القيامة تعطى الحياة قيمة ورسالة
أولاً: القيامة تعطى الحياة قيمة :
فما قيمة حياتنا الدنيا دون خلودنا الأبدى؟!
تعالوا نتأملها معًا لندرك شقاءها، منذ حلت عليها لعنة الخطيئة الأولى: ملعونة الأرض.. “بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ.. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ.. وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا.. حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ.. الَّتِى أُخِذْتَ مِنْهَا.. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تك 17:3-19).
ونفس هذا التعب، كان حكم الله على حواء: “تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ..بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا..وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ.. وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ” (تك 16:3). فما قيمة أرض التعب هذه؟!
1- الجسد : يشقى بالمرض، والسـنين، والكوارث الطبيعية كالزلازل، والبراكين، والسيول، والمجاعات، والحروب والأوبئة..
2- والنفس : تشقى بالهموم والقلق والإضطرابات النفسية، والصراعات الكامنة والظاهرة، والغيرة، والتحزب، والأنانية.
3- والذهن : يشقى بالجهاد والدراسة والتحليل، والفشل، والقصور، والرغبة فى معرفة لا تنتهى وبلا حدود.. وكما قال إينشتاين: “كلما إزددت علمًا، إزددت إحساسًا بالجهالة”.
4- والروح : تشقى بالخطيئة والدنس، والإنفصال عن الله، وغياب الحكمة السمائية، والرؤى الإلهية..
لكن.. شكرًا لله من أجل عقيدة القيامة، لأنه بمقتضاها:
– الجسد : يقوم جسدًا روحانيًا، نورانيًا، سمائيًا، خالدًا لا يعتريه المرض، ولا تطاوله الخطيئة، ولا يخضع للموت.
– النفس : تهدأ بين يدى الله، فى عالم لا تتسلل إليه التجارب والقلق والهموم، عالم هرب منه الحزن والكآبة والتنهد، فى نور القديسين، وفوق الكل، فى شركة مع الله وملائكته وأهل بيته.
– الروح : تقوم طاهرة بلا فساد، لتدخل إلى فرح الملكوت وتتمتع بأمجاد القيامة، والجلوس فى عرش الله، والتقدم نحو معرفة أعمق بشخصه المحب، وروحه القدوس.
القيامة – إذن – تعطى الطبيعة البشرية قيمة خاصة وإلا صارت مشابهة للحيوانات التى تنتهى قيامتها بموتها ونفسها فى دمها، ولا أبدية لها.
ثانياً: القيامة تعطى الحياة رسالة :
فنحن هنا لرسالة محددة، لولاها ما كان للحياة معنى.. وهذا ما نتعلمه فى معلمنا بولس الرسول، حين يقول: “وَلَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِى الْجَسَدِ..هِى لِى ثَمَرُ عَمَلِى، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِى!. فَإِنِّى مَحْصُورٌ مِنْ الاِثْنَيْنِ: لِى اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا. وَلَكِنْ أَنْ أَبْقَى فِى الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ. فَإِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِهَذَا أَعْلَمُ أَنِّى أَمْكُثُ وَأَبْقَى مَعَ جَمِيعِكُمْ لأَجْلِ تَقَدُّمِكُمْ وَفَرَحِكُمْ فِى الإِيمَانِ” (فى 22:1-25).
هو – إذن – موجود على هذه الأرض لرسالة، وهذه الرسالة هى الخدمة، والكرازة بالملكوت، ورعاية أولاده روحيًا، حتى يصلوا إلى الرب، ويثبتوا فيه، ويخلصوا به ومن هنا ندرك رسالة وجودنا فى هذه الأرض.. إنها ليست الأرض، ولا المادة، ولا المناصب، ولا الحياة الطبيعية التى لكل البشر كالزواج والتناسل..
إن وجودنا هنا لهدف جوهرى هو: “الخدمة والكرازة بالمسيح”.. ليتعرف الكل عليه، ويخلصوا بدمه.. وفى هذا يقول معلمنا بولس الرسول لتلاميذه: “الآنَ نَعِيشُ..إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِى الرَّبِّ” (1تس 8:3).
بمعنى أن هدف حياته الوحيد هو أن يثبت أولاده فى الرب، وإلا فلماذا يعيش إذن؟!
لهذا عاش آباؤنا غرباء عن الأرض، وإتخذوا مبدأ “الإنحلال عن الكل، للارتباط بالواحد” وكان شعارهم: “مَنْ لِى فِى السَّمَاءِ؟.. وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِى الأَرْضِ” (مز 25:73).
وهكذا إستحقوا أن يعيشوا الملكوت وهم فى هذه الأرض، ويتذوقوا الخلود قبل أن يصلوا إلى الشاطئ الأخر، ويحيوا فى السمويات، بينما أجسادهم تدب على هذا التراب الفانى.
حقًا.. ما أعجب عقيدة القيامة! وما أهمها لحياتنا الأرضية..وحياتنا الأبدية!!
فليتمجد مسيحنا الحى، القائم من الأموات، والذى سوف يقيمنا معه، ويجلسنا معه فى السموات، كل عام وجميعكم بخير.
بقلم نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى