دكتور مكرم مهنى رفيق الخدمة -الأنبا موسى
أعرفه منذ أكثر من نصف قرن. أعرفه فى بيته فى صندفة بنى مزار. أعرف والده ووالدته. أعرف كل أسرته بكل أجيالها وكل فروعها وكل خدماته وكل أنشطتها.
مكرم هو دَفعة غالية فى حياتى، وأيقونة جميلة فى سماء هذا الوطن وفى سماء الكنيسة والأقباط. أنا لا أجامله لكن أعرف أن كلكم تصدقون هذا الكلام وواثقين منه لأنه حقيقى.
مكرم لم يكن لنفسه أبدًا أبدًا، ولم يحصر نفسه فى عائلته فقط، ولا حصر نفسه فى الأقباط فقط ولا فى أخواته المصريين فقط، لكن كان له دور على المستوى القومى ودور على المستوى الإقليمى ودور على المستوى العالمى.
أنا لا أقول كلام ولكن أقول حقائق عشتها مع مكرم:
1- هو رائد فى العمل الوطنى.
2- ورائد فى العمل المسكونى بين الطوائف المسيحية.
3- رائد فى العمل الصيدلانى.
4- رائد فى العمل الكنسى.
5- رائد فى العمل الاجتماعى.
هذه خماسية مكرم، لكن عندما أسرح أجد حاجات أخرى كثيرة.
1 – رائد فى العمل الوطنى:
فمكرم كان بيحب مصر حب لا مثيل له مثلما قال عنه الدكتور خالد منتصر الذى سماه “قديس الدواء”، لأن حقيقى كان بيحب بلده بيحب مصر.
مكرم كان يقدر يهاجر، وما أسهل أنه يهاجر ولكن لم يرضَ وقال أظل فى بلدى. طبعًا من يهاجر ربنا يختار له هكذا، ويبنى بلده من اتجاه آخر. ونحن فخورين بالمصريين المهاجرين مثل الموجوديـن فـى هذا البلد. فهنـاك مـن ذهب لدولة عربيـة أو دولة أفريقية أو سـافر أمريكا أو أستراليا.. فإحنا لفينا العالم كله مع مكـرم فى خدمة العمل المسكونى والشباب، لفينا العالم كله، كل المصريين بره يموتوا فى تراب مصر وبيحبوها من قلبهم.
مكرم كان وطنى حتى النخاع، ولم يرضَ أبدًا أن يترك هذا البلد ويعيش فى الخارج. حياة طبعًا بتكون أكثر راحة فى النواحى المعيشية والجو و.. ورغم أمراضه ظل فى هذا البلد أميناً له إلى النفس الأخير.
فهو رائد وطنى ورائد مسكونى بمعنى مسكونى يعنى معناها بيعمل فى الكنيسة على مستوى المسكونة كلها. مكرم لف العالم كله، زار كنائس لا حصر لها فى العالم كله، وكان بيقدم صورة جميلة للبلد وللكنيسة وللمواطن المصرى وللوحدة الوطنية الجميلة التى تجمعنا.
مكرم مفيش مكان لم يذهب إليه، وفى كل مكان يذهب له كان سفير لمصر على أعلى مستوى، وكان سفير للكنيسة القبطية على أعلى مستوى. مفيش مكان ذهب إليه إلا وبحث عن الكنيسة أولاً لكى يصلى، ولو ولاقاهم محتاجين أى حاجة كان دائمًا يقوم بها ويعملها بكل ود وبكل اهتمام.
ليـس فقــط علــى المستوى الوطنى ولا على مستوى الكنائس، ولكن أيضًا على مستوى الدواء، مثلما قال الدكتور خالد منصور قديس الدواء، لأن مكرم صنع كم هائل من الأدوية فى مصر بكفاءة جيدة، وجعلها تنافس الدواء الأجنبى، وجعلها رخيصة على المواطن المصرى، ومش هاقول أد إيه قدم من
هذه المصانع خير لكل المحتاجين للدواء مسلمين وأقباط.
رائد وطنى ورائد مسكونى ورائد صيدلانى، ورائد كنسى، فهو لم ينسَ أبدًا أنه ابن الكنيسة القبطية، الكنيسة التى كلنا بنعتز بها أخوتنا المسلمين قبل المسيحيين، لأنها كنيسة وطنية شامخة ضاربة بجذورها فى فى التاريخ المصـرى، كنيســـة رفضـــت تمامًــا أن يدخل إليهـا مسـتعمر أو محتل. ولذلك دائمًا هو فى الكنيسة باستمرار. أسس الأسرات الجامعية.. أنـا لن أنسى هذه القصة أيام البابا شنوده أسقف التعليم، لأن أنا معاصره من زمان، قال لى تعالى معايا عشان أبتدى أسرات جامعية، قلت له يعنى هاتعمل إيه يا مكرم، قال لى أخلى الشباب اللى تسرب من الكنيسة أو مالوش علاقة بها أو مارحهاش يقابلوهم أخواتهم فى الكلية ويدعوهم للكنيسة عشان خاطر ما يتوهوش فى زحام هذا العالم، قلت له ماشى. أخذته وذهبنا للأنبا شنوده أسقف التعليم، وشجع الأسرات الجامعية، وأسس هو أسرة أغسطينوس الصيدلانية، وأسس أبونا داود لمعى والدكتور فتحى فوزى أسرة القديس اسطفانوس اللى هى طب عين شمس والدكتور عماد أمين أسس أسرة لوقا الطبيب، وأصبحت 100 أسرة جامعية يجيبوا أخواتهم عشان يمشوا مع ربنا ولا يبعدوا عن ربنا.
فهو رائد فى العمـل الكنسـى، عمـــل كورسات قيادة وإدارة، ودرب كثيرين على الإدارة الحسنة، فهو كان مدير ناجح ومتميز وممتاز، وعمل خدمات كثيرة جدًا للفقراء لا حصر لها ولا إعلان لها ولا نعلن عنها.
خدم الكل، المجتمع المصرى كله بكل طوائفه، وطبعًا زى ما قلت فأنا أعرفه من بيته فى صندفة وياما رحت عنده هناك وياما بيتنا عنده هناك وياما قابلنا الشباب هناك وياما طور فى هذه القرية حتى أصبحت اليوم منارة عالية جدًا سواء فى الناحية الوطنية أو الكنسية.
مكرم حدوتة مصرية، وحدوتة كنسية، وحدودة محبة، كتلة محبة.. يعنى أنا عمرى ما شفت فى عينيه ألا الحب، عمره ما رفع صوته، عمره ما شخط فى حد.. لكن كان منتهى القوة. زى ما قال عنه الدكتور خالد منتصر فى مقاله.
بصراحة مكرم لا يموت.. “لا يكون موت لعبيدك بل انتقال”.
مكرم لا يموت.. سيظل حيًا فى قلوبنا.. سيظل حيًا فى أسرته.. حيًا فى وطنه.. حيًا فى العمل المسكونى..حيًا فى العمل الوطنى المصرى والحزبى وغير الحزبى، ولم يكن متحزب أبدًا لأى حاجة، قلبه كان واسع باتساع الكرة الأرضية.
الرب يعطينا العزاء.. “أنا أنا أعزيكم” يقول الرب. أى التعزية ستأتى لنا من السماء، ولذلك نحن نثق أنه هو فوق فى السماء يصلى من أجلنا وتعزيات السماء سوف تنسكب على قلوب الجميع، ولربنا المجد الدائم.
كلمة قالها نيافة الأنبا موسى فى رحيل د مكرم مهنى رفيق نيافته فى حدمة أسقفية الشباب … نطلب صلواته عنا