عيد الصعود – الأنبا مكاريوس
عيد الصعود
“44وَقَالَ لَهُمْ:«هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». 45حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. 46وَقَالَ لَهُمْ:«هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، 47وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. 48وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذلِكَ. 49وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي».50وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. 51وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ.
52فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، 53وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ. آمِينَ. (لو 24: 44-53)
عيد الصعود ليس اكبر الاعياد السيدية ولكنه آخر حدث في أيام تجسد الرب، وكذلك آخر ظهور للرب بعد قيامته، الاعياد السيدية الكبرى (اابشارة والميلاد والغطاس والشعانين والقيامة والصعود والعنصرة)، والصغرى (الختان وقانا الجليل، ودخول المسيح الهيكل، وخميس العهد، وأحد توما، ودخول المسيح مصر، والتجلي).
لذا يعتبر هذا العيد من الأعياد القديمة في الكنيسة المسيحية اذ كان يحتفل به في القرن الرابع اذ ورد على لائحة الأعياد التي كان يحتفل بها في هذا القرن .قبل ذلك كانوا يعيدونه في يوم العنصرة او في يوم بين الفصح والعنصرة . ترك القديس يوحنا الذهبي الفم لنا عظة جميلة حول هذا العيد ويعتبر هذا العيد قديما جدا وذكره ايضا القديس اثناسيوس الكبير وغريغوريوس النيصصي .وكذلك ذكره المغبوط اوغسطين في عظاته
مهد السيد المسيح للتلاميذ لصعود بالجسد ومفارقتهم، وذلك خلال أحاديث طويلة استغرقت أربعة اصحاحات (يوحنا 13-16) فيما سمي اصطلاحا بـ “الاحاديث الوداعية” ثم اختتم تلك الاحاديث بالصلاة الوداعية (يوحنا 17). في هذه الاصحاحات نبه الرب التلاميذ الى ضرورة مفارقتهم لكي يرسل لهم الروح القدس المعزي، والذي سيكمل معهم فيعلمهم ويرشدهم، وانه لن يتركهم يتامى، وكان لهذه الاحاديث تأثيرها الواضح، فعندما صعد رجعوا الى اورشليم فرحين “فسجدوا له ورجعوا الى اورشليم بفرح عظيم” (لو 24 : 52)
قبل أن يصعد المسيح الي السماء، ثبت حقيقة قيامته علي أسس أكيدة لا يمكن أن تتزعزع، علي أن السيد لم يظل أربعين يوما لكي ما يثبت فقط حقيقة قيامته، إنما أيضا لتعزية تلاميذه، فالمسيح قد مسح الدموع التي كان تلاميذه قد ذرفوها بسبب موته، حتي أننا لا نقرأ عن التلاميذ أنهم بعد صعود السيد حزنوا أو ذرفوا الدموع، إذ كان من الخير لهم أن ينطلق لكي ما يرسل لهم المعزي بل ان السيد انتظر معهم وقتا كافيا لكي يعطيهم التعليمات اللازمة، ويعرفهم كيف يتصرفوا، وكان كانه يعدهم لمعركة قادمة.
وهكذا فإن راعي الخراف العظيم لم يستطيع أن يرجع الي راحته إلا بعد أن أعد أولئك – الذين أعطاهم الآب إياه – لمستقبلهم الأبدي . لقد مرت تلك الأربعين يوما بسرعة، وكانت أياما فريدة اختلفت كل الاختلاف عن أيام حياته الأولي علي الأرض، ففيها لم يجسر أحد أن يضايقه فالكتبة والفريسيون لم يقفوا ضده ، واليهود الأشرار لم يحملوا الحجارة محاولين رجمه
وجاء صعود الرب مشكّلاً الحدث الأخير لحياة المسيح على الأرض، والظهور الأخير للسيد القائم من بين الأموات، و به تنتهي مسيرة المسيح الجسدية على الأرض وتبدأ بعدها مسيرة أخرى للتلاميذ، متابعين ما بدأه السيد لتأسيس الكنيسة، وكأنه حلقة الوصل بين عمل السيد الخلاصي وبين بشارة التلاميذ للعالم.
فرح هذا العيد ليس فقط لتمجيد السيد الصاعد بل أيضاً لتحقق خلاص البشرية، لأن المسيح صعد إلى السماء حاملاً الطبيعة البشرية وأجلسها عن يمين مجد الآب. وهكذا وكما بقيامته من بين الأموات أصبح بكر القائمين أيضاً بصعوده أصبح بجسده بكر الطبيعة البشرية التي جلست عن يمين الآب.“
ولكن لماذا الصعود ولماذا هو عيد سيدي:
1- يعود من حيث أتى:
الصعود أكد أن الذي تألم وقبر وقام هو الله، لأنه يعود من حيث أتى، وإلى ذلك أشار الرب يسوع خلال حديثه مع نيقوديموس: “وليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء” (يو 3 : 13). وفي هذا رد على الذين شكوا في إرساليته من الآب “خرجت من عند الاب وقد اتيت الى العالم وايضا اترك العالم واذهب الى الاب” (يو 16 : 28) وها هو يتمم عمله ليعود الى الاب: “انا مجدتك على الارض العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته” (يو 17 : 4). ومن ثمّ يعود الى مجده، وعندما صرح “ابي اعظم مني” (يو 14 : 28) اذ كان الاب في مجده بينما الابن في ضعف بشريته وصورة الهوان، لذلك وعندما اقترب موعد صعوده قال في صلاته الوداعية: “والان مجدني انت ايها الاب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم” (يو 17: 5).
2- الصعود والجسد البشري:
لم يشأ الرب يسوع أن يترك جسده في الارض، فصعد به ليكرم البشرية جمعاء فيه، كما ان صعود الرب كان باكورة البشرية التي سبق المسيح فاصعدها ونصلي في القداس الغريغوري: أصعدت باكورتي إلى السماء” ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: «أساس كل الخيرات هو هذا اليوم الذي نحتفل به (عيد الصعود) لأن فيه صعدت باكورة طبيعتنا الإنسانيّة إلى الله. مثلما يحدث في الحقول المنثورة بالقمح، عندما يأخذ الإنسان قليلًا من السنابل ويصنع حزمة ويقدمها لله، فهو يبارك بهذه الحزمة كل الحقل. وهذا ما صنعه المسيح. بهذا الجسد وهذه التقدمة الفريدة. إذ بارك كل الجنس البشريّ». فأي مجد نال الطبيعة البشرية الترابية فالجسد الماخوذ منها تمجد بالمجد الإلهي. مع أن السيد المسيح أزلي مع الآب إلاَّ أن صعوده كان لأجلنا، ليقدمنا للآب، هكذا يقول القديس بولس: «…لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا» (عبرانيين9 :24). وان كان قد أكرم جسد امه العذراء فلم يتركه على الارض فكم بالاحرى جسده هو.
ليس تكريم للجسد فقط بل للمادة أيضا والتي اعتبرها بعض الهراطقة نجسة مثل ماني فحرم الزواج واكل اللحم وشرب الخمر، فعلمنا السيد المسيح ان المشكلة ليست في المادة وانما في سوء استخدامها، بل في العهد الجديد لم تعد حتى عظام الاموات نجسة بل صرنا نتبارك بها ونسارع لاقتناء اقل جزء منها. هذا ما جعل أريوس يعتقد أن الله لا يمكنه الاتصال بالمادة وبالتالي فقد خلق المسيح ليخلق به العالم.
3- جسده هو:
اثبت صعود المسيح ان الجسد الذي صعد به، هو جسده الخاص، وليس جسدا مستعارا لاتمام المهمة، كما ادعى المبتدعون مثل نسطور، وأكد أنه ليس ملاكاً ولا نبياً بل هو الله ذاته الذى هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمه قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى ( عب 1 : 3 ).
وتقول الكنيسة انه “اتخذ جسدا= آف إتشي ساركس”، فلم يولد يسوع الناصري انسانا عاديا، ثم حل عليه الروح القدس في الأردن ليتمم المهمة الخلاصية، ومن ثم فارقه من جديد عند الصلب، أو أن اللاهوت إتحد لاحقا بالناسوت اتحاد المصاحبة، بل حدث الاتحاد الاقنومي في بطن العذراء في زمن مدته صفر. ومن هنا صعد معه جسده، لأنه كان معهم وأكل قدامهم ولمسوه وباركهم، وأكد لهم أنه ليس شبح لان الروح لا عظم ولا لحم له كما يرون: “انظروا يدي ورجلي اني انا هو جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” (لو 24 : 39).
ودعا نفسه إبن الإنسان ليؤكد حقيقة انه بالرغم من ألوهيته إلا أنه أخذ جسد تواضعنا من السيدة العذراء جسد بشرى كامل وليس جسد هيولى لذلك دعا نفسه بإبن الإنسان بحسب الجسد لكنه هو إبن الله بحسب الطبيعة الإلهية فلما أخذ جسدنا وصار بيننا أكد أنه هو هو الله ولكنه ظهر فى الجسد وقد أكد أنه من فوق بقوله “أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق أنتم من هذا العالم أما انا فلست من هذا العالم” (يو23:8).
4- سابق لأجلنا:
يقول القديس بولس عن صعود المسيح “حيث دخل يسوع كسابق لاجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة الى الابد” (عب 6 : 20) وهو يشير الى رئيس الكهنة الذي كان يدخل الاقداس مرة في السنة يقدم ذبيحة عن نفسه اولا ثم عن الشعب، حيث قدس الاقداس ممنوعا على الشعب العادي، ولكن السيد المسيح شق الحجاب ليمهد لنا الطريق الى الاقداس، ودخل كسابق لاجلنا أي ليمهد الطريق لنا، وهو نفس التعبير الذي لقبت به الكنيسة القديس يوحنا المعمدان اذ مهد الطريق للمسيح، كصديق الملك، ولكن المسيح هنا يمهد الطريق لنا، ويعد المكان ليأتي ويأخذنا اليه، لنحيا معه في مجده “ايها الاب اريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم” (يو 17: 24).
5- مرساة:
عندما دخل المسيح الى الأقداس، عمل كمرساة في الحياة الابدية لسفينتنا التي ما تزال في العالم، حيث المرسى النهائي وموضع راحتنا الذي نتوق اليه، أو الراحة التامة والنهائية، ليس كالراحة التي سعى اليها بني اسرائيل وقادهم يشوع إليها، عن ذلك قال القديس بولس: “لانه لو كان يشوع قد اراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم اخر”… فلنجتهد ان ندخل تلك الراحة …” (عب 4 : 8-11).
والمرساة هي الاداة التي تثبت بها السفينة في الأرض، فبالرغم أن السفينة ما تزل في المياة فانها تصبح آمنة طالما ضربت المرساة في اليابسة، ومن هنا اطلق على المرساة “الهلب” أي الرجاء وصارت علامة الهلب او الخطاف هي شكل المرساة، بل رمز الخلاص والنجاة، وتستخدم كررمز مسيحي منذ البداية، هكذا السيد المسيح عمل لنا كمرساة في الابدية، حتى وأن كنا ما نزال نحيا على الارض، فنحن مطمئنون إلى ان سفينتنا آمنة. “االذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة تدخل الى ما داخل الحجاب” (عب 6: 19).
6- وجلس عن يمين أبيه:
وجلس عن يمين أبيه تتميماً لقوله على فم داود النبى قائلاً: “قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك” ( مز 110 : 1) وفى موضع أخر رد الرب يسوع على رئيس الكهنة قائلاً: (من الأن تنظرون ابن الإنسان جالساً عن يمين عرش الله” (عب2:12) وكلمة عن يمين الله لا يقصد بها أن الله محدود أو جغرافية مكان، حاشا لله أن يكون محدوداً بحدود فهو مالىء كل مكان ولا يحويه مكان، ولكن كلمة يمين القوة والعظمة والمقام الملكى السماوى. مثلما يقال عن شخص أنه الذراع اليمين لفلان. أو مثلما نقول يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتني.
وقد رآه استفانوس رئيس الشمامسة واول الشهداء ابن الانسان “واما هو فشخص الى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فراى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله فقال ها انا انظر السماوات مفتوحة وابن الانسان قائما عن يمين الله” (أعمال 7: 55، 56). وكيف يمكن لهذا الجسد الذي اتحد باللاهوت أن يترك في الارض.
7- في بيت ابي منازل كثيرة:
الصورة المألوفة لليهود آنذاك، هي البيوت التي ينزل فيها الحجاج الوافدين الى أورشليم ليعيدوا الفصح، وفي الهيكل اقيمت الكثير من المساكن متفاوتة الفخامة والاسعار، والخيمة هي ظل الهيكل والهيكل هو ظل الكنيسة، والكنيسة هي شبه او ظل السماويات، والكنيسة هي المحطة الاخيرة قبل الابدية، حتى الذين يموتون بالجسد ُيشيعون من الكنيسة كآخر محطة لهم في الحياة بالجسد لينتقلوا بالتالي إلى حياة افضل.
وبالتالي ففكرة المنازل الكثيرة المتعددة الدرجات، توحي بما قاله القديس بولس من انه نجم يمتاز عن نجم في المجد: ” مجد الشمس شيء و مجد القمر اخر ومجد النجوم اخر لان نجما يمتاز عن نجم في المجد” (1كو 15 : 41) فليس من المنطقي أن تكون درجة القديس بولس أو الانبا انطونيوس او البابا اثناسيوس، مثل درجة مجاهد بسيط، عندنا السيدة العذراء أول البشر في الكرامة عند الله، ثم الملائكة، ثم الآباء الرسل ثم الشهداء والمعترفون والقديسون ولباس الصليب والنساك، وغيرهم.. الخ.
8- البستان:
سقط آدم في بستان (جنة عدن) وافتدي في بستان (جسيماني قدم صلاته قبل القبض عليه معلنا تقديم مشيئته للاب، وكذلك دفن في البستان)، واليوم يصعد أيضا من بستان (جبل الزيتون).
وفي البستان التقى ادم الاول وادم الثاني، ادم الذي مات فيه الجميع، وادم الذي يحيا فيه الجميع، وجاء في بعض التقاليد أن عظام أدم كانت مدفونة في البستان الذي صلب فيه المسيح، “هكذا مكتوب ايضا صار ادم الانسان الاول نفسا حية وادم الاخير روحا محييا” (كو 15 : 45) “لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع (1كو 15 : 22).
وكان صعوده من قمة جبل الزيتون الذى كان فى مواجهة الباب الشرقى لأورشليم وحالياً يوجد على هذا الجبل كنيسة باسم الصعود.
9- اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس:
منذ لحظة الصعود وأنظارنا متعلقة بالسماء حيث المسيح جالس “فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله” (كو 3: 1) حيث يوجد المسيح الذي تعلقنا به، نشتاق أننا سنوجد في معيته، سيفرح بنا مثلما نفرح به “و انا ان ارتفعت عن الارض اجذب الي الجميع (يو 12 : 32).
انه الامر يشبه الزوج الذي سافر الى امريكا ليعد لزوجته مكانا، وهو يتابعها وهي في بلدها، ويحاول تذليل العقبات التي تواجهها حتى تأتي لتحيا معه. وهكذا سيكون العرس السمائي، لقد ظفر المسيح بالشيطان ومملكة الموت والظلمة، واقتني كنيسته التي خرجت من جنبه، وتعهدها بعد قيامته، وصعد ليعد للعرس السمائي، قال عن ذلك يوحنا الحبيب: “وانا يوحنا رايت المدينة المقدسة اورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهياة كعروس مزينة لرجلها” (رؤ 21 : 2) كما تحدث عن عشاء الحمل “وقال لي اكتب طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي اقوال الله الصادقة (رؤ 19 : 9).
10- الفرق بين صعود المسيح وصعود البعض:
بعض من الأنبياء صعدوا كما لو إلى السماء مثل إيليا وأخنوخ، والقديس بولس الرسول تحدث عن صعوده إلى السماء الثالثة، ولكن رب المجد يسوع المسيح صعد إلى السماء عينها بقوة لاهوته الذى لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولاطرفـة عين من بعد الأتحاد0 وقد ظن البعض أن صعود رب المجد يسوع المسيح إلى السماء من وحى الخيال ولكن أيوب الصديق أعلن بروح النبوة تصديقاً لصعود الرب صعود حقيقى وهو يتنبأ عن سر الثالوث القدوس قائلاً [من صعد إلى السموات ونزل ؟ من جمع الرياح فى حفنتيه؟ من صر الماء فى ثوب؟ من ثبت جميع أطراف الأرض؟ وما إسمه ؟ وما إسم إبنه إن عرفت ] (ام4:30). فصعد الرب إلى السماء موطنه الأصلى مؤكداً الإشارات والنبوات التى تمت فيه
11- إعلان مجيئه:
كان السيد المسيح بصعوده يعلن إنه سيأتى كما صعد، ، لذلك إنتظار مجئ المسيح هو عقيدة نحياها كل يوم وكل ساعة: “وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين”. نعلن انتظارنا لمجيئه الثانى بثقة. بل تحولت تلك العقيدة إلى تحية مسيحية: “الرب آت = ماران أتا”، مثلما تتحول عقيدة القيامة الى تحية مسيحية تلقائية “اخرستوس آنستي أليثوس انستي” واصبحت الكنيسة تحيا هذه المشاعر وترجو مجيئه بين لحظة واخرى، لذلك باع البعض ممتلكاتهم منتظرين مجيئه، ولكن الرب اشار أكثر من مرة إلى ان مجيئه ليس وشيكاً، ويظهر ذلك من خلال مثلي العذارى والوزنات: (نعسن جميعهن ونمن، وبعد زمان طويل أتى سيد اولئك العبيد).
وأصبحت أنظار المؤمنين به متعلقة بالسماء تترقب وصوله بين لحظة وأخرى، على السحاب كما اختفى في السحاب أيضا، وصارت الكنيسة تبشر بمجيئه، وتحفز المؤمنين على الاستعداد لذلك.
لذلك الكنيسة فى صلواتها وكافة طقوسها تتجه إلى ناحية الشرق تجاه مكان صعود الرب ومجيئه الثانى مؤكداً ذلك ما قاله الملاكان للتلاميذ [أيها الرجال الجليليون مابالكم واقفين تنظرون إلى السماء أن يسوع هذا الذى أرتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء] (اع11:1).
وهكذا يرافق حادثة الصعود أجواء الفرح والتمجيد للانتصار الذي تم. المسيح أنهى عمله الخلاصي منتصراً على الموت وهو يصعد من الأرض إلى السماء كمنتصر وغالب، أما التلاميذ فيمجّدون المخلّص المنتصر والآب يستقبله مع الملائكة.
عيد الصعود هو سر كبير تعيشه الكنيسة ليس فقط في يوم الاحتفال بالعيد بل بكل لحظة يتوجه فيه المؤمن في صلاته نحو المخلص الذي صعد إلى السماء وجلس عن يمين عرش مجد الآب
إن صعود الرب هو ميراث الفرح الذي تركه لنا صعود المسيح: فصعوده إعداد لصعودنا: «وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يوحنا14 :3)
#انبا_مكاريوس