الخادم… والصلاة
الخادم يجب أن يكون شعاره دائماً: “أَمَّا أَنَا فَصَلاَةً” (مز 4:109)، فالصلاة هى الحبل السُرى الذى يربطنا بالله، فنأخذ منه حياة الروح وحيوية الكلمة، وأثمار الخدمة. فالصلاة هى التى تجهز الخادم، والمخدوم، والكلمة.. وبدون صلاة يكون الخادم جافاً، والمخدوم عازفاً عن عمل الروح، والكلمة باردة على الشفاه. كما أن الصلاة هى الحبل السِّرى الذى من خلاله يغتذى الخادم بغذاء الروح، ودسم النعمة، ومياه الحياة، ومن خلاله ينمو إنسانه الجديد فى الحكمة والقامة الروحية، أمام الله والناس. إن الرب يسوع هو مثلنا الأعلى فى الصلاة.
الرب يسوع المسيح هو مثلنا الأعلى فى الصلاة وترتيبها :
الرب يسوع المسيح هو معلم الصلاة العظيم، الذى كان يقضى الليل فى الصلاة (لو 12:1).
فقد كان يصلى فى الصباح الباكر، كما هو مكتوب “وَفِى الصُّبْحِ بَاكِراً جِدّاً قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّى هُنَاكَ” (مر 35:1).
? صلى الرب يسوع فى وقت الساعة السادسة (لو 24:23) كما صلى فى وقت الساعة التاسعة (لو 46:23).
? وكان يصلى فى المساء (مت 23:14) وصلاة نصف الليل حددها فى بستان جثسيمانى بثلاث خدمات متتالية (مت 26:26-45).
? وعن أهمية صلاة نصف الليل ذكر مثل العذارى الحكيمات (مت 13:25).
وهكذا وضع لنا الرب يسوع أساساً متيناً للصلاة والعبادة (1كو 4:14) وبحسب ترتيبه. لأن إلهنا إله سلام ونظام وليس إله تشويش (1كو 33:14) وترك لنا مثالاً لكى نتبع خطواته (1بط 21:2). ولعل أهم أنواع الصلوات الكنسية – غير الصلاة الحرة الشخصية، وهى مطلوبة وهامة – ما يلى :
أولاً: الافخارستيا
الإفخارستيا: التى من خلالها نأخذ..
1- الإتحاد بالرب يسوع :
فالإفخارستيا تعطينا البركات التالية فى المسيح :
1- الثبــــــــــــات فــــــــــى المسيـــــــــــح :
معناه الإلتصاق الكامـل
والرسوخ فى الرب، والتأصل فيه (يو 56:6، مت 26:26) وإذ نتحد بالمسيح نأخذ شكله، صورته ومثاله، ونصبح شركاء للطبيعة (2بط 4:1). والإفخارستيا هى قمة الليتورجيا، والتى بها نقدم لله ذبيحة التسبيح (عب 15:13).
2- الإفخارستيا تقوى وطهارة :
? يبدأ الكاهن صلوات التقديس ب: ووضع لنا هذا السر العظيم الذى للتقوى، مشيراً إلى الفاعلية السرية، إذ يستنير قلب المتناول ويأخذ إمكانيات للغلبة (رو 37:8، 1تى 16:3). ويقول القديس مقاريوس الكبير: “بهذا السر تحفظون من الأعداء، ومن يتهاون بهذا السر فإن قوات الظلمة تقوى عليه“.
? هيأ الرب لنا هذه المائدة الرهيبة كقول المزمور (مز 5:23، 5:43).
? بهذا السر ننال غفران الخطايا، فالخطية لا تغفر إلى بدم المسيح، وسر الإفخارستيا استمرار لذبيحة الصليب، التى تمت للتكفير عن خطايا العالم.
? الإفخارستيا هى الطهارة التى نالها إشعياء النبى، بلمس شفتيه بجمرة نار من المذبح (إش 6).
3- الإفخارستيا حياة وقيامة : (يو 48:6-58)، ومن هذه الكلمات نستنبط الآتى:
أ- السيد المسيح هو مصدر الحياة (يو 6:14، يو 25:11).
ب- أن المـن الـذى
أكله بنو إسرائيـل
فى البرية لم يكـن
سوى رمز تجسد الرب، ولم يستطع المن أن يسد جوع الجسد. أما القداسات الإلهية فهى غذاء الروح.
4- الإفخارستيا إثمار كرازة : (يو 4:15،5) لا تستطيع طبيعتنا الساقطة أن تثمر لمجد الله، ولا تجدى أية محاولات لإصلاح النفس إلا بإتحادها بشخص السيد المسيح، تماماً كما لا يرجى من الشجرة الردية أن تثمر جيداً بأن تطعم فى شجرة جيدة أخرى. وإننا إذ تثمر فينا حياة الرب، نخبر بفضائل الذى دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب وتنطلق حياتنا وسيرتنا بعجائبه.. مبشرين بموته، معترفين بقيامته.
5- الإفخارستيا عشرة وفرح : ما أجمل مشاعر الفرح التى يختبره المتناول من السرائر المقدسة، فما أعجب اتضاع الرب ومحبته لجنسنا، إذ لم يكتف بأن يموت عنا، بل سُر بأن يعطينا جسده ودمه مأكلاً (مز 5:23، مز 12:116، زك 17:9).
2- الليتورجيا والإفخارستيا :
شركة إتحاد مع المؤمنين : إن المؤمنين جميعاً يصيرون فى وحدانية الروح والفكر، بل والجسد أيضاً، حينما يلتفون حول ذبيحة الشكر (أع 42:2، 1كو 17:10، أف 20:5).
ولا تقتصر شركة المؤمنين فى صلوات الليتورجيا مع المؤمنين الأحياء بالجسد فقط، بل تمتد فتشمل حياة الشركة مع السمائيين (راجع صلاة البركة فى رفع البخور. وصلاة المجمع فى القداس الإلهى).
3- عقبات أمام الشباب :
ماذا يمنع الشباب من التمتع ببركات الإفخارستيا ؟
1- عدم فهم أهمية السر لخلاصهم وحياتهم الروحية، وأنه الطريق الأكيد للثبات فى المسيح.
2- عدم فهم أهميته للحياة الأبدية والقيامة الثانية.
3- عـدم التوبـة
والإستعـداد
الروحى “لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. لأَنَّ الَّذِى يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ” (1كو 29،28:11).
4- الخوف من “عدم الإستحقاق” أو عدم فهم مدلول هذه الكلمة.. أى التوبة القلبية والإنتظام فى الإعتراف.
5- الخوف من الرجوع إلى الخطية مرة أخرى، مع أن التناول المستمر هو علاج الخطية، والقوة التى تمنعنا من الرجوع، ومعروف أن باب التوبة مفتوح، والمهم هو الجهاد ضد الخطية، وإذا سقطنا نقوم.
6- الخوف من الإنذار بأن من يتناول بدون استحقاق، ربما يمرض أو يرقد (1كو 30:11).. كما حدث مع الهراطقة الذين أنكروا ألوهية المسيح، ثم جاءوا يتناولون مثل أريوس الذى إنسكبت احشاؤه فى مرحاض ومات.
كيف نشجع الشباب على ممارسة التناول ؟
1- شرح مفهوم السر وأهميته.
2- شرح طقس القداس.
3- أيام روحية تبدأ بالقداس.
4- بحوث يكتبها الشباب عن هذا السر.
5- خدمة فردية لينتظم الشباب فى حياة التوبة والإعتراف تمهيداً للإفخارستيا.
6- نزع روح الخوف من قلوبهم، وزرع روح الرجاء بالرب محب التائبين.
ثانياً: الأجبيــة
وهذه بعض فوائدها وبركاتها :
1- إطالة الوجود فى حضرة الله :
الصلاة الإرتجالية (الخاصة) تستمر دقائق معدودة – أما صلوات الأجبية فتعطى للإنسان فرصة أطول للوجود فى حضرة الله، والتلذذ بالعشرة معه (مز 4:37).
2- تشمل كل أنواع الصلاة :
أ- عنصـــــــر الشكـــــــــر :
ولـه صـلاة خاصـة
فى مقدمـة الأجبيـة،
هى صـلاة الشكـر
بجانب عبارات شكر متعددة داخل المزامير.
ب- عنصر التوبة والإنسحاق : وله فى المقدمة لكل صلاة المزمور الخمسون، إلى جانب عدد كبير من مزامير التوبة والإنسحاق.
ج- عنصــر التمجيــــد
والتسبيـح : هناك
قطـع مليئــة
بالتمجيــــد
والتسبيح مثل الثلاث تقديسات، وتسبيح الملائكة، ومزامير كثيرة داخل صلوات السواعى المختلفة.
د- عنصر الطلب : تشمل الصلوات كل طلبات الإنسان واحتياجاته فى كل الظروف فى طلب المغفرة عن خطايانا الخفية والظاهرة – وأيضاً فى طلب المعونة، أن يرفع عنا كل حسد وكل تجربة.
3- طلب الرحمة بلجاجة :
فى نهاية كل صلاة من صلوات السواعى، يكرر المصلى صلاة كيرياليسون 41 مرة، وصلاة اللجاجة لا ترجع فارغة كما علمنا رب المجد يسوع فى مثل قاضى الظلم (لو 1:18-7).
4- صلوات حسب مشيئة الله :
إن كانت صلاتك وفق مشيئة الله حينئذ “لِيَسْتَجِبْ لَكَ الرَّبُّ فِى يَوْمِ الضِّيقِ. لِيَرْفَعْكَ اسْمُ إِلَهِ يَعْقُوبَ… إلخ” (مز 1:20-5).
5- درس فى تعليم طريقة الصلاة :
فالمزمور يقول: “اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ” (مز 11:2)، الزموا الأدب لئلا يغضب الرب فتضلوا عن طريق الحق.
6- فى الصلاة بالأجبية عنصر الوعظ :
وتشمل عنصر تعليمى وعظى، إلى جانب العبادة والتأمل وبحسب نصيحة الرسول: “عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ، لِكَىْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ” (عب 13:3).
7- شغل النهار كله روحياً :
غالبية الناس قد يذكرون الله فى بدء اليوم ونهايته، أما طول اليوم فترة المشاغل والمحاربات فتبقى بدون صلاة. والكنيسة أمنا الرؤوم يهمها سعادتنا وخلاصنا وتدعو للصلاة طول اليوم. عن طريق صلوات الأجبية.
8- وجبة روحية دسمة :
يشبه أحد الآباء صلوات الأجبية بوجبة دسمة فيقول:
(هى لباس العرس الذى يؤهلنا ويوجه أفكارنا وأحساسينا إلى التمتع بأطياب هذه الوليمة، وهذا اللباس مكون من ثوب ومنطقة وحذاء، فالثوب هو الصلاة الربانية والمنطقة هى صلاة الشكر، أما الحذاء فإنه مزمور التوبة).
9- حديث متبادل
مـــــــع الله :
“عِنْـــدَ
دُعَائِـــىَ
اسْتَجِبْ لِى يَا إِلَهَ بِرِّى. فِى الضِّيقِ” (مز 1:4).
10- فوائد روحية عديدة :
منها تعلمنا حياة الإيمان، وتبث فى قلوبنا السلام والطمأنينة، ودروس روحية عديدة.
(وللمزيد أقرأ: “روحانية الصلاة بالأجبية” لنيافة الأنبا متاؤس).
ثالثاً: الصلوات السهمية
مثل صلاة: “ياربى يسوع المسيح ابن الله ارحمنى أنا الخاطئ” أو “اللهم إلتفت إلى معونتى يارب أسرع وأعنى“.
هــذه
الصلـوات
تسميهــا
الكنيســة
“الصلـوات
السهمية“
إذ تكون بمثابة سهام روحية، تخترق الحجب الكثيفة، التى يمكن أن تكون بين الإنسان والله، وتصعد إلى عنان السماء، وتدخل إلى أقداس الرب، وتقدر فى فعلها.
فأنت حينما تردد هذه الصلاة بتركيز، سوف تشعر بما يلى :
1- تشعر أن الرب يسوع أمام عينيك، وأنت تتحدث إليه.
2- تشعر بخطاياك وضعفاتك، تطرحها بين يديه.
3- ينسحق قلبك فى طلب الرحمة والغفران بسبب الخطايا الكثيرة التى نرتكبها فى حق الرب، وفى حق الغير، وفى حق أنفسنا.
4- يفرح قلبك حينما تحس بتعزيات روح الله، إذ يقترب منك ويعزيك، وحينئذ تحس بالرب يسوع، وهو يدخل إلى دائرة شعورك وعواطفك.
التطبيق العملى :
1- يستحسن أن تختار وقتاً مناسباً لتنفيذ هذا التدريب، فمثلاً يمكنك أن تتلو هذه الصلاة بضعة عشرات من المرات، فى دقائق قليلة قبل أن تصلى صلاة باكر، أو قبل صلاة الغروب، أو عندما تدخل إلى فراشك لتنام ظهراً أو ليلاً. ففى كل هذه المناسبات إما تجهز نفسك للصلاة أو تحمى قلبك وفكرك من الإنغماس فى أفكار أو تصورات شريرة.
2- سوف تحس فـى
البدايـة بشـىء
مـن المـلل أو
الروتينية، ولكن
هذا الإحسـاس
سيــزول إذا
مـا ركــزت
ذهنك فيما تقول، وتصورت الرب يسوع أمامك.
3- إن الكلمات ستخرج فى البداية من فمك، ثم ينتبه إليها ذهنك فتحس أنك فى حّوار انسحاقى مع الرب بسبب خطاياك، ثم تتحرك مشاعرك فتستقر الصلاة فى قلبك، فرحاً وإحساساً بحضرة يسوع المسيح.
4- المفرح أن هذا التخزين فى القلب، سيكون هاماً جداً لحياتك اليومية، إذ ستكتشف أن هذه الصلاة سوف تقفز من قلبك إلى شفتيك دون قصد منك، وسوف تجد نفسك تقول: “ياربى يسوع المسيح ارحمنى” مما سينبهك إلى حضور الرب، وإذا أمكن تكرارها بضعة مرات، فإذا كنت فى موقف خاطئ تصحح نفسك بسرعة وإذا كنت متضايقاً لأى سبب تحصل على عزاء سريع من الرب.
هدف التدريب :
خطورة أى تدريب روحى تكمن فى الهدف من أدائه، فهل الهدف أن تصير بطلاً روحياً ممن يقومون بتدريبات لا يقوم بها غيرك من الشباب، أم أن الهدف هو مجرد الإتحاد بالرب يسوع لحاجتك الشديدة إليه، ليغفر لك خطاياك، ويقدس حياتك، ويعزى نفسك السائرة فى وادى الدموع؟. هذا هو الهدف.. احتياج إنسان ضعيف إلى الله المحب.. نسمة روحية أو جرعة تنشط مشاعرك نحو الرب يسوع الذى لم يبخل عليك بدمه الإلهى.
سلامة الهدف إذن أساسية، وإرشاد أبيك الروحى ضمان هام لوضوح الهدف، وسلامة الطريق.
المهم أن نكون كخدام فى إتصال مستمر بالله، فالصلاة هى ينبوع البركات الشخصية والأسرية والكنسية. فلنحرص على قانوننا الروحى. ولنعتبر التقصير فى الصلاة شيئاً يجب الإعتراف عنه. والرب يبارك حياتنا.