وما هى خبراتك فى بعض المواقف التى شعرت بيد الله تقودك فيها؟
– “اَلْحَكِيمُ يَخْشَى وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ وَالْجَاهِلُ يَتَصَلَّفُ وَيَثِقُ” (أم 16:14).
أحيانًا كثيرة نتصور أنه يمكننا الاقتراب من الشر دون أن يؤذينا: صحبة سيئة، مكان لا يليق، حوارات ومناظر معثرة.. ولكن هذه الآية تخبرنا بحزم أنه ليس من الحكمة الاقتراب من الشر، بل الحكيم هو من يخشى (وليس يخاف) على نفسه من الشر ويتجنبه.
سفر الأمثال وطقس الكنيسة:
أشار سفر الأمثال بقوة إلى أسرار الكنيسة وبالأخص سر الإفخارستيا
وتأثيره الذى يهب الحياة: “اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ. ذَبَحَتْ
ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضًا رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا. أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِى عَلَى ظُهُورِ
أَعَالِى الْمَدِينَةِ: مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلِْيَمِلْ إِلَى هُنَا. وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ قَالَتْ لَهُ: هَلُمُّوا كُلُوا مِـنْ طَعَامِى وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِى مَزَجْتُهَا. اُتْرُكُوا الْجَهَالاَتِ فَتَحْيُـوا وَسِـيرُوا
فِى طَرِيقِ الْفَهْمِ” (أم 1:9-6).
فالمسيح يدعونا إلى المائدة السمائية، حيث يقدم لنا جسده المبذول ودمه الطاهر كذبيحة حب لأجلنا، تهبنا الحكمة والمعرفة الروحية. ولا يستطيع أن يتمتع بهذه الدعوة إلا من يشعر بجهله (خطيته) وحاجته إلى الحكمة (السيد المسيح).
تقرأ الكنيسة من سفر الأمثال فى أسبوع الآلام أجزاء كثيرة، خاصة يومىّ خميس العهد والجمعة العظيمة حيث تقرأ الأجزاء التى تتكلم عن أزلية السيد المسيح فى أمثال 8 (راجع النقطة العقائدية).
السيد المسيح فى سفر الأمثال:
بالإضافة إلى أن سليمان كان ملكًا حكيمًا، كان أيضًا نبيًا، ولذلك نجد فى سفر الأمثال نبوات وإشارات كثيرة لشخص السيد المسيح، فهو المعنى الحقيقى لكلمة “الحكمة” فهو أقنوم الكلمة أو الحكمة المتجسد. وما ذكره سفر الأمثال عن الحكمة إنما هو إشارة لشخص السيد المسيح بكونه حكمة الله (1كو 30:1) الذى نزل على عالمنا وسار بيننا يقدم لنا فى شخصه الحكمة والمعرفة والحق. لو وضعنا “السيد المسيح” بدل الحكمة فى السفر سنجد إشارات ونبوات عجيبة، كما سنجد ما يقابلها فى آيات العهد الجديد.. فمثلاً:
السيد المسيح هو الحكمة فى سفر الأمثال:
– أزلية الحكمة ووجوده قبل الخليقة : “اَلرَّبُّ قَنَانِى أَوَّلَ طَرِيقِهِ مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ مُنْذُ الْقِدَمِ. مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ مُنْذُ الْبَدْءِ مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ” (أم 22:8-23).
– الحكمة هو الخالق : “كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ” (أم 30:8).
– الحكمة هو الحياة : “لأَنَّ مَنْ يَجِدُنِى يَجِدُ الْحَيَاةَ وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ” (أم 35:8).
– الحكمة بنت بيتها : “اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ” (أم 1:9).
كذلك نجد فى سفر الأمثال نبوة واضحة عن التجسد فى صورة أحجية (فزورة)، ليبين لنا كيف أن نزول الله من السموات وتجسده هو أمر عجيب لا يستطيع الإنسان إدراكه، فيها كان من يجيب يقول بعد كل سؤال: يهوه إلهنا العظيم والأسئلة على النحو التالى:
“مَن صَعِدَ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ الرِّيحَ فى حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ الْمِيَاهَ فى ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟ (وجاء آخر سؤال:) مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟” (أم 4:30).
عزيزى القارئهذه بعض المفاتيح ل سفر الأمثال.نرجوا ان تتعمق أكثر فى دراسة السفر فهو سفر مشبع جدا وبه الكثير والكثير من الحكمة تعالوا نتعلم منه الحكمة والفهم … بركة سفر الأمثال فلتكن معنا جميعا.