عبادة الشيطان..ما هى؟! – نيافة الأنبا موسى الأسقف العام

الرئيسية / عبادة الشيطان..ما هى؟! – نيافة الأنبا موسى الأسقف العام

هذه ضلالة جديدة، يحاول بها الشيطان اقتناص أبنائنا، والخروج بهم عن جادة السبيل، وما يبنى أرواحهم وأنفسهم وأجسادهم، إلى طريق مدمر وخطير.. فمن هو الشيطان، وما حكاية هذه الضلالة؟

من هو الشيطان ؟

خلق الله الملائكة ورؤساء الملائكة، قبل أن يخلق الإنسان، وأعطاهم حرية إرادة وفرصة اختيار، فاختار كل رؤساء الملائكة ومن يتبعونهم من ملائكة، أن يعيشوا فى خضوع لله، وارتباط مستمر به، واثقين أن فى يدى الله السعادة والقداسة والخلود. وذلك فيما عدا واحد منهم ومجموعته، الشيطان، الذى أراد فى كبرياء رديئة أن يصير مثل العلى، وهذا ما ورد فى سفر إشعياء النبى “كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِى قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّى فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ… أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِىِّ لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ” (إش 12:14-15).

وللشيطان أسماء عديدة فى الكتاب المقدس مثل إبليس أو الحية القديمة، فهو الذى أغوى أدم وحواء بالسقوط. ويسميه الكتاب المقدس “الرُّوحِ الَّذِى يَعْمَلُ الآنَ فِى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ” (أف 2:2)، ولذلك يوصينا الله قائلاً “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُم” (يع 7:4)، “وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً” (أف 27:4)، “الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ” (أف 11:6) – أى السلاح الروحى من صلوات وقراءات فى الكتاب المقدس والتناول “لِكَىْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ” (أف 11:6).

وكلمة شيطان مأخوذة من كلمة “شطن” العبرية ومعناها “المقاوم” وكلمة “إبليس” مأخوذة من كلمة “ديابولوس” اليونانية ومعناها “المفترى”.

1- من هم عبدة الشيطان ؟

هم أناس استغلوا الحرية التى أعطاها الله للإنسان، فرفضوا الله، خضعوا لعدو الله، إبليس وهو عدو الإنسان أيضاً، وعدو كل بر، كل ما يتمناه أن يسقط الإنسان فى الخطيئة ليهلك، ولذلك فهو مثل “كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ” (1بط 8:5). مع أن الله قادر أن يبيده ويفنيه، إلا أنه سمح ببقائه، لكى تكون للإنسان فرصة ممارسة الحرية، إذ يختار بين الحياة مع الله أو التبعية للشيطان.

وهؤلاء الناس الذين يعبدون الشيطان يعرضون أنفسهم للدمار الشامل بسبب الخطايا التى يمارسونها.

إن عبدة الشيطان ببساطة هم أناس رفضوا الخضوع لإلهنا المحب، وتصوروا أن الشيطان قد ظُلِمَ. ويتناسى هؤلاء الناس أن الشيطان قد استكبر على الله، ثم أغوى الإنسان لكى يسقط. وما زال يغوى البشر، ويغريهم بالخطايا والآثام، التى تدمر الإنسان تدميراً كاملاً، فالخطية:

أ- تدمر الروح : العنصر الذى من خلاله نتصل بالله، وندخل عالم السمائيات والخلود.

ب- وتدمر العقل : إذ ينطفئ نوره الربانى، وتغشاه ظلمة عدو الخير.

ج- وتدمر النفس : حينما تتمرد الغرائز، وتنحرف العواطف والاتجاهات، وتملأ حياة الإنسان بالعادات الرديئة.

د- وتدمر الجسد : فيفقد طاقته، ويسقط فريسة أمراض رهيبة، كالإيدز والهربس والكالاميديا وغير ذلك.

ه‍- وتدمر العلاقات : فالإنسان المنحرف مرفوض من الجميع، ولا يرضى أحد معاشرته أو صداقته.

أما أبناء الله: فروحهم تشبع بالله، وعقلهم يستنير بنوره، ونفوسهم تنضبط بنعمته، وأجسادهم تصح بطاعة وصاياه، وعلاقاتهم تنجح من خلال المحبة والقداسة وروح العطاء.

2- محاور عبادة الشيطان :

تأسست عبادة الشيطان منذ قرون فى نيواورلينز بالولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت بعد ذلك إلى باقى الولايات والدول الغربية عموماً.

ومعرف أن عبدة الشيطان، يدورون فى مملكة الشرير، حول ثلاث محاور أساسية هى :

1- الطقوس الرافضة للأديان : والمتمردة على الإيمان والإيمانيات، والتى تحض على الخطيئة وتمجيد الشيطان. وهذا يتضح من أغانيهم التى تشتمل على صرخات هيسترية، أحياناً دون كلمات مفهومة. كما أنها تدعوهم إلى الانغماس فى الخطيئة، إذ تقول إحداها: “إنى أدخل إلى الخطيئة.. فإنى أحب أنى أمارس ما أدعو إليه”!! وفى أخرى “لك المجد أيها الشيطان (!!!).. هب لنفسى أن تستريح بجوارك تحت شجرة المعرفة”!!.

وفى أغنية ثالثة فى “القداس الأسود”!! يا إبليس إننا نعبدك.. أنت إله “الإدراك السليم”!! وفى غيرها يقول: “يا سيد يتوسل إليك خدامك.. وهم منحنون على ركبهم.. يترجون منك أن تحفظ لهم البهجة.. بارتكاب جرائمهم التى لا يكتشفها القانون.. وأن تعينهم فى الأعمال الشريرة، بطرقها السرية المحيرة”!!

إن التنجيم، وقراءة الطالع فى “الكوتشينة” وتحضير الأرواح، والعصا السحرية، بل والسحر عموماً، هذه كلها إمتداد لعبادة الشيطان، ينبغى أن نرفضها جميعاً.

2- الموسيقى الصاخبة : التى تخاطب الجسد، وتهدأ الأعصاب، وتنتهى إلى شبه غيبوبة، تهيئ الإنسان لأن يلبسه الشيطان فعلاً. وذلك لأن للموسيقى كما يقول أرسطو: “سلطان على تكوين الشخصية”، من حيث تأثيرها على الروح الإنسانية. فكلمة Muse معناها “الاستغراق فى تفكير عميق”.

ومع شدة اهتزاز الجسد بالموسيقى العنيفة، واستغراق الفكر، يغيب العقل، ويتهيأ الإنسان للشيطان فعلاً. وهذا ما أكدته. الدراسات النفسية والروحية الحديثة.

ومن المعروف أن موسيقى الروك، التى يمارسها عبدة الشيطان، دقاتها مستعارة من القبائل الوثنية الإفريقية، المتعبدة للأرواح الشريرة. أما الكلمات التى تصاحبها، فمليئة بالتجديف على إلهنا المحب، صانع الخيرات الرحوم.. كقول إحدى الأغانى: “لا يحتاج الصغار إلى القلق، عندما يكونون معى، اتركوا الكتاب المقدس أيها الصغار، وتعالوا حولى”.

كما أن عنف هذه الموسيقى، يقود الشباب إلى العنف فى حياتهم اليومية.. العنف الذى يتحول أحياناً إلى رغبة فى الانتحار، كما نسمع فى أغنية “Suicide Solution” أى “الانتحار هو الحل”.

3- الممارسات الجنسية المدمرة : التى تفقد الشباب طاقتهم المقدسة، خصوصاً لاختلاط ذلك بالمخدرات، تلك الطاقة التى كان يجب أن يدخروها للزواج المقدس. أو يتساموا بها فى اتجاهات بناءة كالعلم والفن والأدب والرياضة والثقافة والخدمة. وقد جاء فى جريدة Sun (10/2/1984) أن من فازوا بجوائز London Pop هم من الشواذ جنسياً أو المنحلين أو المتجمين، أو الذين يريدون أن يتحولوا من جنس إلى آخر.

4- الممارسات الدموية : كذبح القطط، وأحياناً البشر، وتلطيخ أجسادهم بالدم، ومعروف تاريخياً أنه فى سنة 1970 أصيب كثير من الأمريكيين بذعر، حينما رأوا مدى التأثير الشيطانى الذى أسمت به عائلة مانسون، والامتزاج المروع بين الجنس والمخدرات والسحر، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص كذبائح للشيطان!!

وفى كاليفورنيا تم قتل سبعين شاباً، عاملين فى مزارع الكروم، بعد انضمامهم لعبادة الشيطان! وفى مايو 1972 قدمت بعض النسوة فى شيكاغو أطفالهن، ذبائح للشيطان! وكانوا يحرقون ضحاياهم تماماً، ليضيع جسم الجريمة!!

من هو المعرض للسقوط فى هذه العبادة؟

نوعان من البشر: أحدهما البعيد عن الله، والتدين السليم، والآخر من يجرى وراء كل “موضة” حتى لو كانت مدمرة.. إنهم شباب نسوا أو تناسوا أن حياتهم ليست ملكاً لهم، وأن الحرية الممنوحة لهم تقابلها مسئولية، فانساقوا وراء بدع الضلال القادمة إلينا من الغرب، وتركوا وصايا الدين، وتقاليد الآباء والأجداد.

إن مصير الشيطان، هو الهلاك الأبدى، إذ يقول الكتاب المقدس: “وَإِبْلِيسُ الَّذِى كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِى بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ” (رؤ 10:20)، وهذا هو نفس مصير تابعيه.. فهم يخسرون فى الدنيا والآخرة، ويدمرون كيانهم الإنسانى بالنجاسة والمخدرات.

كيف الخلاص من هذه الضلالة الجديدة؟

معروف أن الوقاية خير من العلاج.. لذلك فالتربية الدينية المتكاملة هى العاصم الوحيد من الانزلاق إلى هذه الضلالة الخطيرة، سواء بأبعادها الدينية الملحدة، أو الأخلاقية المدمرة.

وتأتى هذه التربية من خلال البيت، والكنيسة والمدرسة، ووسائل الإعلام والاتصال، تلك التى بدأت تقتحم حياتنا وتربى أولادنا نيابة عنا.. فى غزو ثقافى ومادى وأخلاقى خطير.. وها هى الأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنت، التى كان يجب أن تقدم الإيجابيات للأجيال الصاعدة، يتسلل إليها المفسدون، فيحولونها إلى وسائل للانحراف والإثارة والضياع الإنسانى.

الواجب إذن أن نقوم بعملية تأصيل للشباب فى ميادين عديدة مثل:

1- التأصيل الإيمانى والروحى :

حيث نربى النشء على الإيمان العظيم، والقيم الروحية الخالدة، وعالم السمائيين، ونقدم لهم المثل العليا، سواء فى تاريخنا العريق، أو واقعنا اليومى المعاش. إن تقدم الشعوب لا يكون بالمادة والعلم وحدهما، ولكن بالقيم الروحية أيضاً حيث الإيثار والعطاء والمحبة والطهارة.. تلك التى تهب النفس سكينة وسلاماً وهدوءاً.

2- الاستنارة الذهنية والثقافية :

فالعقل المستنير بنور الله، والمواظب على قراءة الكتب المقدسة، والمنفتح بحكمة وإفرازعلى العلوم الإنسانية المختلفة: كالتربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع.. هو عقل واعٍ قادر على التمييز بين الغث والسمين، كما أنه عقل قادر على ضبط الجسد والغرائز، والاتجاهات والعادات والعواطف. لذلك يجب أن نشجع أولادنا على القراءة والثقافة البناءة، مثلما نشجعهم على معرفة مسيحيتهم والتعمق فيها.

3- الصحة النفسية :

فالنفس الهادئة المطمئنة يصعب أن تسقط فريسة الموسيقى الصاخبة، التى تغيب صاحبها عن عالم الواقع، أو فريسة الصداقات الشريرة، التى تقود شبابنا إلى المخدرات والنجاسة والانحلال.. ومن علامات النفس الصحيحة أنها:

أ- تحيا إحساس الثقة فى النفس وفى الآخرين بمعونة من إلهنا المحب.

ب- تعيش مشاعر السعادة، بسبب إيمانها بقدرة وقيادة الخالق، وبسبب ضميرها المستريح.

ج- تقبل ذاتها والآخرين، فى تفاعل ناضح بناء، وتجاهد كى ترتفع فوق الدنيا والخطايا والضعفات.

د- تكون مستقلة فكرياً ووجدانياً، غير قابلة للانقياد الأعمى.

ه‍- تضع أمامها أهدافاً معقولة، قابلة للتحقيق بمعونة الله.

و- تنجح فى علاقاتها مع الآخرين، بكفاءة تشبعها نفسياً واجتماعياً.

4- التربية الفنية والأدبية والرياضية :

ونقصد بذلك انشغال الشباب فيما يبنيه، ويفجر طاقاته المبدعة، سواء فى مجال الفنون المختلفة كالموسيقى الهادئة، أو الرسم والتصوير والتمثيل والأشغال المتنوعة، أو الإبداع الأدبى: فى الشعر والزجل وكتابة القصة، أو أنواع الرياضيات البدنية غير العنيفة. كل ذلك فى إطار
ما يبنى روحيات الإنسان ووجدانياته وجسده، دون أن يؤثر على أخلاقياته ومبادئه وتدينه السليم.

5- التأصيل الاجتماعى وروح الانتماء :

فالانتماء حاجة نفسية هامة، والشباب الذى يسقط فريسة هذه الانحرافات هو شباب ضائع، لا يشعر بانتمائه إلى الدوائر المختلفة التى تتسع شيئاً فشيئاً

أ- دائرة الأسرة : حينما تتفكك تفقد إمكانية تربية وقيادة أبنائها. سواء بالمشاكل العائلية بين الزوجين، أو بسفر أحدهما أو كليهما للخارج، تاركين الأبناء نهباً للشيطان وأعوانه.

ب- دائرة الأصدقاء : حيث يجب أن يتم إنتقاؤهم بطريقة جيدة ومعايير سليمة.

ج- دائرة الدراسة : حينما يتخير الشباب أصدقاء صالحين، ويرى فى مدرسيه القدوة الحسنة.

د- دائرة الدين : حينما يتعرف على خالقه ووصاياه، ومكافأته فى الدنيا والآخرة.. ويعرف أن الدين سياج وليس قيوداً.

ه‍- دائرة الوطن : حينما يحس الشباب بعضويته فى هذا الوطن، ويسهم فى بناء بلده، والتواصل مع كل من حوله فى حب ووئام.

و- دائرة البشرية : حينما يتسع قلبه للناس جميعاً، فى محبة باذلة وخدمة فعالة.

أما هذا الشباب الضائع التائه المسكين، فهو عموماً ضحية تربية سيئة، ويجب أن ندعوه إلى التوبة والطهارة، فباب التوبة مفتوح، وذلك من خلال الحوار والإقناع والتوجيه السليم والحازم.. لأنهم بانحرافهم هذا يعرضون أنفسهم وغيرهم إلى خراب روحى وإنسانى وأبدى.

فلنرفع قلوبنا إلى الله كى يحمى أبناءنا من هذه الضلالة الجديدة، ولنجتهد فى تربيتهم التربية الحقة.. حتى ما يستطيعوا تنفيذ الوصية القائلة: “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ” (يع 7:4). فالله – إذا ما أخلصنا فى جهادنا – قادر أن ينصرنا على عدو الخير وعلى أفكاره الشريرة.

 

 

مشاركة المقال