أعياد التجسد الإلهى – نيافة الأنبا رافائيل

الرئيسية / أعياد التجسد الإلهى – نيافة الأنبا رافائيل

 الكنيسة على الأرض هى عروس السيد المسيح المتغربة “غريب أنا فى الأرض” الميلاد

(مز 19:11)، وهى سفارة السماء فى الأرض “لذا نسعى كسفراء عن المسيح” (2كو 20:5)..

جاءت هنا لتقدس الزمان وتمسحه بمسحة أبدية، ولتقدس الأرض وتعطيها نكهة سمائية “حتىإذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعاً معه” (1تس 10:5).

“فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شئ لمجد الله” (1كو31:10). 

وفيما تقدس الكنيسة الزمان فإنها تستحضر السيد المسيح، بكل أفعاله، وحياته؛ لنعيشها

أو ليعيش هو بها فينا.. والمحور اليومى لتقديس الزمان هو الأجبية والقداس والتسبحة..

أما المحور السنوى لاستحضار حياة السيد المسيح فينا فهو الأعياد والمناسبات.

وهذا المحور السنوى ينقسم إلى قسمين : 

أ- محور التجسد الإلهى ومركزه عيد الميلاد. 

ب- محور الفصح الإلهى ومركزه عيد القيامة. 

التجسد الإلهى : FB_IMG_1434811028857

أعياد التجسد الإلهى هى

1- عيد البشارة 29 برمهات / 7 إبريل.

2- عيد الميلاد 29 كيهك / 7 يناير.

(لاحظ المسافة الزمانية بينهما هى 9 شهور بالتمام وهى فترة الحمل الإلهى).

3- عيد قتل أطفال بيت لحم 3طوبى/11يناير. 

4- عيد الختان 6 طوبى / 14 يناير (أسبوع بعد الميلاد). 

5- عيد الغطاس 11 طوبى / 19 يناير. 

6- عيد عرس قانا الجليل 13طوبى/21يناير.

7- عيد دخول المسيح الهيكل 8 أمشير / 

15 فبراير (40 يوم بعد الميلاد).

هذه الأعياد السبعة يمكن تلخيص قيمتها اللاهوتية وأهميتها لحياتنا فى جملة صغيرة

تستخدمها الكنيسة فى التسبحة اليومية وهى “هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له” (ثيؤطوكية

الجمعة). 

دعنا الآن نرى ماذا أخذ وماذا أعطانا فى كل عيد من هذه الأعياد : 

1- عيد البشارة المجيد:

فى البشارة تم التجسد لذلك فمرد إنجيل عيد البشارة هو “يسوع المسيح إبن الله تجسد من العذراء” والتجسد ببساطة يعنى إتحاد اللاهوت بالناسوت.

اللاهوت هو الطبيعة الإلهية  والناسـوت هـو الطبيعــة الإنسانية.. وواضح طبعـاً

أن قبل التجسد لم يكن لله طبيعـة إنسانية، ولا جسد إنسانى… فهذا ما أخذه فى التجسد، إنه أخذ الذى لنا أى (الطبيعة الإنسانية)… أخذ جسم بشريتنا (كو 22:1).

وفى المقابل أعطانا لاهوته.. أعطانا أن نكون “شركاء الطبيعة الإلهية” (2بط 4:1).

لاحظ هنا أن التعبير (أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له) لا يعنى إطلاقاً تبادل المواقع،

أى صار هو إنساناً، وصرنا نحن آلهة.. إنما ما حدث هو التشارك، لقد شاركنا فى

بشريتنا لنشاركه طبيعته الإلهية.. أى نشاركه حياته الإلهية وقداسته وبره وسلطانه

ومجده “من يغلب؛ فسأعطيه أن يجلس معى فى عرشى كما غلبت أنا أيضاً، وجلست مع أبى فى عرشه” (رؤ 21:3)، لقد سبق واتحد ببشريتنا لكى نتحد به (فى التناول من جسده ودمه).

2- عيد الميلاد المجيد:

 ما استجد فى التدبير الإلهى هو أن السيد المسيح ولد من العذراء.. ومعروف (فى قانون الإيمان) أن المسيح “مولود من الآب قبل كل الدهور مولود غير مخلوق”.. أى أنه إبن الآب.. إبن الله منذ الأزل.. إذن فماذا استجد فى عيد الميلاد؟.. 

ما حدث هو أن إبن الله صار إبن الإنسان بالحقيقة.. فهو أخذ بنوتنا لآدم بميلاده من

العذراء.. وفى المقابل ماذا نتوقع أن يعطينا إلا بنوته لله؟! لقد صار إبن إنسان

لنصير نحن به أبناء الله، وينطبق علينا القول الإلهى “الذين ولدوا ليس من دم ولا من

مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله” (يو 13:1). 

لقد شاركنا فى بنوتنا لأدم لكى نشاركه بنوته للآب… هو إبن للآب بالحقيقة والطبيعة

ونحن أبناء الآب بالنعمة وبالتبنى، ونحن أبناء آدم بالطبيعة وهو صار إبن آدم

بالتجسد.

3- عيد قتل أطفال بيت لحم:

 أنها مجزرةرهيبة، ومذبحة بشرية عنيفة، أستقبل بها الناس مولد السيد المسيح، وكأن البشرية تعلن فى يأس واحتضار أن هذه هى إمكانياتها “الموت”، أما السيد المسيح فقد جاء ليغلب هذا “الموت” ويعطينا “الحياة” بموته عنا، لذلك فهو أخذ الموت (الذى لنا) وأعطانا الحياة(التى له).

4- عيد الختان:

فى الختان والأعياد المناظرة توجه الكنيسة أنظارنا إلى:

أن السيد المسيح قصد أن يتمم كل بر الناموس من أجلنا.. لماذا؟.. إذ كانت البشرية

عاجزة عن أن تتبرر بتنفيذ الناموس، جاء السيد المسيح ليتمم عنا هذا الناموس الثقيل..

وهذا التتميم لم يكن السيد المسيح محتاجاً إليه، إنما نحن – البشرية – كنا محتاجين..

لذلك تممه السيد المسيح عنا، ولحسابنا، فصار كل بر السيد المسيح مخزوناً فى الكنيسة

لصالح المؤمنين.. كل من يريد أن يتبرر اليوم، فليدنو ليغترف من بر السيد المسيح

بغنى وسخاء.. ذلك البر المعلن فى الافخارستيا والمعمودية والليتورجيا.. لقد ناب

السيد المسيح عنا فى حمل الناموس، ليعطينا من بره المجانى بالإيمان بدمـه المسفـوك

علـى  الصليب، والمعطى فى الإفخارستيا.

إذاً ففى عيد الختان أخـذ السيـد  المسيح بر الناموس ليعطينا بر الإيمان وهذا ما تعبر عنـه الكنيسـة فـى  القداس الغريغورى “أكملت ناموسك عنى”.

5- عيد الغطاس:

فى عيد الغطاس شقان :

أ- تتميم البر :

وهذا ما تحدثنا عنه فى عيد الختان.. فالسيد المسيح  لم يكن محتاجاً للمعمودية بشهادة يوحنا

نفسه  (مت 14:3)، ولكنه اعتمد للتوبة من أجلنا.. من أجل توبتنا نحن، ليعطى

توبتنا حافزاً وتشجيعاً، بل أيضاً قوة وقبولاً.. فكل من يتوب اليوم، إنما يغترف

بغنى وسخاء من معمودية السيد المسيح، فتصير توبته ذات معنى وقبول وقيمة، ولولا

معمودية السيد المسيح ما كان لتوبتنا ومعموديتنا معنى أو قيمة أو قبول أمام الله

الآب. فالسيد المسيح فى المعمودية أخذ بر العماد؛ ليعطينا بره بالإيمان بدمه.

ب- ما حدث عند صعود السيد المسيح من الماء : 

 السماء قد انفتحت له (مت 16:3) لم يكن السيد المسيح محتاجاً لأنفتاح السماء أمامه

– فهو رب السماء والأرض – لكننا نحن المحتاجين فى الحقيقة أنها لم تنفتح أمامنا منذ

آدم وها قد انفتحت للبشرية اليوم فى السيد المسيح.. ولعل السيد المسيح قصد أن يرينا

انفتاح السماء الآن ليربطها بمعموديتنا. لقد فتح السماء بصليبه وقيامته، ولكنها

تنفتح لنا فردياً بالمعمودية حيث ندفن ونقوم معه.

 

 الروح القدس الذى نزل واستقر عليه  (يو 1: 32-33) أن الروح القدس هو روح

السيد المسيح.. ومتحد به منذ الأزل وإلى الأبد  ولا يمكن تخيل أن السيد المسيح

منفصل عن الروح القدس أو الآب، بل هم فى وحدة كاملة.. فلماذا حل عليه الروح القدس؟

إنه بكل تأكيد كان من أجلنا.. لقد فتح المسيح الطريق أمامنا لنتقبل الروح القدس..

عندما قبل الروح فى الأردن سجل للبشرية سبقاً يحتذى به، ومبادرة نطالب بالمعاملة

بمثلها.. لقد كانت العلة التى توجب حلول الروح القدس، أن الذى فى الماء هو الإبن..

لذلك فكل من يريد أن يقبل الروح القدس، يجب أن يكون إبناً أولاً (بالمعمودية) “ثم

بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم” (غل 6:4)، فى عيد الغطاس أخذ الله

بشريتنا وأعطانا روحه القدوس.

 صوت الآب “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت 17:3) أيضاً لم يكن السيد المسيح

بحاجة إلى هذا الإعلان إذ هو الإبن الوحيد الحبيب، موضع سرور الآب منذ الأزل وإلى

الأبد.. ولكننا سمعنا هذا الصوت الإلهى فى السيد المسيح.. لم يكن له، بل لنا.. البشرية صارت فى السيد المسيح “الإبن الحبيب الذى به سررت”. إن كل طفل يخرج من ماء

المعمودية يحدث معه هذا: السماء تنفتح له، والروح القدس يسكن فيه (بالميرون)، والآب

يشهد له أنه إبن حبيب وموضع سروره.

6- عيد عرس قانا الجليل:

ما حدث فى قانا الجليل هو تحويل الماء إلى خمر، بقوة لاهوت السيد المسيح، وبكلمته الخالقة، لكن دعنا نتعمق الأحداث:

أ- كانت هناك ست أجران (الماء) حسب تطهير اليهود.. ولكن ماء اليهود لا يطهر إلا

نظافة الجسد فقط.. فأراد السيد المسيح أن يعطينا مادة جديدة للتطهير، وهى دمه

الإلهى (فى صورة خمر جيد) يطهر أعماق النفس “ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل

خطية” (1يو 7:1).

 لقد أخذ الذى لنا الماء الساذج، وأعطانا الذى له (دمه الحقيقى) لنتطهر به. ب- وخمر  العريس الأرضى فرغت، رمزاً للفرح الزائف والزائل.. فالسيد المسيح أعطاهم خمر  العريس السماوى، الذى لا يفرغ أبداً، وهو الفرح الدائم الحقيقى، الذى عبر عنهرئيس المتكأ بأنه خمر جيد.

7- عيد دخول السيد المسيح الهيكل

 لقد قدموه إلى الهيكل لتقديم ذبيحة تطهير؟‍‍‍‍‍‍!.. تطهير لمن؟ للسيد المسيح؟! أم لأمه

العذراء ذات كل الطهر؟. إنه تطهير لكل البشرية.. لم يكن السيد المسيح أو أمه بحاجة

إلى هذه الذبيحة للتطهير، بل نحن الذين تطهرنا ليس بحمام ويمام، بل  “بدم كريم

كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح” (1بط 19:1).

فهو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له. نسبحه ونمجده ونزيده علواً إلى الأبد.

مشاركة المقال