كيف أكون خادماً؟
المسيحية لم تبدأ بنا!! هناك تراث آبائى ضخم، ممن عايشوا آبائنا الرسل، ومن تلوهم فى التسلسل الرسولى المقدس!! هناك مئات المجلدات تشرح لنا أصول الحياة الروحية، والتعليم السليم، والخدمة الحية!!
لهذا فالخادم الأرثوذكسى
– يدرس سير الآباء، فنحن نتمسك بالذات بالآباء ذوى السيرة المقدسة والتعليم المستقيم، وذلك عملاً بقول الكتاب: “انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” (عب 7:13).
– ويدرس أقوال الآباء القديسين، فقد فسروا لنا غالبية أسفار الكتاب المقدس، وتحدثوا عن أدق تفاصيل الطريق الروحى ومحاربات الشياطين، والسلوك المسيحى.
– ويمزج كلماته دائماً بأقوال الآباء وروحهم، ليكتسب كلامه مذاقة الروح، ووحدة الجسد، واستمرارية التقليد المقدس.
وهنا ملاحظة هامة.. فرق بين أن أقرأ الآباء لأتعلم منهم فى خشوع.. وبين أن أقرأ الآباء لأقتبس كلمات أو عبارات مبتورة، أثبت بها تعليمى الخاص!! هذا استغلال للآباء لمصلحة الذات، وليس للاستفادة الروحية الكاملة.
إن أمامنا الكثير من كتابات الآباء باللغة العربية، ينبغى أن ننتفع بها، وهناك المزيد فى حاجة إلى ترجمة، ولكن العبرة ليست بالكمية، ولكن بالكيفية التى بها نقرأ الآباء.
ولنتأمل قليلاً فى هذه النقاط الثلاث، فالمعلم الأرثوذكسى :
أولاً: يدرس سير الآباء :
وصية الرب واضحة: “انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” (عب 7:13)، وهذا معناه أن دراسة سير القديسين وصية إنجيلية، والتقصير فيها يمس صميم الحياة الروحية للإنسان، وذلك من زوايا عديدة :
أ- قراءة سير القديسين حافز روحى ممتاز، فالإنسان حين يرى غيرتهم الروحية، وجهادهم اليومى، وسلوكياتهم المسيحية، وقدوتهم الحية، وفضائلهم المتنوعة، يمتص من هذا الحماس الروحى، ما يبنى حياته، ويحفزه للعمل الروحى، من صلاة إلى دراسة كتابية، إلى أمانة جهاد، إلى مطانيات، ونسكيات، وأصوام، وأسهار، وتنفيذ وصايا، واتضاع، ومحبة، وإخفاء تدابير… الخ. فلاشك أن الاقتراب من حرارة القديسين، يرفع حرارة الإنسان روحياً، والاقتراب من برودة أهل العالم، يصيب الإنسان ببرودة روحية قاتلة!!
? “اَلْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيماً وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ” (أم 20:13).
? “لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ” (1كو 33:15).
? “أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا،
وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِىٍّ”
(2تى 22:2).
إن عشرة القديسين الأحياء بالجسد مهمة ومؤثرة، وعشرة القديسين الأحياء بالروح أقوى بكثير، لأن سيرتهم انتهت بنجاح وظفر، ولأنهم أحياء الآن، يحسون بنا، ويرقبون جهادنا.
كم يحتاج المعلم الأرثوذكسى أن يتعرف على بقية “أَهْلِ بَيْتِ اللهِ” (أف 19:2) ويتعلم منهم، فتتحرك أشواقه الروحية، نحو الملكوت وخدمته!!
ب- كذلك فقراءة سير القديسين ترفع رصيد خبرتنا الروحية، فخبرتنا بلاشك بسيطة ومحدودة، لكن دراسة سير الآباء تضيف إلينا رصيد خبراتهم الروحية، فطريق الملكوت فيه مزالق كثيرة، ومنعطفات خطرة، وقد وصفه الرب بأنه “شاق”
و “كرب“… وهذا لا يعنى الكآبة أو الخوف من الفشل أوالهم… بالعكس… أنه يعنى الجهاد وغصب النفس، فى معونة إلهية جبارة… وسعادة بعشرة السيد المسيح.. وفرح بشركة القديسين… وتعلم يومى من سيرهم المقدسة!!
نحن نضيف إلى عمرنا أعماراً كاملة، حينما ندرس سير الآباء.. وإلى رصيد خبرتنا الروحية المتعثرة، نضيف خبراتهم الناجحة!!
ج- كما أن دراسة سير الآباء تبرز لنا فضائل متنوعة، فالرب لا يخلق من أبنائه نسخاً كربونية، بل هو يعطى كل نفس احتياجاتها الخاصة، ويسكب فيها مواهب وعطايا محددة، بحيث تختلف الفضائل والوزنات من شخص إلى شخص، ولكنها سرعان
ما تتكامل فى الجسد الواحد، بالروح الواحد!!
? هذا أثناسيوس العظيم، نموذج الصمود… وقف ضد العالم كله، لأنه آمن بقضيته، واستعد للنفى والاستشهاد من أجلها…
? وهذا أنطونيوس الجبار، نموذج التجرد… يبيع كل ماله ويعطيه للفقراء، واثقاً من
الكنز السمائى…
? وهذا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، نموذج الاتضاع… يجئ من مكان بعيد، ليتعلم الألفا فيتا التى للرهبان البسطاء…
? وهذا ديسقورس بطل الأرثوذكسية، نموذج حفظ الإيمان… المستعد أن يقف حياته دون أن يغير حرفاً مما تسلمه من الآباء.
? وهذا بيشوى الرجل الكامل، حبيب مخلصنا الصالح، نموذج الصلاة والحب، الذى غسل قدمى الرب…
وماذا نقول عن آلاف الآباء الذين سبقونا، والذين يجب أن نسير خلفهم “عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ” (نش 8:1).
د- كذلك تمنحنا دراسة سير الآباء شفعاءاً جدداً على الدوام ففى الآباء نجد “سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا”
(عب 1:12)، فهم (سحابة).
– بيضاء علامة النقاوة.
– متسامية علامة الارتفاع.
– قريبة علامة الحنو.
– ممطرة علامة الخير.
إن من يتصل بالآباء بحب، يعرف أنهم فى غاية القرب!! فهم وإن كانوا مرتفعين، إلا أنهم قريبين “شهود“.. أى أنهم يشاهدون جهادنا، ويتشفعون لأجلنا أمام الرب… ويصلون حتى نصل إليهم فى فردوسهم السعيد.. فى حضرة رب المجد، ومحفل الملائكة القديسين!!
ه- كذلك فالمعلم الأرثوذكسى يدرس سير الآباء لأنهم الأعضاء السمائية فى
جسد الرب… وهل يمكن أن نتصور انفصالاً بين الرأس والجسد؟! أو بين نصف الجسد ونصفه الآخر؟! مستحيل!! إنه إحساس بسيط وبديهى وطبيعى،
أن نشعر باتحاد كامل مع آبائنا القديسين، من خلال الجسد الواحد، ومن خلال الأفخارستيا المقدسة، والشركة المستمرة بيننا وبينهم.. إنهم “باقى أسرتنا“..
“أهل بيت الله“.. وهل يمكن أن ينقطع الإحساس بين عضو والجسد.. ويستمر هذا العضو فى الحياة؟! وهل يمكن
أن يتألم عضو، فلا تتألم معه سائر الأعضاء، أو يفرح عضو فلا تفرح معه باقى الأعضاء؟!
هذا إحساسنا حينما ندرس سيرهم، أو نتشفع بهم، أو ندخل فى شركة معهم.. وهذا هو إحساس يومى يعيشه المعلم الأرثوذكسى ببساطة وتلقائية، دون تكلف أو تصنع!!
ثانياً: يدرس أقوال الآباء
ويمزج كلامه بتعاليمهم :
المعلم الأرثوذكسى لا يشبع
بالأرثوذكسية الحقـة إلا مـن
خلال قراءة تعاليم وتفسيرات وأقوال الآباء!!
وهذا ليس من قبيل “السلفية“، “وتمجيد الماضى” وإلغاء الحاضر، وعدم النمو فى اتجاه المستقبل!! كلا.. بل أن الأمر كله يتلخص فى كلمة واحدة: “المسيحية لم تبدأ بنا..” لذلك يجب أن نضرب بجذورنا فى أرض المسيحية، وفى شجرة الأرثوذكسية، وفى بطون التاريخ، فلسوف نجد معيناً لا ينضب، وكنزاً لا يفرغ، من أقوال ودراسات وتفاسير وتعاليم الآباء، التى تصلح لزماننا هذا، وكل زمان، فهى مرتبطة بموضوعين أساسين :
– طريق الملكوت.
– كلام الكتاب.
وقديماً سأل الفلاسفة القديس الأنبا أنطونيوس، كيف يستطيع أن يقضى وقته وحيداً فى برية قاحلة دون أنيس أو جليس.. ودون قراءة أو كتاب.. فقال لهم: “كتبى هى شكل الذين كانوا قبلى، أما إذا أردت أن أقرأ ففى كلام الله أقرأ“.. هنا دراسة لسير الآباء، وتعاليمهم، وكلمة الله الحية!!
أ- من هم الآباء ؟ : صاح اليهود والوثنيون، أثناء استشهاد القديس بوليكاربوس: “هذا هو أب المسيحيين“..
ولقد كان التعليم فى الكنيسة قاصراً على الأساقفة والكهنة والشمامسة الذين يسمح لهم بذلك، لا بقصد الاحتكار، بل بقصد التدقيق على سلامة التعليم، بدليل قول الرسول: “لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أََيْضاً”
(1تى 16:4)، وكان المعلم، الذى يتلمذ أبناءه، يدعى “أباً“، كما قال الرسول بولس عن نفسه: “لأَنِّى أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ” (1كو 15:4).. وقال عن انسيمس “أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ابْنِى أُنِسِيمُسَ، الَّذِى وَلَدْتُهُ فِى قُيُودِى” (فل 10:1) وعن تيموثاوس “الاِبْنِ الصَّرِيحِ فِى الإِيمَانِ”
(1تى 2:1).. وقال أيضاً: “وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِى الْمَسِيحِ لَكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ” (1كو 15:4).
والذين يتساءلون عن معنى أمر السيد المسيح ألا ندعو لنا أباً على الأرض، يجب أن يتذكروا أننا ننادى آباءنا فى منازلنا بلقب “أب“، فهل نحن نكسر وصية السيد المسيح؟ أبدأ.. إن “الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلَكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِى” (2كو 6:3)، إن الرب يريد أن ينبهنا أنه الآب الحقيقى والنهائى، وأن أبانا بالجسد، لم يستطع أن يكون كذلك إلا من خلال الآب السمائى.. وكذلك أبونا فى الروح يأخذ أبوته من الآب السمائى الذى أعطاه سر الكهنوت وروح الأبوة.
? “عندما يتعلم إنسان من فم آخر، يقال عنه إنه ابن ذاك المعلم، ويحسب الأخير أباه” (القديس ايريناؤس).
? “الكلام ابن النفس، لهذا ندعو الذين يعلموننا آباءاً لنا، ويحسب الذى يتعلم فى خضوع الابن” (القديس كليمنضس الاسكندرى).
ب- شروط الأبوة : يشترك فيمن ندعوه “أباً” فى الكنيسة المقدسة ما يلى :
? أن يكون أرثوذكسى العقيدة : يعيش بفكر الكنيسة وروحها دون إنحراف إيمانى.
? أن يكون قد قضى حياة مقدسة : فلا قيمة للفكر والكلام، دون السلوك والسيرة.
? أن تكون له مقالات أو كتب أو رسائل : سجلها له أبناؤه الروحيون، أو بعض الرحالة والمؤرخين، كما فعل بلاديوس وكاسيان وروفينوس.
? أن تتسق تعاليمه مع التعليم الجماعى : لآباء الكنيسة، فلا يكون له فكر خاص غريب أو بدعة غير مقبولة. لهذا فمع عبقرية أوريجانوس لا ندعوه “أباً” بل “علامة“.. لأنه خصى نفسه لاغياً دور الجهاد وعمل نعمة الله.. ولأنه مزج اللاهوت بفلسفات يونانية خاصة.. الخ.
لهذا يقول القديس أغسطينوس: “من يحتقر الآباء، يحتقر الكنيسة كلها“.
ونحن لا نقصد “عصمة” الآباء، فليس فيهم من كان معصوماً من الخطأ!! بل بالعكس طالما تحدثوا هم أنفسهم عن ضعفهم، والتمسوا الصفح من قرائهم إذا أخطأوا فى تفسير آية، أو شرح قضية لاهوتية.. لكن السمة فى حياتهم وأقوالهم وكتاباتهم تكون “الأرثوذكسية“.. فى التعليم والحياة!!
ج- كيف نقرأ الآباء ؟ : نقرأ بصفة جماعية، بمعنى أن نقرأ للكثير من الآباء، إذ يتكاملون، ويقدمون لنا روح الكنيسة الجامعة.. فهناك تخصصات ورؤى وتركيزات.. لكن المهم روح الجماعة.
– يجب ألا نقتبس سطراً من أقوال الآباء لتدعيم فكرة خاصة فى أذهاننا، بل كما نأخذ الآباء ككل، نأخذ ما قاله كل أب ككل.
– مراعاة عصر كل أب.. ففى كل عصر آفات روحية واجتماعية معينة، تختلف من عصر إلى عصر، وفى كل عصر تتغير مفاهيم الكلمات والتعبيرات والصيغ مع تطور اللغة.. لهذا يجب أن ندقق فى المفهوم الكامن وراء التعبير وليس حرفية التعبير فقط.
د- الأقباط والآباء : كان الأقباط، وما يزالون على صلة وثيقة بالفكر الآبائى للكنيسة الجامعة، فترجموا كل ما وصل إليهم، وكل
ما كتبوه باليونانية، إلى لغة الشعب القبطية، حتى صار كل الشعب “لاهوتيين“، بمعنى أنهم تعرفوا على التعليم السليم، ورفضوا كل الهرطقات والهراطقة.
? لذلك وجدنا برديات كثيرة إكتشفها العلماء، مكتوبة بالقبطية، مثل بردية رسالة اكليمنضس الرومانى إلى كورنثوس (محفوظة فى برلين)، وأخـرى لنفـس الرسالـة فـى
ستراسبورج، وثالثة لرسائل القديس
أغناطيوس الأنطاكـى فـى فينـا
ولندن و “الراعى” لهرماس… الخ.
? كما كان للأقباط دوراً رائداً فى الكتابات اللاهوتية، كالتى قام بها القديسون أثناسيوس وكيرلس عامود الدين وتيموثاوس وغيرهم.. مع كتابات أساتذة مدرسة الإسكندرية اكليمنضس الاسكندرى، وبانتينوس وأوريجانوس..
? كذلك جاء إلى مصر كثير من الآباء المؤرخين، زاروا أديرتنا، والتقوا بآبائنا، وكتبوا عنهم، سيراً مقدسة، وأقوالاً روحية، مازالت حتى الآن نبراساً للنفوس السائرة فى طريق الملكوت. ونذكر من هؤلاء :
– القديس “يوحنا كاسيان” (360-435م)، الذى تتلمذ على آباء مصر العظام، وسجل خبراتهم وأقوالهم فى “المناظرات” و “الدساتير“. فى الأول سجل لنا أحاديثه مع آباء البرية، وفى الثانى قوانين ونظم الرهبنة.
– المؤرخ “بلاديوس” (365-425م)، الذى جاء ليتعرف على حياة آباء مصر ونساكها، والتقى بالقديس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندرية كثيراً، وسجل لنا حياة الآباء وأقوالهم فى كتابه الشهير “التاريخ اللوزياكى” أو “فردوس الآباء“.
– المؤرخ “روفينوس” (345-410)، الذى جمع أحاديث لآباء مصر فى كتابه الهام “تاريخ الرهبنة” (Monakhorum Historia)، وقد أمضى عدة سنوات فى مصر، متتلمذاً على يدى القديس ديديموس الضرير.
– وقد اعتبر القديسان باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزيانزى أوريجانوس المصرى أستاذاً لهما، حتى أنهما جمعا مقتطفات من كتابه “المبادئ” (Principles) فى مؤلف لهما أسماه “الفيلوكاليا” أى
“حب الصلاح“.
? ظهور مؤرخين كنسيين مثل “يوسابيوس القيصرى” (260-340م)، كان له أقوى
الأثر فى حفظ تراث الآباء، حتى دعى
بحق: “أب علم الباترولوجى” (أى الآباء).
وقد أشار فى كتابه الهام “التاريخ الكنسى”
إلا أن هدفه الرئيسى كان “أن يكتب تقريراً عن خلفاء الرسل القديسين.. الذين نادوا بالكلمة الإلهية شفاهاً أو كتابة“..
وبالفعل وضع يوسابيوس قائمة بكل الكتاب وكتاباتهم قدر إمكانه، وسجل لنا مقتطفات
من أقوالهم.
وقد حاول آخرون استكمال ما قام به يوسابيوس، مثل سقراط وسوزومين وثيؤدرت وروفينوس.
? قام القديس جيروم بتأليف كتابه الهام “مشاهير الرجال” (342-420م)، وفيه تحدث عن العصر الرسولى، ومن جاءوا بعد الرسل، حتى إلى عصره هو.. وقد اعتمد على كتابات يوسابيوس.. ولم يدقق بدرجة كافية.
? عبر القرون التالية كانت هناك محاولات عديدة لتجميع كتابات الآباء، من أهمها كتاب السنكسار القبطى.
? وفى العصر الحديث ظهرت مدارس علمية حديثة تفتش عن تراث الآباء وتنشره
حتى حصلنا على مجموعات عديدة، محققة علمياً، بالإنجليزية والفرنسية والألمانية،
كما أنها متاحة طبعاً باللغات الأصلية
اليونانية واللاتينية.. وفى كل دراساتهم وأبحاثهم، كان العلماء ورجال الدين فى كل العالم، يتطلعون إلى الكنيسة القبطية، كينبوع حىّ، يفيض على العالم المسيحى بالكثير من تراث الآباء، نصاً وروحاً.. ومازال إنتاج
آباء الكنيسة الآن موضع تقدير وتكريم من كنائس العالم كله.
ه- تصنيف كتابات الآباء : يمكن تصنيف كتابات الآباء، خاصة فى القرون الخمسة الأولى، على أساس زمنى، إذ يرى البعض أن أول مجمع مسكونى (325م فى نيقية) يجب أن يكون فاصلاً بين نوعين من
الآباء من جهة كتاباتهم وتراثهم، فيقسمون الآباء إلى:
– آباء ما قبل نيقية : ويتسم تراثهم بالبساطة الشديدة مثل: يوستينوس – ايريناوس – هرماس – تاتيان – اثيناغوراس – اكليمنضس الاسكندرى – ترتليانوس – هيوليتس – نوفاتيان… الخ.
– آباء ما بعد نيقية : حيث بدأت المناقشات اللاهوتية رداً على هرطقات كثيرة
ظهرت بعد ذلك، مثل كتابات: أغسطينوس – ذهبى الفم – أثناسيوس – غريغوريوس النزيانزى – غريغوريوس النيصصى
– يوحنا الدمشقى – كيرلس الأورشليمى
– امبروسيوس – كاسيان – افرايم السريانى.. الخ.
ويمكن تقسيم الكتابات الآبائية حسب اللغة التى كتبوا بها :
– آباء يونان (شرقيون)… بجانب القبطية والسريانية والأرمنية.
– آباء لاتين (غربيون)…
ويمكن تصنيف الآباء جغرافياً حسب المناطق :
– أباء مصر، خاصة مدرسة الإسكندرية
وآباء البرية.
– الآباء الأنطاكيون.
– الآباء الكبادوك.
– الآباء اللاتين.
ويمكن تقسيم كتابات الآباء حسب موضوعاتها :
1- كتابات دفاعية.
2- تفسير للكتاب المقدس.
3- عظات ومقالات.
4- رسائل.
5- ليتورجيات كنسية.
6- كتابات شعر وتسبيح.
7- حوارات (ديالوج).
8- نسكيات.
9- قوانين كنسية.
10- تاريخ كنسى.
أمام هذا المحيط الشاسع من كتابات الآباء، يقف كل منا كطفل صغير على شاطئ
محيط ضخم، ينهل من كتاباتهم، ويقرأ
تفسيراتهم، ويشبع بروحانيتهم، ويستفيد من خبراتهم وتعاليمهم.
وأمامنا الكثير من كتاباتهم باللغة العربية، بفضل مجهودات كثيرين، أهمهم القمص تادرس يعقوب.. المهم أن نقرأ، وأن نتعلم..
الأنبا موسى