كيف نخلص – الأنبا موسى

الرئيسية / كيف نخلص – الأنبا موسى

الخلاص الذى أعده الرب لنا على عود الصليب، هو – بالقطع – لكل الناس، ولكل العالم، ولكل الأجيال!! والكتاب يقول: “هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَىْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 16:3). ولكن هذا الخلاص الذى جهزه الرب للبشرية كلها، لا يكون فعالاً فى الحياة الشخصية إلا حينما يدخل الإنسان نفسه فى دائرة مفعول الخلاص وعمل النعمة، برغبته وإرادته الخاصة، ويستمر فى الطريق إلى النهاية.

رؤيا حزقيال النبى :

يتحدث حزقيال النبى عن طفلة أممية بلا أسرة ولا أهل، وُلدت وتركت فى الحقل، دون أن يربط أحد لها “الحبل السِّرى”، فاستمرت تنزف، وكان من المؤكد أنها ستموت، إما من النزيف، أو من التلوث، أو من الوحوش!!

مررت بك :

لكن الرب الإله المحب، نظر من السماء إليها، وأشفق عليها، فنزل خصيصًا لأجلها (إشارة إلى التجسد)،
وبسط ذيله عليها (إشارة إلى التبرير)، وغسلها بالماء (إشارة إلى المعمودية)، ومسحها بالزيت (إشارة إلى الميرون)، وجمالها بالحلىّ (إشارة إلى الفضائل المسيحية، وثمار الروح) وأطعمها السميذ والعسل (إشارة إلى التناول ووسائط الشبع الروحى)، فجملت جدًا جدًا (ملامح النعمة الإلهية)، وصلحت لمملكة (أى لتصير ملكة، عروس الملك).

وإذا زمن الحب :

فكل هذه العطايا ليس من أجل ميزة خاصة فى النفس البشرية المؤمنة بالمسيح، ولكن بسبب الحب الإلهى الفائق لجنس البشر، الذى جعله يتجسد ويتأنس، ويشابهنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها. وهكذا يجعلنا هيكلاً مقدسًا له، إذ نموت ونقوم معه بالمعمودية، فيسكن فينا روح الله بالميرون المقدس..
وتأتى ثمار الروح كعطايا تجمل وجه الإنسان: “مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل 22:5-23).

المتأمل فى ثمار الروح، يجدها تسعة ثمار، والمتأمل فى عمل الله فى داخلنا يجده فى 9 أمور أيضًا: الإيمان + الأعمال + الأسرار السبعة.

1- الإيمان بالمسيح : إذ “آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا” (غل 6:3)، و”بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ” (عب 6:11).. ونحن نعمد الطفل على إيمان والديه، أما إذا كان المعمد كبيرًا فيجب أن يكون مؤمنًا وتائبًا! لذلك تكون التوبة هى العنصر الثانى..

2- التوبة المتجددة : فالمعمودية موت وقيامة مع المسيح، والتوبة معمودية ثانية! لهذا جاءت “الميطانيا” (تجديد الذهن + السجود للأرض)، هى موت وقيامة، يتجددان فى حياتنا كلما نتوب!! وإذا كانت المعمودية لا تتكرر لأنها تجديد للطبيعة، وخلع للإنسان العتيق، ولبس للإنسان الجديد “أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ” (رو 6:6)، تتكرر الميطانيا، تجديد الذهن والسيرة، طالما نحن فى جسد الضعف، وعلى هذه الأرض!! فالإنسان الذى يغتسل كله (بالمعمودية)، ليس له حاجة إلا إلى غسل قدميه بالتوبة والاعتراف، كما قال الرب لمعلمنا بطرس، حينما رفض بطرس أن يغسل الرب رجليه، قال له الرب: “إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِى نَصِيبٌ” (يو 8:13)، فلما طلب منه بطرس أن يغسل يديه أيضًا ورأسه، قال له الرب: “الَّذِى قَدِ اغْتَسَلَ (اعتمد) لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ (بالمعمودية) (يو 10:13).. فالسيد المسيح عمد تلاميذه معمودية مسيحية، ولم يكتف بمعمودية يوحنا المعمدان، لأنها كانت بالماء “معمودية توبة”.. أما المعمودية المسيحية فهى بالماء والروح، لأنها “معمودية تجديد”! إن كان أحد فى المسيح فهو “خليقة جديدة” (فالمعمودية تخلقنا من جديد)، “الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ
قَدْ صَارَ جَدِيدًا” (2كو 17:5).

لابد من المعمودية للخلاص :

1- لذلك فحينما آمن كرنيليوس وأسرته وأقاربه ببشارة معلمنا بطرس (بعد الرؤيا التى رآها)، وبينما كان بطرس يتكلم “حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ” (أع 44:10)، “فَانْدَهَشَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ (أى اليهود)، كُلُّ مَنْ جَاءَ مَعَ بُطْرُسَ لأَنَّ مَوْهِبَةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ قَدِ انْسَكَبَتْ عَلَى الأُمَمِ أَيْضًا” (أع 45:10).. وكانوا “يتكلمون بألسنة ويعظمون الله”! حينئذ أجاب بطرس: “أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضًا؟ وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ” (أع 47:10-48).. وكان الرب قد مهد لدخول الأمم برؤيا لكرنيليوس وأخرى لبطرس الرسول.. وعرف الجميع أنه قد “أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضاً التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!” (أع 18:11).. وكل الذين “آمَنُوا وَاعْتَمَدُوا” (أع 8:18).

2- وحينما آمن ابلوس الاسكندرى الفصيح، والمقتدر فى الكتب، وكان خبيرًا فى طريق الرب، وكان وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب عارفا بمعمودية يوحنا فقط!! فشرح له أكيلا وبريسكلا طريق الرب “بأكثر تدقيق”، أى شرحًا له المعمودية المسيحية التى بالماء والروح!

3- ولما قابل بولس الرسول المؤمنين حديثًا فى أفسس، ووجد أنهم اعتمدوا بمعمودية يوحنا فقط، قال لهم
أنها معمودية توبة، وأن يوحنا المعمدان طلب من تابعيه “أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِى بَعْدَهُ أَىْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ” (أع 4:19-6).

ولابد للإيمان من أعمال :

لأن “الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ” (يع 20:2). فقد قال معلمنا يعقوب: “أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ” (يع 21:2-22).. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن الأعمال ليست فقط ثمرة للإيمان، بل بها يكمل الإيمان!! فالعمل الذى قام به إبراهيم بتقديم ابنه اسحق على المذبح، أكد مصداقية إيمانه بالعمل وليس فقط بل بالكلام أو بالاعتقاد الذهنى. العمل هو المحك، تمامًا كما حدث مع يشوع حينما كان سيعبر بالشعب الماء، إذ قال له الرب: “كُنْ مُتَشَدِّدًا, وَتَشَجَّعْ جِدًّا لِتَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِى أَمَرَكَ بِهَا مُوسَى عَبْدِى” (يش 7:1).

 

مشاركة المقال