ولينقض إفتراق فساد البدع – نيافة الأنبا رفائيل
مواجهة أم مهادنة :
فيما نتكلم عن الحب والإتحاد والسلام الكامل… يبرز للكنيسة من آن لآخر تيار غريب يهدد سلامة التعليم الأرثوذكسى… وتضطر الكنيسة إلى أن تحارب هذا التيار، وقد تلجأ إلى سلاح القطع والحرمان، من أجل حفظ سلام الكنيسة وسلامة التعليم…
قد يتساءل البعض… ألا يتعارض هذا مع تعليم السيد المسيح الخاص بالمحبة، وقبول الآخر والإتجاه نحو الوحدة والسلام؟
كيف للكنيسة وهى مسئولة عن سلام العالم… ومسئولة عن نشر فكر السيد المسيح، وتعميق روح الحب… كيف لها أن تحارب أشخاصاً وتطردهم وتقطعهم؟… ألا يوجد هنا شبهة قساوة وإرهاب فكرى، وتعارض مع إتجاه التجميع والإحتضان والتسامح والحب؟!!
ولكن أيضاً هل يجوز للكنيسة أن تترك كل إنسان يفكر كما يشاء، وينشر فكره مهما كان تحت إدعاء طيبة القلب والتساهل، وخلاص نفس الآخر بقبوله؟
دعنا نناقش الأمر كتابياً، لنرى رأي الكتاب المقدس، وفكر السيد المسيح من جهة هذا الأمر. خاصة وأن الكنيسة بطول الزمان لجأت إلى منهج عقد المجامع ومحاكمة الهراطقة، وقطعهم وفرزهم… ونحن مازلنا نمدح أبطال الإيمان، الذين شاركوا قطع الهراطقة، وأمضوا عمرهم كله فى جهاد عنيف ضد الأفكار المتمردة، كمثل القديس أثناسيوس، وكيرلس، وديسقوروس، وغيرهم…
ونسمع القديس أغناطيوس الأسقف يمدح شعبه لأنهم لم يقبلوا الهراطقة بل طردوهم “علمت أن بعض الناس مروا بأفسس، وحاولوا أن يزرعوا زرعاً فاسداً؛ فلم تسمحوا لهم بأن يلقوا بذارهم وسددتم آذانكم عن سماع تعاليمهم” (من رسالته إلى أهل أفسس الفقرة 9).
هل أخطأ الآباء فى منهجهم هذا ولم يتوافقوا مع فكر المسيح؟!
هل علينا الآن فى عصر الحرية، والفكر المنفتح، والديمقراطية – أن نغيِّر منهج الآباء القدامى، ونسلك مع الهراطقة بروح جديدة، حفظاً لتواجدهم معنا فى الكنيسة!! ومنعاً لإستخدام سلاح الطرد والتشهير والحرمان كما يقولون…؟!
نعم لم يخطئ الآباء فى محاربة الهراطقة، بل كان لهم كل الحق الكتابى فى هذه المواجهات الحاسمة، ذلك لأسباب دعنا نستعرضها فى هذا المقال…
1- الهرطقات تعليم شيطانى :
أول حقيقة تقابلنا عند دراسة هذا الموضوع أن الشيطان هو المحرك لكل هرطقة فى الكنيسة “ولكن الروح يقول صريحاً: إنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين، فى رياء أقوال كاذبة، موسومة ضمائرهم” (1تى 1:4-2).
فهل مطلوب من الكنيسة أن تحمى تعليم الشيطان وتقبله؟!
? “ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية” (يع 15:3)، “لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات” (2تى 3:4-4).
P فهل الكنيسة مسئولة عن حماية الإنحرافات والخرافات والشهوات الخاصة
فى التعليم؟
إن مثل هؤلاء الكذبة يحكم عليهم الكتاب المقدس بالهلاك.
“ولكن، كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذى اشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق. وهم فى
الطمعَ يتجّرون بكم بأقوال مصنعة، الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى، وهلاكهم لا ينعس” (2بط 1:2-3).
? “لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب. لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور! فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم” (2كو 13:11-15).
لقد وصف هنا – معلمنا بولس الرسول – الهراطقة بأنهم خدام الشيطان وكذبة وماكرون… فهل تقبلهم الكنيسة وهم هكذا؟
إن الأساس الذى تُبنى عليه الأفكار الهرطوقية، هو التمرد “فإنه يوجد كثيرون متمردين يتكلمون بالباطل، ويخدعون العقول” (تى 10:1).
والتمرد محسوب فى فكر الإنجيل إنه مثل عبادة الأوثان: “لأن التمرد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم” (1صم 23:15).
P فهل مطلوب من الكنيسة أن تتغاضى عن عبادة الأوثان؟
إنهم بتعبير معلمنا بولس “الإخوة الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً” (غل 4:2)، “وهم أعداء صليب المسيح” (فى 18:3).
إن التعليم الهرطوقى ليس إطلاقاً من الله، ولا من الروح القدس روح الحق… بل هو من العالم والشيطان وروح الضلال “هم من العالم. من أجل ذلك يتكلمون من العالم، والعالم يسمع لهم. نحن من الله. فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا. مِنْ هذا نعرف روح الحق وروح الضلال”
(1يو 5:4-6).
“الذى من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون، لأنكم لستم من الله” (يو 47:8).
2- الهراطقة يحكمون على أنفسهم :
? “مِنَّا خرجوا، لكنهم لم يكونوا مِنَّا، لأنهم لو كانوا مِنَّا لبقوا معنا. لكن ليُظهروا أنهم ليسوا جميعهم مِنَّا” (1يو 19:2).
إن الإنسان المسيحى الحقيقى يشعر أنه عضو فى الجسد.. يسلك كباقى الجسد ويفكر كرأس الجسد “أما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو 16:2) ويكون حريصاً ألا يخرج عن إجماع الفكر الكنسى والتقليد الرسولى… يبرهن على صدق عضويته بطاعته، وتوافق فكره الخاص مع فكر المسيح.
? “وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه، وأعرضوا عنهم. لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السُّلماء” (رو 17:16-18).
“عالماً أن مثل هذا قد انحرف، وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه” (تى 11:3).
إن الكنيسة فى حكمها على الهراطقة، إنما تقرر حكماً سبق أن حكموا به هم على أنفسهم بسبب عدم طاعتهم للحق.
3- لابد أن تأتى العثرات :
? “لأنى أعلم هذا: أنه بعد ذهابى سيدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم” (أع 29:20-30).
إنه خطر محدق بالكنيسة منذ البداية…
“لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً، ليكون المزكون ظاهرين بينكم” (1كو 19:11).
حقاً قال السيد المسيح: “ويل للعالم من العثرات! فلابد أن تأتى العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة” (مت 7:18). لقد نبهنا السيد المسيح بنفسه ألا نتبع الأنبياء الكذبة “ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين” (مت 11:24)، “ها أنا قد سبقت وأخبرتكم” (مت 25:24).
فإذا كان الكتاب المقدس قد أنبأنا مسبقاً عن حتمية ظهور الهراطقة والذئاب الخاطفة. فلماذا نبهنا لذلك؟ وما هو دور الكنيسة إزاؤهم؟ وما هى خطة الكتاب المقدس لمواجهتهم؟
4- امتحنوا الأرواح :
أول كل شئ أن يكون لنا روح التمييز والإفراز. “أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح: هل هى من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يو 1:4)، “وأنبياؤها قد طينوا لهم بالطفال، رائين باطلاً وعارفين لهم كذباً، قائلين: هكذا قال السيد الرب، والرب لم يتكلم” (حز 28:22).
ليست البساطة هى السذاجة وقبول أى فكر… بل مع البساطة لابد من وجود الحكمة والإفراز “ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب، (الهراطقة) فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام” (مت 16:10). لقد مدح الله سليمان الحكيم لأنه سأل لنفسه تمييزاً (راجع 1مل 9:3-10).
ولذلك فمن ضمن المواهب التى يمنحها الله للكنيسة موهبة “تمييز الأرواح” (1كو 10:12) لكى تنفذ الكنيسة وصية السيد المسيح القائلة: “احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (مت 15:7). “امتحنوا كل شئ. تمسكوا بالحسن” (1تس 21:5).
من ثمارهم تعرفونهم :
إنك تحتاج نعمة خاصة وموهبة روحية، لكى تكتشف الذئب الذى يرتدى ثوب الحمل… “مِنْ ثمارهم تعرفونهم” (مت 16:7).
? ما هى ثمارهم؟ الحسد والخصام والإنقسام والعناد والتحزب “إن كان أحد يُعلّم تعليماً آخر، ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذى هو حسب التقوى، فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام، التى منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدى الذهن وعادمى الحق” (1تى 3:6-5).
“لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 18:16).
فأول علامة للفكر المنحرف هى التحزب وإفتعال الخصومات “إن كان لكم غيرة مُرَّة وتحزب فى قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزب، هناك التشويش وكل أمر ردىء” (يع 14:3-16).
“أما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح… فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص” (فى 15:1-16)، إن تعاليمهم المنحرفة “تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان” (1تى 4:1).
إذاً مطلوب منا أن نميز الخادم الذى يخدم بروح الله، والمزيف الذى يخدم بروح مُضلة ونكتشف هل هذا التعليم من الله أم لا؟ “أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم، ولا ترتاعوا، لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها مِنَّا” (2تس 2:2)، “الذين نحن لم نأمرهم” (أع 24:15). “وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام مَلِقٍ” (كو 4:2).
ولا يقف الأمر عند حد الإفراز والتمييز فقط، بل يجب مواجهة الهراطقة.
5- مواجهة الهراطقة أمر كتابى :
التجنب والإنذار :
“ثم نوصيكم أيها الإخوة، باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم (التقليد) الذى أخذه مِنَّا” (2تس 6:3).
“تجنب مثل هؤلاء” (1تى 5:6). وليس الأمر فقط التجنب بل هناك أيضاً الإنذار: “ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب” (1تس 14:5).
? “وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة، فسموا هذا ولا تخالطوه لكى يخجل، ولكن لا تحسبوه كعدو، بل أنذروه كأخ” (2تس 14:3-15).
“لكى توصى قوماً أن لا يُعلموا تعليماً آخر، ولا يُصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها، تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان” (1تى 3:1-4).
وإن لم يستجب الهرطوقى للإنذار، فهناك عقوبة التجنب “الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين، أعرض عنه” (تى 10:3)، “أعرضوا عنهم” (رو 17:16).
التوبيـــــخ :
وليست العقوبة هى فقط التجاهل، بل أيضاً التوبيخ. “فلهذا السبب وبخهم بصرامة لكى يكونوا أصحاء فى الإيمان، لا يصغون إلى خرافات يهودية، ووصايا أناس مرتدين عن الحق” (تى 13:1-14).
“الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع، لكى يكون عند الباقين خوف” (1تى 20:5).
القطـــع :
وقد يتطور الأمر إلى القطع من شركة الكنيسة :
? “إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر! ليس هو آخر، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوِّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما (محروماً)” (غل 6:1-8).
ويجوز أيضاً مقاطعة هذا الإنسان نهائياً حتى يستفيق إلى نفسه: “إن كان أحد يأتيكم، ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يُسلِّم عليه يشترك فى أعماله الشريرة” (2يو 10-11).
“أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1كو 11:5).
والهدف أن نربحه :
? “فاعزلوا الخبيث من بينكم” (1كو 13:5)، “حتى يُرفع من وسطكم الذى فعل هذا الفعل”
(1كو 2:5) ليس عن حقد وخصومة، بل بهدف ربح نفس هذا الإنسان “وعبد الرب لا يجب أن يخاصم، بل يكون مترفقاً بالجميع، صالحاً للتعليم، صبوراً على المشقات، مؤدباً بالوداعة المقاومين، عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق، فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته” (2تى 24:2-26).
وكان الأمر فى العهد القديم أكثر خطورة إذ كان يحكم على هؤلاء بالقتل “إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلماً، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التى كلمك عنها قائلا: لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم. وراء الرب إلهكم تسيرون، وإياه تتقون، ووصاياه تحفظون، وصوته تسمعون، وإياه تعبدون، وبه تلتصقون. وذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم يُقتل، لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذى أخرجكم من أرض مصر، وفداكم من بيت العبودية، لكى يطوحكم عن الطريق التى أمركم الرب إلهكم أن تسلكوا فيها. فتنزعون الشر من بينكم” (تث 1:13-5).
6- الآباء الرسل فى مواجهة الهراطقة :
لقد كان جهاد الآباء الرسل ينصب فى إتجاهين متكاملين: نشر الكرازة بالإنجيل وحفظ الإيمان سليماً بلا عيب… لئلا يتغير إنجيل المسيح. لذلك وقفوا بالمرصاد لكل من يخرج عن الإيمان الأرثوذكسى، انظر ما قاله معلمنا يوحنا الرسول: “ديوتريفس الذى يحب أن يكون الأول بينهم – لا يقبلنا. من أجل ذلك، إذا جئت فسأذكره بأعماله التى يعملها، هاذراً علينا بأقوال خبيثة” (3يو 9،10).
دور الأسقف فى حفظ الإيمان :
وكانت سيامة الأسقف هدفها الأساسى هو حفظ الإيمان، كما أوصى معلمنا بولس تلميذيه تيموثاوس وتيطس: “كما طلبت إليك أن تمكث فى أفسس، إذ كنت أنا ذهباً إلى مكدونية، لكى توصى قوماً أن لا يُعلموا تعليماً آخر” (1تى 3:1).
“إن فكّرت الإخوة بهذا، تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح، متربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته” (1تى 6:4).
“يا تيموثاوس، احفظ الوديعة، معرضاً عن الكلام الباطل الدنس، ومخالفات العلم الكاذب الاسم، الذى إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان” (1تى 20:6-21).
“تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى، فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع، احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” (2تى 13:1-14). ليس هذا فقط بل كان أيضاً مسئولاً عن إختيار الخدام الأكفاء الذين ينقلون التعليم سليماً.
“وما سمعته منى بشهود كثيرين، أودعه أناساً أمناء، يكونون أكفاء أن يُعلِّموا آخرين أيضاً” (2تى 2:2).
ويكون أيضاً “ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم، لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوّبخ المناقضين” (تى 9:1).
وكان دائماً هدف التوبيخ والعقوبة هو الخلاص “وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار”
(يه 23) وكان التخوف الوحيد هو إنتشار الفكر الهرطوقى فيهلك كثيرون “خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. ولكننى أثق بكم فى الرب أنكم لا تفتكرون شيئاً آخر. ولكن الذى يزعجكم سيحمل الدينونة أى مَنْ كان” (غل 9:5-10). حقاً إن كل الهراطقة كانوا أعضاء فى جسد المسيح، لكنهم اختاروا لأنفسهم القطع “كل غصن فىَّ لا يأتى بثمر ينزعه” (يو 2:15)، “إن كان أحد لا يثبت فىَّ يُطرح خارجاً كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق” (يو 6:15).
الهرطقة تمزيق للمسيح :
إن وحدة جسد المسيح لا تحتمل وجود الهراطقة… بل قطع الهراطقة هو ضمان لحفظ وحدانية الجسد والروح والفكر.
ووجود الهراطقة داخل الكنيسة يهدد وحدتها، وسلامتها وسلامة إيمانها “وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه، وأعرضوا عنهم، لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 17:16-18).
“ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمِّر العجين كله؟ إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة، لكى تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير” (1كو 6:5-7).
“ولكن إن كان أحد يُظهر أنه يحب الخصام، فليس لنا نحن عادة مثل هذه، ولا لكنائس الله” (1كو 16:11).
“كى لا نكون فى ما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس، بمكر إلى مكيدة الضلال. بل صادقين فى المحبة، ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس: المسيح” (أف 14:4-15).
إذاً ليس مطلوباً من الإكليروس والخدام مجرد البناء الروحى للشعب بمعزل عن تثبيت الإيمان الصحيح ومحاربة الأفكار الهرطوقية.وإلا يقف الكتاب المقدس ضدنا يفضح جهلنا ويديننا على تقصيرنا فى مواجهة الهرطقة والأفكار المنحرفة من جهة الإيمان.
إن البعض يظنون أن الروحانية الصادقة تكمن فى البعد عن هذه الأمور… والاكتفاء بتقديم شخص السيد المسيح للناس وعدم التعرض للخلافات العقيدية… وعدم محاربة المنحرفين… وقبول الآخر مهما كان فكره منحرفاً.
ولكن يبدو أيضاً أن هذا البعض يظنون فى أنفسهم أنهم أكثر روحانية من وصايا الإنجيل التى استعرضناها فى هذا المقال… بل قد يكونون أكثر روحانية من السيد المسيح نفسه!!! الذى واجه المنحرفين بكل حزم قائلاً لهم “ويل لكم”..
يجب – فيما نحمل فى قلوبنا كل الحب لكل الناس – ألا نتنازل عن إيماننا واستقامته مهما كان الثمن…
الخادم والمعرفة :
لذلك يوصينا الكتاب المقدس بضرورة المعرفة “إلى أن أجئ اعكف على القراءة والوعظ والتعليم” (1تى 13:4).
“لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا، تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك أيضاً” (1تى 16:4)، “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهى التى تشهد لى” (يو 39:5).
والسيد المسيح حثنا على المعرفة بسؤاله للرجل الناموسى “كيف تقرأ؟” (لو 26:10)، وقيل فى سفر الرؤيا “طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون” (رؤ 3:1).
وقد عاتب الله شعبه بسبب عدم المعرفة والفهم حينما قال: “الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف. شعبى لا يفهم” (إش 3:1).
وقيل عن السيد المسيح “كيف هذا يعرف الكتب، وهو لم يتعلم؟” (يو 15:7) وسأل فيلبس الخصى “ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟” (أع 30:8).
إن المسيحية ليست ديانة ساذجة ولا مجرد انفعال عاطفى بل هى فكر ومعرفة وإيمان واع بالمسيح.
والمسيحيون الحقيقيون يدرسون فى معرفة الله نهاراً وليلاً.. لقد قيل عن الجماعة المسيحية الأولى: “فقبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم: هل هذه الأمور هكذا؟” (أع 11:17).
إن الخادم الذى يقود شعبه إلى السطحية وعدم المعرفة إنما يسلمهم بيده إلى الهلاك… حتى ولو تحت إدعّاء أنه يكفى الشرح الروحى البسيط والتلامس الشخصى مع المسيح بعيداً عن المعرفة اللاهوتية…إنهم ينطبق عليهم القول المقدس “قد هلك شعبى من عدم المعرفة. لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لى” (هو 6:4).