عطايا الله للإنسان فى المسيحية (أ)- نيافة الأنبا موسى

الرئيسية / عطايا الله للإنسان فى المسيحية (أ)- نيافة الأنبا موسى

إن عطايا الله للإنسان فى المسيحية كثيرة ومتميزة، وهى أوسع وأعلى بكثير مما يتصوره البشر، وهذه بعضها :

1- عطية الوجود :

فنحن بإلهنا العظيم “نحيا ونتحرك ونوجد” (أع 28:17)، فالحياة هى عطية الله للإنسان “فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس” (يو 4:1)، والحركة هى عطية الله من خلال الصحة، ونقصد بالحركة مفهومها الشامل: حركة الروح نحو الله، وحركة العقل نحو الاستنارة بنوره، والتفكير السديد، وحركة النفس بالحب نحو الآخرين، وحركة الجسد إذ يسعى الإنسان فى الأرض. أما “الوجود” (Existence)، فمعناه أن الإنسان له خصوصية الاتصال بالإلهيات، وقد قال عنه سليمان الحكيم: “جعل الله الأبدية فى قلب الإنسان، التى بدونها لا يدرك الإنسان العمل الذى يعمله الله، من البداية إلى النهاية” (جا 11:3)، بمعنى أن الإنسان المؤمن، يعرف معنى وجوده، ويدرك عمل الله فى الكون، ويفهم أن “العالمين أتقنت بكلمة الله” (عب 3:11)، وأن الله سلط لإنسان على الأرض وما فيها، وأنه صنيعة يد الله العظيم، ومن هنا يدرك سر وجوده، كتاج لخليقة الله على الأرض، جاء ليصنع مشيئة الله، ويمجد اسمه، وبعد أن تنتهى رحلته بسلام يرجع الإنسان إلى خالقه الخالد، ليقضى الأبدية السعيدة.

الإنسان المؤمن يرفض المذاهب الملحدة الوجودية، والتى تقول أن “هذا الوجود لا طائل منه” (سارتر) أو “أن هذه الحياة تستحق الانتحار، ولكنى لا أفضل ذلك” (ألبير كامى). كما يرفض مذهب “العبث” لدى صامويل بيكيت الذى كان يقول: “أن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم، ويمضى إلى ظلمة الأرض، لينتهى فى ظلمة القبر”، وذلك لأنه لم يستنر بنور الإيمان، فيعرف أن الله هو النور “وساكن فى نور لا يدنى منه” (1تى 16:6)، وأن مصير الإنسان، بعد أن يترك كثافة الجسد وعالم الخطيئة، أن يدخل إلى أنوار الأبدية السعيدة.

2- عطية الرعاية الإلهية :

يقول إلهنا العظيم للإنسان المحدود البسيط :

– “لاتخف لأنى معك” (تك 24:26).

– “فى العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 33:16).

– “عينى عليك من أول السنة إلى آخرها” (تث 12:11).

لذلك يهتف الإنسان المؤمن :

– “إن كان الله معنا، فمن علينا؟” (رو 31:8).

– “إن سرت فى وادى ظل الموت، لا أخاف شراً لأنك انت معى” (مز 4:23).

الإنسان المؤمن يعرف أنه فى عالم يسود فيه الظلم والسحق والعدوان، ويوسوس فيه الشيطان للبشر ليرتكبوا المعاصى، ويدوسوا الحقوق، ولكنه يعرف أيضاً أن إلهنا العظيم بار وعادل، يرفض الظلم ويعاقب عليه، فهو الذى قال لليهود قديماً، ولاشك أنه مازال يقول لهم حتى الآن: “ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلى الشر، أولاد مفسدين. تركوا الرب، واستهانوا بقدوس إسرائيل… كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم… حينما تأتون لتظهروا أمامى، من طلب هذا من أيديكم؟ تدوسوا دورى… أيديكم ملآنة دماً، اغتسلوا، تنقوا، كفوا عن فعل الشر، تعلموا فعل الخير، اطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة” (أش 1).

إن الدين ليس أفيوناً للشعوب، كما أدعى الماركسيون، بل هو إكسير الحياة، وصلابة الإيمان، وهو الدرع الواقى للإنسان، فى مواجهة ظلم أخيه الإنسان.

وتعاليم الدين دائماً فى اتجاه نشر الخير بين البشر، ونشر المحبة والسلام، وإعطاء الحقوق لأصحابها.

(يتبع)

مشاركة المقال