ثمار الصليب – نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب

الرئيسية / ثمار الصليب – نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب

منذ أيام قدمـاء المصرييــــن والصليب علامة حياة، وقد اتخذوا “مفتاح عنخ” الذى يشبه الصليب فى شكله علامة الحياة بعد الموت، حيث كلمة “عنخ” معناها (حياة).

نعم… فالرب حين مات عنا على عود الصليب، مات الناسوت فيه، وظل اللاهوت متحداً بعناصر الناسوت الثلاثة: الجسد الإنسانى والنفس والروح الإنسانية.

والسبب بسيط، فاللاهوت خالد لا يموت، وغير محدود، ممكن أن يظل متحداً بالجسد المسجى فى القبر، وبالنفس الإنسانية والروح الإنسانية، اللتين ذهبتا إلى الفردوس، بعد أن أطلقتا الأنفس والأرواح التى كانت فى قبضة إبليس فى الجحيم، مكان انتظار الأشرار.

نعم… فقبل الصليب كانت نفوس الأبرار مع نفوس الأشرار فى مكان واحد، وإن كان الفرق الجوهرى أن النفس البارة تنتظر المسيح المخلص، الذى سينقلها إلى الفردوس، أما النفس الشريرة فهى تنتظر يوم العقاب النهائى، والحكم الأبدى، حين تنتقل إلى جهنم.

إذن فالثمرة الأولى من ثمرات الصليب :

1- الفردوس المفتوح :

حيث اختفى الكاروبيم الحارس للفردوس، واللهيب المتقلب والسيف، ودخل الرب ظافراً يحمل المفديين، والراقدين على الرجاء، إلى فردوس النعيم، حيث ينعمون فى شركة مع الله إلى يوم القيامة المجيدة، حين ينتقلون إلى وضع المجد الأبدى، والفرح الدائم، فى ملكوت السموات، وأورشليم السمائية.

وبعد أن كان يعقوب يقول لأولاده  فى العهد القديم: “إِنِّى أَنْزِلُ إِلَى ابْنِى نَائِحاً إِلَى الْهَاوِيَةِ” (تك 35:37)، صار اللص التائب مستحقاً – من خلال التوبة والإيمان بدم المسيح – أن يسمع من فم الرب: “ﭐلْحَقَّ أَقُولُ
لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِى فِى الْفِرْدَوْسِ” (لو 43:23).

أما الثمرة الثانية للصليب فهى..

2- الشيطان المنهار :

لقد حاول الشيطان أن يتعرف على شخص الفادى، حتى إذا
ما تأكد أنه المسيح المنتظر، والمخلص العتيد، يمنع موته، وبهذا لا يتم الفداء.. “لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ” (1كو 8:2).

لكن  الرب المحب لفدائنا وخلاصنا، أخفى ألوهيته عن الشيطان، إذ قبل بالتدبير شكل الضعف، فنامٍ وجاع وبكى، وتألم وصلى… وبهذا أبعد الشيطان عن خطته التى يتمنى تنفيذها، وجعله يتعجب صلب الرب الذى كان فيه فداؤنا.

وعندمــا ذهبـت نفـس الرب الإنسانية إلى الجحيم ككل الأنفس، حتى البارة فى ذلك الوقت، تصور الشيطان أنه تمكن من المسيح، وإنتهى منه إلى الأبد، وحاول أن يقبض على هذه النفس كغيرها، ولكن هيهات!! فلقد كان اللاهوت متحداً بها كما كان متحداً بالجسد المسجى فى القبر.

وهكذا صرع الشيطان، وانفكت قبضته عن بنى آدم الراقدين على الرجاء وأخذهم الرب ظافراً منتصراً، وأدخلهم إلى الفردوس السعيد.

لهذا ترنم الكنيسة قائلة: “يا كل الصفوف السمائية، رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح… قد قام الرب من بين الأموات.. وسبى الجحيم سبياً” (نشيد عيد القيامة).

وهكذا انتهـت قبضة الشيطـان، إذ قد رآه الـرب “ساقطاً” مثل البرق من السماء  (لو 18:10)، “وبعلامة الصليب يبطل كل سحر” (القديس أثناسيوس – تجسد الكلمة 2:31).

أما الثمرة الثالثة للصليب فهى..

3- الحياة الأبدية :

نعم… فالموت قد انتهى بموت الرب الفدائى عنا، لم يعد للموت سلطان علينا “لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال” (أوشية الراقدين)… الحكم الذى كان علينا، رفعه الرب عنا بموته النيابى… والفساد الذى أصاب طبيعتنا، أعطانا الرب الطريق لإلغائه، وذلك من خلال المعمودية (حيث نموت ونقوم مع الرب ونتجدد بالروح القدس)، وبالميرون (حيث يسكن فينا روح الله، وندشن كهياكل مقدسـة لـه)، والتنـاول (حيث نثبت فيـه وهـو فينـا)… “وَهَذِهِ هِىَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّـــةُ: أَنْ

يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِىَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِى أَرْسَلْتَهُ” (يو 3:17).

وهنا قول جميل للقديس أثناسيوس الرسولى: الموت… إذ قهره المخلص، وشهر به على الصليب، وأوثق يديه ورجليه، فإن كل الذين هم فى المسيح يدوسونه إذ يمرون به، ويهزأون  به شاهدين للمسيح، ويسخرون

منه مرددين ما قيل عنه فى القديم:  “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ
يَا هَاوِيَةُ؟” (1كو 55:15، هو 14:13)، (فصل 27 فقرة 4).

من ذا الذى يرى أسداً يعبث به الأطفال، ولا يدرك أنه إما أن يكون قد مات، أو فقد كل قوته؟!.. هكذا أيضاً إن كان الموت يعبث به المؤمنون بالمسيح ويحتقرونه (مرحبين

بالاستشهاد)، وجب أن لا يشك أحد فى أن المسيح قد أبطل الموت وأباده وأوقف فساده (فصل 29 فقرة 6.5).

هذه بعض وأهم ثمار الصليب المجيد، فردوس مفتوح وشيطان منهار، وأبدية سعيدة… فهل هذا ما نحياه لآن كلما رشمنا الصليب، أو حضرنا صلوات الآلام، أو صمنا الأربعاء أو الجمعة… ليتنا نفعل!!

مشاركة المقال