الخادم بين التلقين والتكوين

الرئيسية / الخادم بين التلقين والتكوين

الخادم بين التلقين والتكوين

هناك نوعان من الخدام: أحدهما تلقينى، والآخر تكوينى. الأول يلقى التعاليم والعظات والمحاضرات، دون أن يحِّرك فى السامعين روح المشاركة والبحث، ودون حوار مثمر، يخلق منهم أناساً يتحملون المسئولية، ويسيرون فى طريق النمو. لذلك فهناك ثلاثة تساؤلات:13178754_10206746056034753_3386471966318743258_n

1- من هو الخادم التكوينى ؟

هو الخادم الذى يهتم بأن يتكون مخدوموه داخلياً وسلوكياً، وفى عشرتهم مع الله، وهكذا يتحرك تفكيرهم بطريقة تجعلهم يتحملون المسئولية، ويقدرون على إتخاذ القرارات، بينما خادم الشباب التلقينى، هو الذى يلقن المخدومين معلومات كثيرة، وعند أول صدام أو موقف يتحطم كل هذا، وينسوا كل شئ.

وهناك أنواع من القادة :

الديكتاتورى الصريح : وهو الذى يتكلم والجميع يسمعون بلا مناقشة أو حوار، أو أخذ آراء واقتراحات، أو بحث عن أفضل الحلول.

الديكتاتورى المقنَّع : وهو الذى يتكلم ويعرض رأيه بطريقة جذابة، كى يقتنع الناس بما فى داخله دون طرح لآراء أخرى، أو مناقشة الفكرة التى عرضها القائد أو الخادم؛ أو أى أفكار أخرى تطرح.

القائد الكارزمى : وهو القائد الموهوب الذى عندما يتكلم ينبهر به الناس، ولكن الخطورة هى أنه يصَّر على أن يكون المتكلم الوحيد، ويعتبر نفسه ملهماً من الله ويحبط كل الطاقات الأخرى، وهذا خطر جداً، إذ يخدم بمفرده، ولا ينمى من حوله، ولا يكتشف طاقاتهم الكامنة، وعمل الله فيهم.

الخادم الفوضوى : وهو الذى يترك الكل يعمل بطريقته، أى كل واحد بمفرده يتصرف بحرية، دون تنسيق أو ترابط مع الآخرين، وبلا ترتيب فتحدث فوضى فى الخدمة.

الخادم الجماعى : وهو الذى يحيا الشركة مع المخدومين، يقدمون الدرس معاً ويناقشون الأنشطة: الرحلة، والمعرض، والمسرحية. إنه القائد ال (نحن)، الذى يعمل مع الناس وليس بمفرده، وهو ليس القائد (الأنا).

The (We) leader & not the (I) leader.

وهذا ما وجدناه فى السيد المسيح له المجد، حين مارس القيادة مع تلاميذه، بطريقة كونتهم تكويناً داخلياً سليماً، وذلك من خلال أربع مراحل:

– السيد المسيح يعمل، والكل يراقبونه ويتعلمون منه.

– السيد المسيح يعمل، وهم يساعدونه (كما حدث فى معجزة إشباع الجموع).

– هم يعملون، وهو يتابع عملهم، ويراقبهم، ويوجههم (حينما رجعوا من الخدمة وحدثوه بما فعلوا وعلموا).

– ثم صعد للسماء وتركهم يعملون، بعد أن كوَّن التلاميذ فانطلقوا للخدمة.

إن الرب يسوع لم يكن قائداً فردياً، إذ جعل الناس يعملون معه – رغم أنه الإله القادر على كل شئ – إنه القائد التكوينى الرائع، إذ كون أثنى عشر تلميذاً، ثم سبعين رسولاً، ثم خمسمائة أخ. وحينما حلّ الروح القدس يوم الخمسين، كان المجتمعون مائة وعشرون إسماً.

2- سمات الخادم التكوينى

يتسم الخادم التكوينى بسمات عديدة منها أنه:

1- الخادم التكوينى لا يحس بالعصمة والتمييز :

فأنت لا تملك كل الحقيقة، أو كل الطاقات، أو كل المواهب، ولست أفضل من أحد لولا نعمة الله العاملة فيك، فلا تحس – إذن – بالعصمة أو التميز أو الأفضلية. ولذلك نجد أن أقوى سلاح تغلب به فى الخدمة هو الإتضاع، وإذا رفعت رأسك للسماء فرجليك لن تثبتا على الأرض، أى أن الكبرياء سوف تدفعك للسقوط، وإذا لم تكن ممن يقبلون النقد، فأنت فى ضعف وخطر، ولن تعرف أخطاءك أو سلبياتك، ولن تصححها.

إن موسى النبى، الذى لم يكتب سوى المزمور التسعين، قدّر لنفسه أن يحيا 80 سنة على الأكثر… قضى منها 40 سنة فى بيت فرعون، و 40 سنة أخرى فى البرية، وحين أعتقد أن حياته قد انتهت، دعاه الرب إلى عمل مجيد، أمضى فيه 40 سنة أخرى.

2- يحترم إنسانية الإنسان :

لا يخدش مشاعر أى إنسان بسيط، بل يحترم كل إنسان. ولا يتهكم على أحد، بسبب ضعف جسدى أو ذهنى أو عقلى، فأنت سوف تكبر وقد تعانى من أمور كهذه… أضحك معه ولا تضحك عليه، لأن الله خلقه على صورته ومثاله، وهو قطعة غالية فى قلب الله، وقد أحبه الرب وفداه، وأودعه وزنات وعطايا كثيرة.

3- يؤمن بوجود مواهب لدى كل إنسان :

فلا يوجد إنسان ليس عنده مواهب. كل إنسان – مهما كان – لديه مواهب خاصة، أعطاها له الله، فمثلاً ليست الأمية الحرفية هى الأمية فقط، بل الأمية الثقافية أهم وأخطر، فكم من إنسان أمى فيه حكمة إلهية وروح قيادة ممتازة. كل إنسان لديه مواهب ووزنات وطاقات، المهم أن نكتشفها وندعها تعمل.

4- يكتشف الطاقات وينميها :

لابد أن يكون هناك تخريج للصفوف المتتالية من الخدام، فالله يرفض الخادم الأوحد، المعتز بنفسه ولا يعطى فرصة للآخرين.

إذن فلنكتشف الطاقات ونسعى لتنميتها، وهذا يأتى من العمل، والخدمة، والتعبير عن النفس، وبدون هذا لا يمكن اكتشاف الطاقات، ولا استثمار الوزنات الكامنة لدى كل إنسان.

5- يشجع على حرية التعبير :

فالكلام فى إتجاه واحد خطير.. ولابد أن يكون الخادم متقناً فنَّ الاستماع. اترك المخدوم يعبر عن نفسه ولا ترده أو تمنعه، فالتشجيع على التعبير مهم، إذ يجعلك تعرف ظروفه، وتساؤلاته، وهمومه، وطاقاته، ووزناته، ومستواه الروحى.. الخ.

6- يشجع على الإبداع :

إذ أن القائد الفعال يعرف أن هناك طاقات مبدعة لدى أفراد مجموعته، ويعمل على أن يظهر الجوهر الخصوصى لكل عضو، حتى تستفيد المجموعة بمواهب أفرادها. وكمثال على ذلك ما تقيمه الكشافة من مسابقات مثل: المسامر، الموسيقى، الصحفى، القصاص، المتحدث، الفنان، القرَّاء، الشاعر… وذلك لاكتشاف وإنماء مهارات وطاقات الأعضاء.

7- يؤمن بالعمل الجماعى :

إذ يشيع القائد مناخاً جماعياً يشجع على الابتكار، وعلى التعاون والتفاعل معاً، فالكل – كما نعلم – أكبر من مجموع الأجزاء، والعمل الجماعى ينتج لنا طاقات جديدة ومتجددة. إنه لن يعتمد على شخص واحد، بل على “جهاز” من الخدام.

3- وسائل الخادم التكوينى

يستخدم الخادم التكوينى وسائل كثيرة منها :

1- الحوار :

وهو “لغة العصر” والوسيلة الوحيدة لإنماء الإنسان، منذ الطفولة، وإلى نهاية العمر، لأنه يقوم على الأخذ والعطاء، الانفعال والتفاعل، القبول والرفض.

والحوار يؤدى بنا إلى :

– معرفة احتياجات السامعين.

– معرفة طاقاتهم.

– الوصول إلى قناعات مشتركة.

– الوصول إلى قرار سليم.

– يجعل الخدام يساهمون بإيجابية فى تنفيذ القرار المتفق عليه.

– معرفة مشاكل المجموعة والأفراد.

– الإنتباه، إذ يستخدمون حواس عديدة كالسمع والنظر والنطق، بعكس المحاضرة ذات الإتجاه الواحد.

2- التعلم بالممارسة :

لأن ممارسة الشئ، أقوى وسائل التعليم.. وذلك مثل: القداس التعليمى، زيارة الأديرة لمعرفة أساسيات الرهبنة، الشماسية، والتسبحة. حين يمارس الإنسان الخدمة عملياً سوف يتعلم الكثير فعلاً.

3- المشاركة :

أى أن يشترك أعضاء المجموعة فى صنع الدرس، وقيادة الإجتماع، لكى يتحول كل شاب إلى جزء من الإجتماع، فيرفض الخروج خارج الكنيسة، بل يكون له دور إيجابى فى العمل.

إن الاشتراك فى صنع الإجتماع، يجعل كل عضو جزءاً حياً، يتمتع روحياً ونفسياً وإجتماعياً بالانتماء إلى هذا الإجتماع، وإلى الكنيسة، والرب يسوع.

4- الالتقاط :

ومعناه أن تكون قدوة، فيتعلم أعضاء المجموعة من تصرفاتك، وسلوكياتك، أكثر مما يتعلمون من كلامك وتعاليمك. حتى أسلوب الخدمة وروحها، سوف يلتقطونها منك.

5- مجموعات العمل :

حين يتحول الإجتماع إلى مجموعات عمل وذلك يؤدى إلى: التعارف، إكتشاف المواهب، الخجول يتكلم، الاقتناع بما يقوله أحد زملائه، وصول المخدوم إلى الحقيقة بنفسه، تدريب قادة جدد… الخ.

فلنبدأ بأنفسنا، والرب يكمل عمله فينا ومعنا له كل المجد،

أنبا موسى

مشاركة المقال