التجسد هو العقيدة العظمى فى المسيحية ، وهى التى تميزنا عن الأديان الأخرى .
والتجسد هو الينبوع الذى ينبع منه كل الفكر المسيحى وينبنى عليه كل العقائد والسلوكيات المسيحية والمفاهيم الإيمانية.
ولكى نفهم التجسد على أصول آبائية كما شرحها القديس أثناسيوس والقديس كيرلس ينبغى أن نرجع قديماً إلى بدء الخليقة:
فالإنسان حينما خلق (قبل السقوط) كان يحمل أربعة صفات أساسية تميزه عن غيره من الكائنات والمخلوقات وهى:
1- على صورة الله ومثاله .
2- خلق على غير فساد (الخلود) أى ليحيا (صلاة الصلح للقداس الباسيلى) .
3- يعرف الله معرفة الشركة والمعاشرة والخبرة.
4- يعيش فى القداسة والبر والبراءة.
وعندما سقط الإنسان فقد هذه السمات الأربعة :
1- صورة الله تشوهت وتحطمت.
2- مات الإنسان وبدأ الفساد يعمل فى طبيعته البشرية.
3- فقد القداسة وصار يميل إلى الشر وسكنت فى جسده الميول الرديئة.
وكان على الله إما أن:
1- يهمل الإنسان ويتركه لشأنه .. وهذا يتنافى مع صلاح الله وقوته ومحبته.
2- يهلك الإنسان ويصنع إنساناً جديداً وهذا أيضاً يتنافى مع صلاح الله ومحبته ويجعل الشيطان منتصراً.
3- أن يعيد صياغة الإنسان ويجدد طبيعته. ويعيد إليه السمات التى فقدها بالسقوط وهذا هو الحل الذى أراده الله وقد نفذه بالتجسد.
:فى التجسد استعاد الإنسان:
1- صورة الله:
لأن المسيح هو صورة الآب الحقيقية (رسم جوهره) فعندما لبس المسيح صورة الإنسان أعطى الإنسان أن يكون على صورة الله ( أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له) وكما ورثنا صورة آدم القديمة المشوهة بميلادنا من آبائنا الجسدين كذلك يمكننا ان نرث صورة المسيح بميلادنا ثانية من المسيح بالماء والروح … وهكذا حل التجسد مشكلة الصورة وننتفع نحن بهذا الحل عن طريق سر المعمودية.
2- الحياة:
المسيح هو القيامة والحياة … وعندما إتحد اللاهوت بالناسوت فى بطن العذراء إنسكبت الحياة من اللاهوت فى الناسوت … وهذه الحياة نأخذها بأكل جسد الرب وشرب دمه فى سر الأفخارستيا “من يأكل جسدى ويشرب دمى له حياة أبدية وأنا اقيمه فى اليوم الأخير” (يو54:6) “الحق الحق أقول لكم إن لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم” (يو53:6)
هكذا أيضاً تم حل مشكلة الموت الذى دخل إلى العالم بحسد إبليس إذ أن ظهور المسيح فى الجسد أعطى الجسد حياة تليق بإتحاده باللاهوت .. فعلى الصليب مات المسيح (إنسانياً وطبياً كأى إنسان فينا بانفصال روحه الإنسانية عن جسده) ولكن كان حياً بلاهوته إذ لاهوته لم ينفصل قط لا عن نفسه ولا عن جسده .. لذلك نسبحه قائلين ( قدوس الحى الذى لا يموت الذى صلب عنا ومات أرحمنا) وهذه الحياة تصير فينا عندما نتناول من جسد الرب ودمه.
مشكلة المعرفة والقداسة
وهذه استعادها لنا المسيح بأربعة مستويات:
1- بالنموذج والمثال:
فالمسيح عاش بيننا ليعلمنا كيف نسلك مثله إذ هو المعلم الصالح (نتبعه بكل قلوبنا) لبش الهوس الثالث. وهو نفسه قال ” تعلموا منى”، وقصد السيد المسيح أن ينقل إلينا كل المعرفة عن الآب حتى إنه لكى لا يضللنا بسبب تخليه عن مجده قال “ابى أعظم منى” لكى نفهم أن الآب له مجد وبهاء وعظمة أعظم بكثير من شكل تواضع الأبن بسبب التجسد الذى جعله يتنازل عن مجده (إلى حين)
والمسيح المعلم يفسر لنا لماذ صام السيد المسيح وصلى ومارس الناموس وإعتمد من يوحنا .. إنه عمل كل ذلك ليعلمنا إن نسلك مثله.
2- بالسبق:
فالمسيح كان سابقاً لأجلنا … فتح لنا الأبواب المغلقة التى كانت لا تحلم البشرية بفتحها … فهو أول إنسان يدخل الفردوس فدخل فى اعقابه جميع القديسين من آدم حتى اللص اليمين … وسوف يقود هذا الموكب بعينه حينما يكمل العبيد رفقاؤهم (لأن الله نظر لنا شيئاً أفضل أن لايكملوا بدوننا) سوف يقود نفس الموكب بعد إكتماله لندخل معه به وفيه إلى الملكوت الأبدى بصفتنا أعضاء فى جسده المقدس وهو يدخل سابقاً لأجلنا … وكذلك كان المسيح سابقاً لأجلنا فى كل الممارسات الروحية .. فهو يصلى لكى يجعل لصلواتنا معنى وقبولاً أمام الله ابيه لذلك صام المسيح ليجعل لصومنا قيمة لا هوتية وبعداً إلهياً وقبولاً ومعنى أمام الله أبيه …
وقبل المسيح الروح القدس فى مياه الأردن ليفتح لنا باب أمكانية قبول الروح القدس علينا بالمعمودية وبالأجمال كل ما عمله المسيح بالجسد كان لأجلنا ولحسابنا ولصالح بشريتنا.
3- بالتقديس:
المسيح عاش حياتنا المادية لأنه شابهنا فى كل شئ وبالتالى فقد قدس كل شئ فى حياتنا حتى الأكل والشرب والنوم والمشى والجلوس والقيام واصبح الآن لنا فرصة أن تتقدس ادق تفاصيل حياتنا المادية إذا شاركنا المسيح فى حياته واشركناه فى حياتنا “حتى إن أكلتم أو شربتم أو عملتم أى شئ يكون لمجد الله”
4- بالوساطة:
لا شك أن المسيح هو الله الكامل وهو ايضاً إنسان كامل فيه كل صفات الله وكل صفات الإنسان .. ومعروف لا هوتياً أن اللاهوت لم يلاش الناسوت (كما أخطأ أوطاخى) وكذلك لم يغيره ولم يلغى ايا من صفاته. فالمسيح إلهنا المتجسد العظيم يحمل فى داخله كل ما للإنسان وكذلك كل ما لله بإتحاد عجيب فريد … فصار بذلك أعظم وسيط بيننا وبين الله أبيه … فبه يصير لنا قبول أمام الله الاب ويرضى عنا منه ويمنحنا كل نعمة يهبنا معه كل شئ ونرث ايضاً معه وفيه كل شئ ونرث أيضاً معه ملكوت السموات.
وعلى الصعيد الآخر … فيه نرفع صوتنا لله الآب (يصرخون إليك وبك إلى ألاب معك قائلين) القداس الغريغورى.
لذلك ففيه صرخنا “إلهى إلهى لماذا تركتنى” وفيه سمعنا “هذا هو أبنى الحبيب الذى به سررت” فالمسيح نفسه قال أنا صاعد إلى أبى (بالطبيعة) وابيكم (بالتبنى) وإلهى (بالتجسد) وإلهكم (بالطبيعه) فهو صار إنساناً لكى يجعل الإنسان شريكاً فى الطبيعة الإلهية.
وكما يتحد الرجل بالمرأة فيصير الإثنان جسداً واحداً وليسا بعد إثنين ولكن بعد الإتحاد ما زال الرجل رجلاً والمرأة إمرأة .. كذلك نتحد بالمسيح ونصير معه واحداً كما هو مع الآب .. ولكن بنفس المثال مازلنا البشر الضعفاء ومازال هو الإله الحقيقى…
بهذا نعرف أن التجسد قد حل مشكلة الإنسان .. وكل ما هو مطلوب من كل إنسان أن يقبل هذا التجسد الإلهى العظيم ويؤمن به ثم يعتمد لبنيان الصورة و يتناول الجسد والدم ليستعيد الحياة ويتبع المسيح ويستحضره فى حياته ويوسطه مع الآب لينال فيه المعرفة والقداسة والبر .
ولإلهنا المجد الدائم آمين.