تقدمة الحمل

الرئيسية / تقدمة الحمل

القداس الإلهى أود صديقى المحبوب أن أنبه ذهنك إلى ملاحظة قد تفوت علينا دون  أن ندرك قوتها.. وهى.. ملاحظة  وجوه العابدين حين خروجهم من الكنيسة بعد القداس..لو أنك أمعنت النظر فى وجوه الناس ستجد البشر والفرح يملأ عيونهم..إن السر فى ذلك هو بهجة حضور المسيح فى القداس “َلَكِنِّى سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ” (يو 22:16).

حتى وإن كان البعض لا يفهم مقاطع القداس اللاهوتية، وكذلك المعانى الطقسية.. وقد يظن آخرون أن تلاوة بعض الألحان باللغة القبطية يجعل  المتابعة غير سهلة والإدراك غير كامل للمعنى.. ومع ذلك فالفرحة تملأ  قلب الجميع بسبب حضور المسيح حسب وعده الصادق.

فكم بالحرى حينما ندرك بعض  المعانى الطقسية واللاهوتية فى طقس القداس المبدع. بلاشك ستزيد فرحتنا، وستنير حياتنا بقوة القصد الإلهى فى ترتيب القداس.

تعال معى نبحر فى خضم هذا البحر الجليل.. لعلنا نصطاد لآلئ كثيرة الثمن، تضاف إلى كنزنا الروحى؟ فنصير أغنياء حتى نعطى آخرين أيضاً.

1- ماذا عن طقس المزامير (الأجبية)

الكنيسة تعلمنا الالتزام بالأجبية تحت أى ظرف.. فإذا كان وقت القداس سيقع فى الساعات التى نصلى فيها بالأجبية.. ولئلا يظن أن القداس بديل للمزامير؛ فالكنيسة تسبق وتصلى مزامير السواعى التى يقع فيها القداس.. ومن هنا جاء نظام الصلوات ففى أيام الصوم حيث يجب أن ينتهى القداس فى ساعة متأخرة من النهار؛ حتى نستطيع أن نصوم صوماً انقطاعياً.. فى هذه الأيام تصلى الكنيسة مزامير السواعى الثالثه والسادسة والتاسعة.

أما فى غير أيام الصوم الانقطاعى حيث سينتهى القداس مبكراً فنكتفى بصلوات الثالثة والسادسة فقط وفى  الصوم الكبير على وجه الخصوص تضاف أيضاً صلوات الغروب والنوم  قبل القداس.

ويجب أن يكون قربان الحمل موجوداً بالكنيسة أثناء صلوات المزامير.. لأننا نعتبرها جزءاً من صلوات تقديس القربان.

ويشترك كل المؤمنين فى الكنيسة فى تلاوة مزامير الصلاة الواحدة.. برهان أننا جميعاً جسد واحد.. فما تصليه أنت بمفردك فى البيت (12 مزمور) أو تصليه الجماعة المقدسة معاً (12 مزمور أيضاً) لأننا جميعاً صرنا واحداً فى المسيح.

2- ماذا عن طقس تقدمة الحمل ؟

كلمة حمل معناها خروف صغير.. ونحن نسمى الخبز حملاً.. لأن المسيح (خبز الحياة) “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ.. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِى نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ” 

(يو 41،35:6).. والمسيح أيضاً هو “حَمَلُ اللَّهِ الَّذِى يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ” (يو 29:1)، فالخبز هو الحمل، هو المسيح.

ووجود عدد كبير من قربان الحمل فى الطبق رمز إلى تجسد المسيح بين البشر.. فهو فى وسطهم ولكنه “حَبِيبِى أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ. مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ” (نش 10:5) أى أنه متميز جداً بين البشر.. لذلك فأبونا يختار أحسن القربان المقدمه أمامه ليكون جسداً للمسيح..

أما من جهة العدد؛ فيشترط أن يكون عدد القربان فردياً.. لأن المسيح أرسل تلاميذه للخدمة “اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ” (لو 1:10)، وهو فى وسطهم فيصير العدد فردياً إمَّا 3،5 أو 7… الخ العدد الزوجى يرمز لتلاميذ المسيح والقربان الفردية رمز للمسيح نفسه.

3- شكل القربانة ومعناها

عندما يختار أبونا قربانة للذبيحة  يراعى أن تكون مستديرة (رمز للأبدية التى ليس لها بداية ولا نهاية)، وأنها بلا عيب من جهة الخبيز (لأن المسيح حمل بلا عيب) ولا يوجد فيها تشققات (لأن جسد المسيح أصبح هو الكنيسة الذى بدون انقسامات).

ويكون الختم واضحاً فى الوسط وهو يتكون من صليب كبير فى الوسط (الاسباديكون) يرمز إلى المسيح فى وسط الكنيسة اثنى عشر صليباً حول الاسباديكون. ترمز إلى الاثنى عشر رسولاً محيطين بالمسيح ويخدمونه.

باقى القربانة : ترمز إلى جمهور جماعة القديسين المعمدين باسم الثالوث والذين صاروا بسبب المعمودية أعضاء فى جسد المسيح الواحد.. يربطهم به فى المركز سر الكهنوت المقدس (الأثنى عشر صليباً).

كل مؤمن فى الكنيسة مرموز إليه بحبة حنطة نبتت من أجلنا الذى هو ربنا يسوع المسيح (بالمعمودية).. ويجمعون الحنطة فى جرن واحد (الكنيسة).. ثم تطحن الحنطة بالآم العمل الروحى سواء الاضطهاد أو النسك أو تعب الخدمة ثم يعجن الدقيق بالماء (رمز المعمودية والروح القدس) يضاف إليها الخميرة (رمز للخطية لأننا غير معصومين من الخطأ.. وكـذلك لأن

المسيــح حمــلخطايانا) ثم تدخل فى النـار (رمـز لآلام صليب المسيح التـى أماتت الخطية فى الجسد) وتقدم  القربانة على المذبح وكأن الكنيسة  تقدم ذاتها ذبيحة حب فى المسيح  ويحل فى القربانة ويتحقق حقاً المعنى اللاهوتى الرائع أن الكنيسة هى

جسد المسيح.

هذا دون أن تتحول الكنيسة إلى إله يعبد.. ودون أن يفقد المسيح لاهوته فنحن جسده من لحمه ومن عظامه ولكن يظل المسيح هو الله المعبود وتظل الكنيسة هى الجسد العابد.

كمثلما يحدث فى سر الزيجة المقدسة حيث تتحد العروس بالعريس ويصير الاثنان جسداً واحداً ومع ذلك يظل الرجل رجلاً، والمرأة امرأة.

4- هل الصينية رمز للمزود أم للقبر ؟

هذا السـؤال معناه سؤال آخر هل القربانة التى فى الصينية هى جسد المسيح فى حالة ولادته من  العذراء (يسوع الطفل)، أم جسد يسوع الممزق على الصليب، أم جسد يسوع القائم من الأموات.

إن نص الاعتراف الذى يقوله الكاهن فــى القداس يجيـب لنا على هــذا السؤال:

هذا هو الجسد المحيى (قائم ومحى) الذى أخذه ابنك الوحيد.. من سيدتنا.. القديسة مريم (المولود من العذراء) وسلّمه عنا على خشبة الصليب المقدسة (المصلوب).

فربنا يسوع لا يمكن تجزئته.. بل هو حاضر على المذبح بكل حياته.. لذلك فالقداس هو تذكار المسيح “اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِى” (لو 19:22، 1كو 24:11).. تذكاره فى كل مراحل حياته معاً (ففيما نحن أيضاً نصنع ذكرى آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمينك أيها الآب. وظهوره الثانى الآتى من السموات المخوف المملوء ممجداً). 

لاحظ هنا أننا أيضاً نصنع ذكرى مجيئه الثانى.. بمعنى أن المسيح يحضر معنا على المذبح حاملاً كل حياته بما فيها مجيئه الثانى للدينونة.

لـذلك فالصينيـة هى المـذود وهـى الصليب وهى القبر وهى العرش الإلهى وهــى السحـاب المقدس الذى سيجىء عليه المسيح إلهنا.. واللفائف التى حول القربانة هى  الأقماط المقدسة التى لفت الطفل يسوع وهى أيضاً الأكفان المقدسة التى كفنوا بها الجسد المقدس.

5- لماذا نسمى الخبز قرباناً ؟

كلمة قربانة معناها تقدمة أو عطية.. فكل ما تقدمه للكنيسة من عطايا هو قرابين مقدسة (الخمر والزيت والبخور والعشور والكتب والأوانى والشموع والأموال والعطايا العينية بأنواعها).

والطقس القبطى مازال يحتفظ بتقليد كنسى قديم، أن ينادى الشماس ثلاث دفعات فيها الشعب أن يقدموا قرابينهم قائلاً: “قدموا، قدموا على هذا الرسم…” أى بالرسم الذى سلمته الكنيسة منذ العصر الرسولى.

وذبيحة الافخارستيا فى جوهرها هى عمل حب، حيث قدم المسيح نفسه عنا لله أبيه ونحن إذ نتحد به فى المعمودية، نصير جسده، يليق بنا أن نقدم لا أموالنا ولا خبزنا بل نفوسنا بالكمال تقدمه

مقدسة للمسيح “فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً  حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ” (رو 1:12).

تقدمة القرابين تحمل إعلان الكنيسة قبولها صليب عريسها قبولاً عملياً.. فنحن نقدم قلوبنا فى الصينية، وحياتنا فى الكأس، نشاركه آلامه مذبحة… ونشرب معه الكأس ونصطبغ معه بصبغة.

أسمع ما قاله القديس أغناطيوس الأسقف الشهيد قبيل استشهاده: “أطلب إليكم ألا تظهروا لى عطفاً فى بخير أوانه، بل اسمحوا لى أن أكون طعاماً للوحوش الضارية، التى بواسطتها يوهب لى البلوغ إلى الله إلى خبز الله“.

أتركونى أطحن بأنياب الوحوش: “توسلوا إلى المسيح من أجلى حتى أعود بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله”.

فجوهر ذبيحتنا ليس أموالنا ولا ممتلكاتنا بل نفوسنـا وحياتنـــا وتربيتنـــا وقلوبنـــا النقيـــة.. لذلك لا تقبل الكنيسة قرابين الهراطقة  ولا الأشرار وغد المؤمنين.. حتى  يتوبوا عن طريقهم الرديئة حينئذ  يقبلون.

جيد لنا أن نحضر القداس بقلب واع، ونفس مستعدة، وذهن مستنير.. وبنيه صافيه خالية من النفس والخصام… حتى نتقابل مع المسيح ونتحد به.. ونصير به نور للعالم وملحاً للأرض.

مشاركة المقال