المسيحية والغيبيات… نيافة الأنبا موسى

الرئيسية / المسيحية والغيبيات… نيافة الأنبا موسى

FB_IMG_1461075848790

يلجأ بعض الناس إلى الغيبيات التى أغلبها يرتبط :الشيطان وحيله ومكائده. وكأمثلة لذلك نذكر :

1- السحر

2- أدعياء السحر

3- العرافة وطلب الجان

4- الإجازة فى النار

5- استشارة الموتى

6- التفاؤل والتشاؤم

7- التنجيم والأبراج

8- الفنجان والرمل والودع والتعزيم

9- قراءة الكف

10- الأحلام

11- الرؤى الكاذبة

12- سكنى الأرواح الشريرة 13- الأنبياء الكذبة 14- المسحاء الكذبة 15- عودة التجسد

16- الأحجبة 17- الرسائل التى للنسخ 18- تغييب العقل

19- طلب الخوارق :

لقد أوصانا الرسول: “امتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن” (1تس 21:5).. لهذا يجب ألا نجرى وراء “الخوراق” أو نطلبها بإلحاح، تاركين الرب لكى يفعل مشيئته المقدسة فى حياتنا. ومثال ذلك من تصلى من أجل مريض محبوب، متشفعة بالقديسين أن يجرون معجزة، فإن لم يفعلوا ذلك قاطعت القديسين، وسقطت فى حزن ويأس، فريسة ليد الشيطان.

نحن نطلب تدخل الرب، وحتى إجراء معجزة، لكننا نترك له أن يتمم مشيئته، فهى الأفضل لنا وللجميع. وهذا

ما فعله داود النبى فى مرض ابنه، إذ صام وصلى وإنسحق أمام الله، وعندما مات الطفل نزع عنه صومه وتذللـه وقال: “أنا ذاهب إليه، وأما هو فلا يرجع إلىّ” (2صم 23:12). وهكذا عاش التسليم والسلام معاً!!

والسؤال الآن هو :

كيف نتعامل معها ؟

هناك عدة مبادئ يجب أن نلتزم لها، فى التعامل مع هذه الغيبيات، منها:

1- لا نلجأ إلى الغيبيات بل إلى الله :

لأن طلب المعرفة والمعونة من غير الله، هو خطية كبيرة، فالمصدر الجوهرى لهذه الغيبيات هو الشيطان، فهو الذى يعمل فى السحر، وتحضير الأرواح، والعرافة، واستشارة الموتى، وغير ذلك. واللجوء إلى الشيطان فيه نوع من عدم الثقة فى الله، وفى محبته، وخيريته، وقدرته. وهذا نوع من الإلحاد العملى، حتى إذا قال من يمارسون ذلك أنهم يؤمنون بالله!

من هنا يجب أن يتوب أى إنسان سار فى هذا الطريق، طريق “الأعمال والأحجبة” وغير ذلك. ولاشك أن التوبة بابها مفتوح للجميع، ومغفرة الرب جاهزة لكل من يرجع إليه. وهو الذى قال: “من يقبل إلىّ، لا أخرجه خارجاً” كما قال القديسون: “ليست خطية بلا مغفرة، إلا التى بلا توبة”.

إن عدو الخير يتظاهر بصنع الخير عن طريق أجناده، حينما يقومون بعمل هذه “الأعمال أو الأحجبة”، فواحد من الشياطين يقوم بالإيذاء، والآخر يتظاهر بمنح الشفاء، فيعود الأول ليمارس دوره، فيلجأ الإنسان إلى الشيطان الآخر ليريحه، وهى – بلاشك – دوامة رهيبة، تفرح قلب الشيطان الأثيم، الذى يستحيل أن يريد الخير للبشر، بل يشاء أن يسقطهم فى حيائله وحيله ودواماته، فيبعدهم عن إلههم المحب، وفاديهم القدوس. ولذلك يقول الرسول بولس: أننا – كأولاد الله – “لا نجهل أفكاره” (2كو 11:2). ويوصينا معلمنا يعقوب: “قاوموا إبليس فيهرب منكم” (يع 7:4).

لقط سقط الشيطان بالصليب، لذلك قال رب المجد: “رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء” (لو 18:10).

2- الإيمان لا يلغى العقل :

يتصور البعض أن العقل يلغى الإيمان، أو أن الإيمان يلغى العقل. والحقيقة أن العقل وزنة من الله، فهو الذى وضع فينا هذه الروح العاقلة، والإيمان أيضاً “عطية الله” (جا 13:3)، فهو الذى يشرق فى قلوبنا لمعرفة المسيح. ودور الإنسان هو أن يتعقل ليؤمن، وأن يؤمن ليتعقل. بمعنى أنه حينما يفكر بعقله فى هذا الكون الفسيح، ويرى يد المهندس الأعظم تنظمه بعد أن تخلقه، وتحفظه بيد قديرة عالية، يؤمن بالخالق الذى خلقه.

الإيمان فوق العقل، وليس ضد العقل. والإيمان بالنسبة إلى العقل، كالتلسكوب بالنسبة إلى العين المجردة، فالعين المجردة تبدأ، ولكنها محدودة، فيأتى الإيمان ويكمل لها الطريق فترى ما لا يرى، وتثق فى وجود الله الذى هو فوق العقل وفوق الحواس. وكما أن العين والتلسكوب لا يغنى أحدهما عن الآخر، كذلك العقل والإيمان يتكاملان.

لذلك لا يليق بالمسيحى أن يلغى عقله، أو أن يسمح لآخرين بأن يتحكموا فى عقله بعملية “غسيل مخ”

(Brain wash) أو ما يسمى علمياً “بالتحكم العقلى” (Mind Control)، وهذا ما نراه فى الجماعات المتطرفة، حينما تسلم الجماعة عقلها للقائد، فيدمرهم ويدمر بهم كثيرين.

3- النعمة لا تلغى الجهاد :

فنحن نؤمن فى حياتنا الأرثوذكسية بدور فاعل لكل من الجهاد والنعمة. والإنسان لا يخلص بالنعمة فقط، لكن بالجهاد أيضاً. ولا يخلص بالإيمان فقط، لكن بالأعمال أيضاً. لأن “الإيمان بدون أعمال ميت” (يع 20:2). وهذا

ما يسميه بعض الكتاب “السينرجية Synergism” أى “العمل المشترك: الله والإنسان”.

وكلنا نذكر سؤال الرب للمفلوج: “أتريد أن تبرأ؟!” (يو 6:5)… وتوبيخ الرب لأورشليم: “كم مرة أردت.. ولم تريدوا” (لو 34:13)… وقول القديسين: “الله الذى خلقك بدونك، لا يخلصك بدونك”.

لهذا فالمسيحى الأمين لا يلجأ إلى الغيبيات، ويمكث سلبياً فى انتظارها. بل عليه أن يجتهد ويكون أميناً فيما يقدر على فعله، تاركاً للرب بقية الأمر. أما أن يهمل طالب فى المذاكرة، ويتكل أن شخصاً ما سيصلى من أجله، أو يفتح له الكتب على صفحات معينة.. فهذا غير مقبول. والرب الذى قال لنا: “بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو 5:15)، هو الذى أوحى للرسول بولس أن يقول: “أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى 13:4).

4- المعجزات لا تلغى الأمور الطبيعية :

فالله يستخدم المعجزة، ولكنه لا يجعلها منهجاً للحياة الروحية واليومية، ومع أنه قادر على الشفاء، إلا أنه أوجد لنا الطب والأطباء. لهذا لا يليق بالمسيحى أن يطلب معجزة فى كل شئ من أموره اليومية: كالنجاح بدون مذاكرة، أو الشفاء بدون عملية ودواء، أو البناء والزرع والإثمار بدون مجهود بشرى.

بل أن الرب كثيراً ما يحجب عنا المعجزة، فلا يسمح بشفاء مريض، بل ربما يسمح بإنتقاله. فهل نفقد إيماننا أن المعجزة لم تحدث؟! المعجزة لها أهدافها، فى دفع غير المؤمنين إلى الإيمان، أو فى تشجيع روحى فى ظرف ما، أو فى إظهار مجد الله أمام غير المؤمنين به (مثل معجزة نقل المقطم).. ولكن هذا لا يعنى أن نحيا بالمعجزات ونتوقعها فى كل شئ أو موقف أو احتياج. فالله له مشيئة مقدسة، يعرف متى يجرى المعجزة، ومتى يترك الحياة تسير على طبيعتها. وعلى الإنسان أن يدرك أن الرب “صانع الخيرات”، سواء إذا صنع معجزة معـنا، أو إذا سمح بتجربة، أو مرض، أو وفاة.. الخ.

إن اللجوء إلى الغيبيات لتصنع معنا “معجزات”، أمر خطير لعدة أسباب :

1- أنها ستكون “معجزات وهمية” من فعل عدو الخير، الذى لا يصنع الخير معنا أبداً، بل يقصد أن يخضعنا لتأثيراته الشريرة، ويغرقنا فى دوامته المهلكة.

2- أنها طريق للسقوط الدائم فى حبائل إبليس، ليكون هو المسيطر علينا بدلاً من الله.

3- أنها سرعان ما تنقلب إلى ايذاء الإنسان، بعد أن يكون قد استسلم لعدو الخير، وهو إيذاء روحى وفكرى ونفسى وبدنى..

مشاركة المقال