الخادم… والكلمة

الرئيسية / الخادم… والكلمة

الخادم… والكلمة

1- الكلمة “الكيرجما”

 

الكلمة من أهم معالم طريق الملكوت.. وعلينا أن نفرق بين :

 

1- الكلمة الذاتى : وهو الأقنوم الثانى، اللوغوس Logos، الحكمة الإلهية – Word within.

2- الكلمة المنطوقة أو المقروءة أو المكتوبة : وهى الكلمة حين تخرج إلى أسماعنا، أو نقرأها فى كتاب، وتسمى Word without  لذلك فنحن ننطق الكلمة الأولى بالمذكر: “فِى الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ” (يو 1:1). فكلمة الله – حكمة الله – الله.

 

أما حينما نتحدث عن الكلمة الأخرى، فنتحدث بالمؤنث فهى ليست عقلاً أو أقنوماً، بل ألفاظاً تشرح شيئاً.

 

الخبر السار :

 

وخدمة الكلمة فى الكنيسة جوهرية لسببين :Bible-Reading-3

أ- “الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ” (رو 17:10).. أى أنه لكى يؤمن إنسان لابد أن يسمع أخبار الإنجيل السارة، ولذلك فلا إيمان دون سماع للأخبار السارة. ولا سماع للأخبار السارة دون خدمة كلمة، دون وعظ وتعليم بصور مختلفة لذلك يقول الرسول بولس: “وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟” (رو 15،14:10).

ب- “هَلَكَ شَعْبِى مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ” (هو 6:4) إذن فالكلمة أساسية للمعرفة، والمعرفة السليمة أساسية للخلاص، وإذا قصرنا فى توصيل كلمة الله للناس، نكون قد تسببنا فى هلاكهم.

أهمية الكرازة بالكلمة :

 

من هنا كانت أهمية الكرازة بالإنجيل، أن يصل الخبر السار، خبر الخلاص بالمسيح، إلى كل النفوس.. وأن يتعرف الناس على طريق الملكوت: معالمه، معوقاته، مشجعاته، ماذا يلزمنا لنسلكه بسلام وأمان.. إلخ.

 

ومن هنا كان جهد الكنيسة الدؤوب فى تعليم المؤمنين بعد حثهم على التوبة.. وهذان عملان متكاملان، ومتلازمان، فى الكنيسة: أن نحث الناس على التوبة، والرجوع إلى حضن الله وأن نسلمهم ونشرح لهم معالم الطريق بعد ذلك، ليسيروا فى الخط الروحى السليم، العمل الأول هو “الوعظ” والعمل الثانى هو “التعليم“. والإنسان المؤمن يحتاج إلى وعظ أولاً ثم تعليم، الوعظ يعيده إلى الحظيرة، والتعليم يعرفه كيف يستمر.

 

ولكن هذا لا يلغى أن الإنسان محتاج إلى وعظ يومى، بل حتى وعظ للنفس “عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ” (عب 13:3)، حتى لا يتوه فى شعاب الحرب الخفية والظاهرة، وحتى لا تبرد حياته بخطيئة محبوبة أو فتور روحى.

2- الرب يسوع.. انموذج الكارزين

 

إذا كان الرب يسوع هو مثال الكارزين، وقد ترك لنا مثالاً “تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ” (1بط 21:2)، وهذا ما فعله معلمنا بولس الرسول حينما قال: “مُتَمَثِّلِينَ بِى كَمَا أَنَا أَيْضاً بِالْمَسِيحِ” (1كو 1:11)، إذن فدراسة حياة السيد المسيح والإتحاد اليومى بشخصه، هما الركيزتان الأساسيتان للكارز المسيحى، فهو مجرد “سُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ” (2كو 20:5).. وهل يليق بالسفير أن يكون غريباً عن من يمثله؟!

 

فى الإنجيل إذن نجد الكثير عن الرب يسوع ككارز، وهذه مجرد أمثلة :

? “وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِى الصَّلاَةِ لِلَّهِ” (لو 12:6).

? “يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِى مَجَامِعِهَا” (مت 35:9).

? “لِنَذْهَبْ إِلَى الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ لأَكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضاً لأَنِّى لِهَذَا خَرَجْتُ” (مر 38:1).

? يخدم الجموع الكبيرة “الموعظة على الجبل” (مت 5).

? يخدم النفس الواحدة: زكا – السامرية – نيقوديموس – بولس.

? يتلمذ مجموعات للكرازة والإنتشار واستمرار العمل (انظر مر 7:6، مر 34:8).

? يقدم نفسه أنموذجاً للخادم الأمين (غسل الأرجل).

? يراعى الفروق الفردية بين أولاده (بطرس – يوحنا).

? يتحرك ببساطة مع تلاميذه فى الحقول.

3- الإنجيل مادة الكرازة

 

بماذا نكرز؟ بالأخبار السارة، وأخبار الخلاص، وأين نجدها؟ فى الإنجيل طبعاً (ايفانجيليون = الأخبار السارة).

 

من هنا كانت دراسة الخادم للإنجيل، هى بمثابة الدراسة المتخصصة فى أى مهنة كالطب عند الطبيب، والهندسة عند المهندس والقانون عند المحامى. وفى الإنجيل سوف نجد مادة دسمة للكرازة مثل :

أ- تعاملات الله مع شخصيات الكتاب : ابتداء من آدم وحواء إلى يوحنا الرائى، مروراً بأخنوخ ونوح وإبراهيم ويوسف وموسى ويشوع والقضاة والملوك والأنبياء، مدرسة جبارة تعطى دارسها خبرات، وعصارة حياة المئات من بنى البشر، فى تعامل الله معهم، وفى صراعات وجهادات الإنسان، من قيام إلى سقوط إلى توبة.. ومن خلاص إلى هلاك كيهوذا.. خبرات أساسية لنا جميعاً.

ب- كلمة الله.. تقدس الإنسان : “أَْنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِى كَلَّمْتُكُمْ بِهِ” (يو 3:15).. إذن فمجرد سماع كلام الله، وبالطبع الشبع به والعمل بحسبه، فيه تقديس للكيان الإنسانى.. لهذا أوصانا القديس أنطونيوس: “اتعب نفسك فى القراءة، فهى تخلصك من النجاسة“..

 

وهناك شعار جميل يقول: “يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس، ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس، يهمل الكتاب المقدس“.

4- قنوات توصيل الكلمة

 

ولعلنا نسأل: كيف نوصل كلمة الله لأخوتنا؟ هناك قنوات كثيرة جداً هذه بعضها :

1- الكلمات المنطوقة :

أى الكرازة بالإنجيل فى الإجتماعات الروحية، أو الزيارات العائلية أو فى العمل الفردى… واثقين أن كلمة الرب لا ترجع إليه فارغة (إش 11:55)، وأن واجب الخادم الكرازة.

2- الكلمة المسموعة :

وهى خدمة الكاسيت، الخدمة الممتازة والمؤثرة، حيث يفتح الناس الكاسيت فى المنزل أثناء ارتداء الثياب أو فى فترات الراحة العائلية، أو أثناء قيادة السيارة، أو الأقراص المدمجة CD، حينما تلازم من يعمل على الكمبيوتر أثناء عمله.. إلخ. لذلك فالإستماع إلى القداسات والألحان والعظات والترانيم، يقدس النفس والفكر والعقل.

3- الكلمة المقروءة :

فى الكتب، والكتيبات، والنبذات الروحية والمجلات.. وهو أسلوب هام رغم عزوف الأجيال المعاصرة عن القراءة.. الأمر المؤسف الذى سنحصده حتماً فى صورة ضحالة روحية وفكرية، وضعف فى قوى الإبداع البشرى فى الأدب والفن والثقافة، وبالأحرى فى الدين، لذلك فنحن نشجع الشباب على قراءة نبذة، ثم مجلة، ثم كتيب، ثم كتاب، ثم مرجع.. وهكذا حتى ينمو ذهنياً، ولا يترك عقله فى ركود أمام التليفزيون، الركود الذى أصاب الدنيا كلها: فكراً ونفساً وروحاً.. بل إن إغلاق التليفزيون فى بعض الفترات، كتجربة علمية، أثبت أنه أساسى :

 

1- لدعم الرابطة بين أفراد الأسرة.

2- لإقامة علاقات إجتماعية مع أسر أخرى.

3- لإقامة صداقات جديدة بناءة.

 

4- الكلمة المرئية :

كأفلام الفيديو أو حتى البروجكتور.. وسيلة عصر يجب استخدامها فى كنيستنا بأسلوب بناء، يبنى حياة الشباب، ويوازن أمام طوفان أفلام الفيديو الهابطة والمدمرة.

لكن هذا كله لا يصل بنا إلى شئ، طالما لم يصحب روح الله الكلمة إلى أعماق القلب، فتصير “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِى حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عب 12:4).

 

لذلك فما أشد الخطر الذى يتهدد حياتنا، إذا أهملنا فى قراءة الكتاب المقدس، بروح الصلاة والإحتياج، وطلب الفهم (understanding)، أى الوقوف (Stand)، تحت (under) مستوى كلمة الله، لكى تفحصنا وتكشف لنا أعماقنا، وتعرفنا الطريق، أما الذين يدرسون الكتاب ككتاب عادى، فسوف يفلت منهم روح الله، وتهرب عنهم قوة الخلاص، فالإنجيل هو الذى يدرسنا ولسنا نحن الذين ندرس الإنجيل.

فما هى طرق الإقتراب من كلمة الله؟

5- طرق الإقتراب من كلمة الله

 

الإنجيل المقدس، كلمة ممتدة، وحينما نطق بها الروح القدس على فم آبائنا الرسل، كان يقصد أن يكون لها “حضور وفعل” دائم خالد، ومستمر، فهى كلمة الله، والله خالد.

ولكن هناك شروط أساسية، يتطلبها الإقتراب من الإنجيل حتى نستفيد من الكلمة، ونكشف لنا عن سرها، وقوتها الفعالة: “اَلْكلاَمُ الَّذِى أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ” (يو 63:6)، روح: بمعنى أن الكلمة مكتوبة ومنطوقة بروح الله القدوس، وحياة: بمعنى أنها تحيى من يسمعها أو يقرأها.. طوبى.

 

شروط الإقتراب من كلمة الله :

 

فى العهد القديم طلب الرب من موسى، ومن الشعب قداسة خاصة، وتقديساً خاصاً.. قداسة شخصية.. نظافة جسد.. وفكر ونفس، وروح! وتقديساً لصاحب الكلمة.. خشوعاً ورهبة ورعدة. وهذان هما الشرطان الأساسيان لقراءة الإنجيل: القداسة الشخصية بمعنى تخصيص القلب لله.. فالقداسة لا تعنى عدم الخطية، بل تكريس القلب.. وجهاد الإنسان بكل قوته، حتى لا نخطئ، فإذا ما أخطأ يعود سريعاً. أما التقديس فمعناه أن “الله يتكلم، فلنسمع بخشوع“.

 

من هنا كان الجهاد الروحى والإتضاع أمام الله؛ شرطان أساسيان للإستفادة من التوبة، فإن الإنجيل يتحول فى حياتهم إلى تبكيت وإدانة.. فإن استجابوا ورجعوا إلى الله.. استفادوا. أما إذا استمروا فى كبرياء عقلى أو نجاسة ولا مبالاة.. فالكلمة ستدينهم.

1- الأسلوب الشخصى :

أو “أسلوب البوسطة” أى الرسالة الشخصية.. ونقصد أن يفتح الإنجيل يومياً، ويستحسن أن يكون ذلك فى الصباح الباكر، ونقرأ إصحاحاً بإنتظام، ونتسمع صوت الله إلينا، ورسالته المرسلة فى صندوق بريدنا اليوم ويمكن أن تكون الرسالة آية معزية، أو وعد مشجع، أو معجزة تؤكد لنا إمكانيات الله اللانهائية.. إلخ..

2- أسلوب الخبرات :

والمقصود به أن أقرأ العهد القديم، لأتعرف على عمل الله مع الإنسان، عبر الأجيال المتعاقبة، وآخذ لنفسى خبرات من ذلك، فالكتاب مدرسة إختبارات، فإذا قرأت فى العهد القديم (وليتك تقرأ 3 إصحاحات يومياً من العهد القديم وإصحاح من العهد الجديد لتنتهى من الكتاب المقدس كله مرة سنوياً)، ستأخذ خبرات متتالية مثل: خبرة سقوط حواء بسبب حوارها مع الحية، وإنتصار يوسف بسبب حسمه للموقف – خبرة سقوط آدم لسهولة تسليمه إرادته لحواء، وإنتصار إبراهيم الذى كان تحت قيادة الله فقط، خبرة سقوط شمشون وداود بالتهاون، وإنحدار سليمان إلى الأوثان، حينما تحكمت فيه الشهوة.

3- أسلوب الدراسة :

وهذا الأسلوب ثرى جداً، ومشبع للغاية، حينما أدرس سفر كل شهر، مستعيناً بأحد كتب التفسير الكنسية، التى تعطينى مع الشرح السليم روح الآباء وأسلوب استيعابهم لكلمة الله. وطبعاً الدراسة تحتاج إلى صبر وجهد فكرى، وربما تعلم لغات قديمة وحديثة، ومقارنات للتفسيرات المختلفة، وعمل ملخصات وجداول.. ولكنها بالقطع طريقة مشبعة جداً، تشغل فكرك بما يبنى، وتعطيه مادة للخدمة، وتبنى حياتك بناءاً كتابياً سليماً.

إذن فلو أنك قرأت إصحاحاً فى العهد الجديد يومياً.. بطريقة شخصية.. مع ثلاثة إصحاحات من العهد القديم.. بطريقة اكتساب الخبرات.. ودراسة سفر شهرياً مستخدماً كتاب تفسير.. فسوف تقرأ الكتاب المقدس كله مرة سنوياً، وتدرس أثنى عشر سفراً من أسفاره أيضاً وما أعظمه من شبع.. فالإنجيل خبز مشبع.. “لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ” (مت 4:4). وهو أيضاً ماء يغسل.. “خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِى قَلْبِى لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ” (مز 11:119) كما أنه نور يهدى “سِرَاجٌ لِرِجْلِى كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِى” (مز 105:119). فلنذكر دائماً نصيحة قداسة البابا شنوده الثالث “إحفظوا الإنجيل.. يحفظكم الإنجيل“.

مشاركة المقال