مكونات الشخصية الأنسانية – نيافة الأنبا موسى

الرئيسية / مكونات الشخصية الأنسانية – نيافة الأنبا موسى

تتحدد ملامح الشخصية الإنسانية من خلال تفاعل الإنسان (فى مراحل عمره المختلفة)، مع البيئة (بكل مكوناتها المحلية والعالمية)… إذن، فهناك عنصران يشاركان فى تكوين وتحديد معالم الشخصية، وهما: الإنسان، والبيئة.

أولاً: الإنسان :

المكونات الأساسية للطبيعة الإنسانية هى :

1- الروح : العنصر الذى به يتجاوز الإنسان محدوديته، ليدخل إلى اللامحدود. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى يتجاوز ذاته. وما يراه وما يعرفه، وما يحس به، إلى عالم “الميتافيزيقيا” أى “الماورئيات”.. ماذا وراء المادة؟ والكون؟ والزمن؟ والطبيعة؟ والموت؟ إنه العنصر الذى من خلاله يعرف الإنسان الله. ويكون له إتصال بالحقائق الإيمانية، ويتطلع إلى السماء والخلود.

والإنسان منذ فجر الخليقة كائن متدين.. حتى إذا ما أخطأ فى معرفة من هو الله؟ فتصوره قوة كالنار، أو مصدر حياة فقط كالشمس، أو غير ذلك من التصورات الوثنية القديمة.. إلا أنه فى النهاية دائماً يسأل عن غير المحدود، أساس الكون، مصدر الحياة، معنى الوجود، وماذا وراء هذا الوجود؟

2- العقل : وهو عنصر التفكير والإستيعاب والإدراك والتعبير والتحاور والإكتشاف والإختراع.. إنه ليس كالعقل الغريزى الذى للحيوانات، والذى من خلاله يتعرف أن هذا طعام، أو أن هذا صيد ثمين، وكيف يصل إليه؟

العقل وزنة إلهية، لأنه عطية الله “اللوغوس” للإنسان. ومن خلاله يتأمل ويدرس ويستنتج. ومن خلاله يقترب من الألوهه واللامحدودية. وبالقطع العقل الإنسانى محدود، ويستحيل أن يدرك اللامحدود، ولكنه يستطيع أن يستنير بروح الله، ليدرك الكثير من حقائق الإيمان. العقل يبدأ والإيمان يكمل!! دون مصادمة، ودون استغناء الواحد عن الآخر!! ونحن “بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله” (عب 3:11).. إنه كالعين المجردة المحدودة، التى تحتاج إلى التلسكوب، لترى ما هو بعيد، وما هو فوق طاقتها. فلا العين تستغنى عن التلسكوب، و لا التلسكوب يستغنى عن العين.

3- النفس : وفيها الغرائز (الدوافع النفسية) الأساسية جداً لإستمرار النوع الإنسانى: كالجنس، والطعام، والخوف، والاستطلاع.. الخ. وفيها أيضاً الحاجات النفسية المختلفة: كالحاجة إلى الحب، والأمن، والتقدير، والإنتماء. وكذلك الأفعال المنعكسة بدءاً من الرضاعة، إلى كل فعل منعكس آخر، أساسى لحفظ الإنسان. وفيها الدوافع العامة: كالاستهواء، والتقليد. وفى النفس أيضاً عناصر أخرى مكتسبة (غير تلك الموروثة) مثل: العواطف، والعادات، والإتجاهات.

ولاشك أن للنفس دور هام فى تحديد ملامح الشخصية، بما فيها من أمور طبيعية يمكن أن تفيد وأن تضر، وبما لابد منه من تسام بدوافع معينة، وما لابد من ضبطه من عواطف، أو التخلص منه: كالعادات الضارة، أو اكتسابه: كالعادات البناءة، أو فحصه: كالإتجاهات.. بل بما يحدث فى النفس من متاعب بسبب مصادمات الحياة المختلفة، وما يعتريها من قلق واكتئاب وحيرة وخوف وتأزم.. ما هو طبيعى، وما يمكن أن يكون مرضاً يحتاج إلى تدخل من الأطباء.

4- الجسد : فجسد الإنسان، بصحته أو أمراضه المختلفة، له دخل فى تحديد ملامح الشخصية.. العاهات الجسمية وأثرها.. مراحل العمر.. مستوى الجمال.. نوع التغذية.. طول القامة.. وأمور أخرى كثيرة، يمكن أن يكون لها عائد على الشخصية، وعلى رأى الإنسان فى نفسه، ومدى ارتياحه ورضاه، وتمرده ورفضه، واجتهاده فى تغيير ملامح معينة، وكذلك ما يتعرض له الجسد من حوادث وأمراض مختلفة تؤثر فى قدرة الحركة، والإنتاج، والتأثير.. الخ. أو ما يؤثر فى الصحة الجسدية كالتدخين والمخدرات والمسكرات والأمراض المنقولة جنسياً.

ثانياً: البيئـة :

لاشك أن للبيئة أثرها الخطير فى تحديد ملامح الشخصية، ففرق بين طفل تربى فى بيت مسيحى حقيقى، وآخر تربى فى بيت مسيحى بالإسم.. وفرق بين طفل نشأ فى بيئة زراعية، وآخر فى بيئة صناعية، أو ريفية، أو حضرية… فى حىّ شعبى، أو فى حىّ أكثر تحضراً.. فى أسرة متعلمة أو جاهلة.. فى مدرسة جيدة فى تربيتها، أو أخرى رديئة أو مهملة.. ألعاب الطفولة مختلفة.. وسائل الإعلام مختلفة.. فقر وغنى.. مستوى الألفاظ.. الشجار.. السفر داخل أو خارج القطر.. أمور كثيرة لها تأثيرها على تكوين الشخصية وملامحها.

إذن فالتربية المقصودة وغير المقصودة، كلاهما له أثر جبار فى تحديد ملامح الشخصية.

وهذا لا يعنى أن الغنى والتحضر دائماً أمران جيدان، أو أن الفقر والحىّ الشعبى أمران سلبيان. فهناك معايير وقيم وملامح مختلفة حسنة وسيئة فى كل بيئة.. المهم أن كل هذا يترك بصماته على الشخصية الإنسانية.

البيئة إذن هى :

1- المنزل، الأسرة، الحىّ.                            2- الحضانة والمدرسة والجامعة.

3- الكنيسة، ومدى التواجد فيها والتأثر بها.               4- المجتمع، والوطن.

5- العالم على إتساعه من خلال الرحلات ووسائل الإتصال.

إن التفاعل بين مكونات الإنسان نفسه، ومكونات البيئة، هو الذى ينتج لنا نوع الشخصية، ويحدد ملامحها.

ولكن هذه الأنواع يمكن تعديل كل ما هو سلبى فيها، واكتساب ما هو إيجابى، وذلك من خلال التربية الشاملة: المنزل، والمدرسة، والكنيسة، والمجتمع.. إذا أحسنا قيادتها حتى نصل إلى إنسان سوىّ عموماً.. وشخصية متكاملة ومثمرة وناجحة.. وهذا ما نسميه بناء الإنسان المصرى، وهذه أهم قضية مثارة على الساحة حالياً.

لذلك…

فما أحلى أن يغوص الشباب فى داخلهم وخارجهم، ويتعرفوا على مكوناتهم الداخلية ومدى اهتمامهم ببنيانها مثل: إشباع الروح بالصلاة، والعقل بالقراءة، والنفس بالضبط، والجسد بالطهارة، والعلاقات بالمحبة المقدسة.. كذلك عليهم أن يدرسوا آثار البيئة عليهم: الأسرة والمدرسة والكنيسة والأصدقاء ووسائل الإعلام.

وبعد ذلك يتخذ الشباب القرارات الصائبة البناءة، فى التعامل مع كل ذلك، وفى التمسك بما يبنيهم، ورفض ما يهدمهم، حتى يصلوا إلى الشخصية المسيحية المتكاملة، المتأصلة روحياً وإيمانياً وعقيدياً، والقادر على التفاعل الإجتماعى السليم مع الأسرة والأصدقاء والكنيسة والمجتمع… فإلى مزيد من التفاصيل!!

مشاركة المقال