Tag Archives: التكريس البتولى

الرئيسية / Posts tagged "التكريس البتولى"

الرهبنة سبق تذوق للخلود

الرهبنة فى جوهرها هى “الانحلال من الكل، للارتباط بالواحد” حبًا فى الله، واكتفاء به نصيب أبدى.

كيف نشأت الرهبنة فى مصر ؟

كما أن مصر هى أم الحضارات (حضارة 7000 سنة)، فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية فى مصر، هى أم الرهبنة المسيحية فى العالم. والقديس الأنبا أنطونيوس المصرى (251-356م)، هو أب جميع الرهبان. والسبب فى ذلك أن القديس أنطونيوس الذى عاش فى القرن الرابع الميلادى، هو مؤسس الرهبنة فى مصر، حيث كانت الرهبنة تقتصر قبل ذلك على متوحدين يسكنون الصحراء فرادى، يعبدون الله أثناء الليل وأطراف النهار، إلى أن جاء الأنبا (الأب) أنطونيوس، وعاش مثلهم: فاجتمع حوله الآلاف، ولذلك أسس لهم ديرًا، وكان الأنبا أنطونيوس يتنقل بين المتوحدين فى البرارى، يسألهم ويستمع إليهم، ويشبع
من تعاليمهم وروحياتهم، إلى أن اعتكف فى الميمون، ثم وضع لتلاميذه أسس “الديرية”، والحياة الرهبانية.

1- من هو القديس أنطونيوس ؟

هو شاب قبطى (مصرى) غنى، من قمن العروس (الواسطى – بنى سويف)، كانت له أخت شقيقة، ومات والداه، وتركا له مساحة شاسعة من الأرض الزراعية المثمرة. ولكنه فى يوم ممات والده، نظر إلى الجثمان المسجى على الأرض، وقال فى نفسه مخاطبًا أباه: “ها أنت يا أبى تخرج من هذا العالم بغير إرادتك، أما أنا فسوف أخرج منه بإرادتى”. ووزع كل ماله على الفقراء، وأودع أخته فى بيت للعذارى، ومضى ليتوحد فى الصحراء الشرقية.

ويذكر تاريخ الكنيسة أن الأنبا أنطونيوس بدأ نسكياته (أصوامه، وصلواته، وسجداته) على شاطئ النيل، فى قرية دير الميمون (حيث سميت كذلك تيمنًا “بالميمون” أى “المغبوط” أنطونيوس). وبينما هو يصلى ويقرأ فى الكتاب المقدس، جاءت امرأة لتغسل قدميها فى النهر، فعاتبها قائلاً: “كيف تفعلين ذلك أمام راهب؟”. فأجابته قائلة: “راهب!! الراهب لا يسكن فى المدن، بل يذهب إلى عمق الصحراء”. فأعتبر هذا صوتًا من الله، ودخل حتى إلى شاطئ البحر الأحمر، فى “البرية الجوانية” حيث ديره المقدس القابع هناك. وبدأ كثيرون يجتمعون إليه، يطلبون إرشاده الروحى.. ومن هنا صار المكان ديرًا يضم المئات من عابدى الرب، ومسبحى اسمه القدوس. وبعدها جاء الأنبا بولا ليكوّن مجموعة من الرهبان ثم ديرًا، وانتشرت الرهبنة فى كل مكان بعد ذلك.

منهج الصلاة والعمل :

حينما بدأ أنطونيوس حياة الصلاة الدائمة، شعر بالملل، فظهر له ملاك من الله، يلبس الرداء الأسود، والقلنسوة (غطاء الرأس للرهبان)، يصلى قليلاً، ثم يجلس ويضفر الخوص بيديه قليلاً. وقال له الملاك: افعل هذا فتطرد الملل. ومن وقتها صار الرهبان يلتزمون بالحياتين معًا: التأمل والصلوات الكثيرة، وعمل اليدين، ليعيشوا منه، ويتصدقوا بالباقى على الفقراء.

وطبعًا كان أهم عمل يدين ممكن فى ذلك الوقت، هو ضفر الخوص (سعف النخل) المتواجد فى البرية، وصنع السلال. وكان أحد العلمانيين (أى المدنيين) يتعهد بالمجئ إلى الدير كل أسبوع، ليأخذ السلال، ويبيعها، ويشترى للرهبان حاجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ودواء.وقد تطور عمل اليدين الآن إلى زراعة مساحات كبيرة من الصحراء، أصبحت تنتج إنتاجًا وفيرًا ومتميزًا، حيث يتم استخدام أحدث الأساليب العلمية فى رعايتها، وإنمائها، وتصنيع منتجاتها، وذلك وفاء لاحتياجات الرهبان الذين صاروا بالمئات، وكذلك لخدمة المنطقة المحيطة بالدير، وكانت تضم الكثير من الفقراء.

2- كيف يتم إختيار الرهبان ؟

أ- يتردد الشاب المحب للرهبنة (وينطبق هذا على الراهبات أيضًا)، على الدير، لفترة مناسبة، بعد أن يكون قد أنهى دراسته (غالبًا الجامعة) وفترة تجنيده، واستلم عملاً..
ب- حين يتم اتخاذ قرار دخول الدير، بموافقة اب اعترافه  ورئيس الدير، يترك الشاب عمله واسرته،ويلتحق بالدير، ولا يجوز الرهبنة بعد سن 35 عاما.
ج- يستمر طالب الرهبنة ثلاث سنوات فى ملابس بيضاء، يمتحن فيها نفسه، ويمتحنه فيها الدير.. ثم  تتم رهبنته، ويلبس الملابس السوداء، والقلنسوة التى تحمل 13 صليبًا تمثل السيد المسيح والأثنى عشر تلميذًا، إشارة إلى أنه متشبع بفكر المسيح والآباء الرسل، وحياتهم المقدسة. ويصلى عليه صلاة الراقدين، علامة أن هذا الإنسان “مات” عن العالم والمادة والأرضيات، ليحيا لله والملكوت السماوى.
د- بعد الرهبنة يكون الراهب تحت إرشاد مباشر من أب روحى مختبر، وتحت ملاحظة مستمرة من إدارة الدير، سواء فى حياته الروحية ، أو فى خدمته بالدير، أو فى المسئوليات التى تسند إليه، أو فى سلوكياته العامة مع الرهبان والزائرين، أو فى نزوله إلى المدينة بتكليف من رئاسة الدير لبعض المهام..
ه‍- القاعدة العريضة من الرهبان – بنعمة الله – تسلك السلوك الحسن، أما الأقلية الصغيرة التى تميل نحو الخطأ، فيتم توجيهها ونصحها وتحذيرها وتقويمها. فإن أصر أحد على الانحراف عن السلوك الرهبانى، تتم محاسبته عن طريق لجنة شئون الرهبان، المنبثقة عن لجنة شئون الأديرة، وكلها من الآباء الأساقفة رؤساء الأديرة.. وذلك لاتخاذ اللازم نحو إجراءات روحية، أو ربما تجريد كامل، حسب نوع وحجم الخطأ فيتخذ نحوه الإجراءات. وحتى فى هذه الحالة يتم مراعاة الأخ إنسانيًا وماديًا، ليستقر فى حياة جديدة مدنية، إذ تتم مساعدته فى الحصول على عمل أو بدء مشروع يعيش منه. وبالطبع يبقى القرار فى يده، أن يحيا بطريقة مقدسة، أو أن ينحرف!

3- جوهر الرهبنة:

إن الرهبنة فى جوهرها كما علمنا الآباء القديسون هى “الانحلال من الكل، للارتباط بالواحد”.. أى الابتعاد عن البشر جميعًا، حبًا فى الله، واكتفاء به نصيب أبدى.

وتعتمد الرهبنة على أساسيات هامة مثل :

1- البتولية : أى عدم الزواج مدى الحياة، وهذا  ليس انتقاصًا من قدسيته وكرامته، فالزواج فى الكنيسة أحد الأسرار السبعة المقدسة، إذ فيها يتحد العروسان معًا، ليصيرا واحدًا بالروح القدس، ويكونان أسرة مقدسة مع أبنائهم وبناتهم.

+أما البتولية فهى دعوة إلهية يخص بها الرب بعض أبنائه وبناته، إذ أن “كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ” (مت 16:20)، فيشعر الواحد منهم أنه لا يحتاج إلى زواج، بل يحس بالسعادة الغامرة فى التسامى بطاقاته المختلفة، لتصير طاقة حب لله والإنسان، وليتفرغ نهائيًا للصلوات والعبادة، طلبًا لحياة القداسة والكمال، متشبهًا بالملائكة، الذين لا يكفون عن العبادة والتسبيح، أمام إلهنا العظيم. “عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ..” (إش 6:62)، فالرهبنة – إذن – هى سبق تذوق للخلود.

2- الوحدة والإنفراد : فالراهب الأمين، كثير الاختلاء والصلوات، فى البرارى والجبال، قال معلمنا بولس الرسول عن الرهبان: “وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِى بَرَارِىَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ” (عب 38:11). حيث كانت الرهبنة الانفرادية موجودة فى أيام يوحنا المعمدان (قبل ميلاد السيد المسيح مباشرة)، فى طائفة تدعى “الاسينيين” ولما جاءت المسيحية، تم تعميد هذا الاتجاه، لتصير “الرهبنة المسيحية”.

3- العفة والتجرد : بمعنى أن يتعفف الراهب حتى عن المقبول ، فينسى المال والمقتنيات والأرضيات ويحيا حياة ( الفقر الاختيارى) بفرح، واضعاً العالم وراء ظهره، رافعًا قلبه إلى السماء، وممتدًا ببصره نحو الحياة الابدية والخلود. وما ينطبق على المادة ينطبق على الجسد والحسيات والشهوات الأرضية المختلفة، كما ينطبق  ذلك على كل ما فيه تضخيم للذات الإنسانية ، والهروب من من مناصب وأمجاد عالمية زائفة. واضعا السيد المسيح فقط نصب عينيه هو شبعه وفرحه الوحيد فى هذا العالم.”معك لا اريد شيئا على الارض”.

4- الطاعة : فالهدف الأساسى للرهبنة هو “قطع المشيئة”، أى أن لا يكون للإنسان مشيئة خاصة ذاتية، فهو لا يريد شيئًا سوى الله. حتى ميراث الملكوت وأمجاد السماء ليست هدفه فى الحياة، فما قيمة هذه الأمجاد بدون الله؟! إنه لا يجاهد ضد الخطيئة خوفًا من عقاب، ولا يتطلع إلى الخلود طمعًا فى ثواب، بل هو يطلب الله، والله وحده!! فهو غير المحدود، إذن.. السيد المسيح عريس النفس هو النصيب الصالح، الذى لن ينزع منا إلى الأبد!!

– “نَصِيبِى هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِى” (مرا 24:3).
– “مَنْ لِى فِى السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا” (مز 25:73).

لهذا يطيع الراهب تعليمات أبيه الروحى، وتكليفات وإرشادات ونظام الدير الإدارى، فى روح التواضع الجميل، الذى يرى فى الطاعة كل البركة.. عملاً بقول الكتاب: “أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ” (عب 17:13).. لأننا “سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ” (أع 15:27).

4- كيف انتشرت الرهبنة القبطية فى العالم ؟

1- حدث ذلك حينما نشر البابا أثناسيوس الرسولى سيرة القديس أنطونيوس فى أوروبا، أثناء نفيه هناك، حيث كان قد تتلمذ على يدى القديس أنطونيوس لثلاث سنوات.
2- الكتب التى كتبها النساك والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر، وشاهدوا أنظمة الرهبان، ودرسوا تعاليمهم وأقوالهم، وتقابلوا مع آباء البرية الكبار، وسجلوا كل ذلك فى شهاداتهم مثل: باليديوس، وكاسيان، وروفينوس، وجيروم..
3- الرهبان المصريون الذين انتشروا فى بلاد أخرى كإنجلترا، وايرلندا، وأثيوبيا، وأرتيريا، أو الرهبان الأجانب الذين عاشوا الرهبنة فى مصر، ثم عادوا إلى بلادهم، مثل: هيلاريون مؤسس الرهبنة فى فلسطين والأردن وسوريا، وباسيليوس الذى أسسها فى آسيا الصغرى، ومار أوجيه فى العراق، وأبيفانيوس فى قبرص.

5- ما هو دور الرهبنة الآن ؟

كان دور الرهبان – ولا يزال أساسيًا – فى حياة الكنيسة، ولذلك حرص قداسة البابا شنوده الثالث على تأسيس أديرة قبطية فى المهجر، فى أوروبا وأمريكا واستراليا والسودان.. ومن أمثلة هذا الدور :

1- تقديم نماذج حية مقدسة، سواء من الرهبان القدامى أو المعاصرين.
2- تركيزهم فى الدراسة أنتج لنا الكثير من الدراسات اللاهوتية، والطقوس، والعقيدة، والتاريخ الكنسى، بالإضافة إلى رصيد ضخم من أقوال هامة فى الطريق الروحى: الصلاة – التوبة – التواضع – الافراز والتمييز – الجهاد الروحى – المحبة – العفة- التجرد والفقر الاختيارى….
3- قام الرهبان بحفظ الإيمان والتقاليد والطقوس، فى مواجهة الهرطقات التى واجهتها الكنيسة على مر العصور، أو أيام الإضطهاد التى تشتت فيها المسيحيون، حتى بطاركتهم.. مثل: الأنبا بنيامين الذى أعاده عمرو بن العاص إلى كرسيه.
4- تقدم الرهبنة للكنيسة الآباء البطاركة والأساقفة، الذين يقومون برعاية الشعب، كل حسب إختصاصه أو منطقته الجغرافية.مصحوبة بالصلوات والاصوام ليتدخل الله فى الاختيار.
5- يرأس البابا البطريرك مجمع الآباء المطارنة والأساقفة “المجمع المقدس” للكنيسة القبطية، وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، فى مجالات: الإيمان والتعليم، والتشريع، والرعاية، والعلاقات الكنسية فى مصر والشرق الأوسط وكل العالم.

6- النهضة الرهبانية المعاصرة:

كان قداسة البابا شنوده الثالث (الراهب انطونيوس السريانى)، يحب الرهبنة من كل قلبه، ولم يكن فى نيته حين ترهب أن يعود إلى الحياة فى العالم إطلاقًا. وقد عاش فى دير السريان لفترة طويلة، قضى منها سنوات فى مغارة متوحدًا.. واستحق أن يلقب ب‍ “باعث النهضة الرهبانية المعاصرة”..

ومنذ أن سيم الانبا شنودة (اسقفا للتعليم) وحتى بعد ما سيم بطريكا للكنيسة القبطية ، كان يحرص أن يقضى فى الدير جزءًا مناسبًا من الأسبوع، كما حرص على إحداث نهضة رهبانية ضخمة، تمثلت فى :

1- إعلاء قيمة الرهبنة فى حياة الشباب والشعب.
2- تأسيس بيوت للخلوة الروحية للشباب، داخل الأديرة، ليقتربوا من هذا الطريق، فيكتشف البعض منهم أنه مناسب له، مما أدى إلى طفرة فى إعداد الرهبان، حتى وصلوا إلى حوالى 1500 راهب وأكثر من 500 راهبة.
3- تعمير الأديرة وتوسيعها لتستوعب الأعداد المتزايدة من الرهبان، وقد أعطت الدولة مساحات كبيرة من الأرض للأديرة، حين رأت نجاح الرهبان فى استصلاحها واستزراعها بطريقة متميزة.
4- إحياء الرهبنة فى الأديرة القديمة المندثرة وإنشاء وتأسيس أديرة جديدة.. وأديرة قبطية فى مصر والمهجر. وذلك لحفظ الروابط مع الكنيسة الأم، والوطن الأم، والتراث الرهبانى القبطى الأصيل.

+الرهبنة – ببساطة – هى عين الكنيسة وعقلها وقلبها، والحارس الأمين على اللاهوتيات، والنسكيات، والعقيدة وأصول طريق الملكوت.. لهذا قيل عن الرهبان أنهم: “بشر سمائيون، أو ملائكة أرضيون”. هذا بالجهاد الروحى الأمين فى حياة بتولية للجسد والروح، حيث يهتم الراهب البتول فيما للرب دائما غير منشغل بامور العالم واخباره  ومناصبه ،مطبقا قول رب المجد يسوع “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِىَ وَرَائِى فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِى” “لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟” (مر 34:8-36).
+ بما ان الراهب يحيا حباة بتولية دائمة فى الجسد والروح وهى اكثر ما يميز الرهبنة والتكريس، نحب عزيزى القارئ ان نقلى الضوء قليلا على حياة البتولية. حيث ايضا حياة التكريس البتولى (الرهبنة الخادمة).

7- الرهبنة والبتولية ..كيف نفهم البتولية؟

هل البتولية مجرد حالة الامتناع عن الزواج فقط؟

نعم، البتولية، فى شكلها العام امتناع عن الزواج.. فالشخص البتول لا يتزوج.. ولكن ليس هذا هو كل شئ. فالأعزب لا يتزوج.. وفرق كبير وجوهرى، بين الأعزب والبتول.
ولنسترجع سويًا كلمات السيد المسيح له المجد.. وهو يعلم عن البتولية، بعد أن عرض لموضوع الزواج والطلاق.

“قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ.. فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِىَ لَهُم، لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (مت 10:19-12).

إذن.. فالبتول هو ذاك الإنسان الذى استطاع أن يخصى نفسه لأجل ملكوت السموات.

ولكن هل يقبل كل الناس هذا الكلام؟

قال ربنا يسوع له المجد: “َيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (مت 12:19).
ونحن نسأل لماذا لم يقل الرب هذه العبارة حين علم عن الصلاة، عن الصدقة، عن الصوم… الخ والجواب واضح، أن على الكل أن يقبلوا هذه الفضائل ويسعوا إليها.. كأمر حتمى وضرورى ونافع لخلاصهم. أما عن الذين خصوا أنفسهم من أجل الملكوت، فليس الكل قادرًا.. بل فقط الذين أعطى لهم، فإن “كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ” (مت 16:20). اذن ..

البتولية هبة وعطية من الله:

يخطئ من يظن، أن البتولية بجناحيها فى (الرهبنة – التكريس) فقط جهاد من جانب الفرد، مهما كان هذا الجهاد مقدسًا.. وإلا، لما قال رب المجد صراحة: “بَلِ الَّذِينَ أُعْطِىَ لَهُم.. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (مت 12:19).

إذن البتولية.. هبة وعطية، يهبها الله.. ودعوة لأفراد فحص الله قلوبهم، وعرف مقدار حرارة الحب التى تضطرم فى حياتهم، فكانت شهوة قلوبهم الارتباط بالرب، وجعلوا كل اتكالهم عليه، فهو الكل فى الكل، ولسان حالهم: “مَنْ لِى فِى السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِى الأَرْضِ” (مز 25:73).

هنا يظهر مقدار وعظم هذا الحب الفائق، للملك المسيح.. عريس النفس ومشتهى الأمم ولهذا، يقدم البتول، حياته ذبيحة مقدسة، ذبيحة حب، على مذبح البتولية.. حقيقة الكل مدعوون للملكوت، والكل ينشدون الملكوت، والكل أعضاء فى جسد المسيح، إلا أن نفس البتول تكون بمثابة العروس الخاص للمسيح.. “غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ (البتول) يَهْتَمُّ فِى مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِى الرَّبَّ، وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِى مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِى امْرَأَتَهُ” (1كو 31:7-32).

+والبتولية هى أيضًا زيجة مقدسة ( اقتران بالمسيح عريس النفس ).. نعم ارتباط قوى مقدس (تهتم فيما للرب كيف ترضى الرب) ، وهذه الزيجة المقدسة، تتأكد تمامًا، وقبل كل شئ، بعامل الحب الشخصى العميق للسيد المسيح.

+إن البتول، وقد ثبت نظره وعاطفته وإرادته كعروس خاص، للمحبوب، يكرس حياته، من أجل المسيح ذاته.. وليس من أجل عمل التسبيح والتأمل (كما فى الرهبنة) أو من أجل خدمة هنا وهناك مهما عظمت (كما فى التكريس).. ولكن فى إتحاد العروس بالعريس السيد له المجد، لأجل ملكوت السموات.

إن هذا الهدف المقدس، هو الذى يجعل لحياة البتول، قوة الشهادة. ولنا فى الرهبنة القديس أنطونيوس والأنبا بولا والقديس الأنبا باخوميوس والأنبا شنوده والكثيرين.. كنماذج عظام فى الرهبنة، وأيضًا فى التكريس البتولى هكذا عاش بولس الرسول. وخدم وكرز كأعظم كارز عرفته المسيحية، ولقد حمل إيليا النارى أعظم الرسالات، وهو بتول.. وكان سر قوته، أنه ثبت نظره فى إله آبائه القديسين.. وغار غيرة الرب.

ختاما:
عزيزى القارئ حينما نريد ان نتكلم عن الرهبنة سواء الرهبنة العابدة فى الاديرة او الرهبنة الخادمة فى التكريس لن تسعنا كتب كثيرة، الرهبنة بحر من القداسة، وطيب مسكوب على قدمى الرب،ولكن هذه لمحات اردنا ان نغوص بها فى بحر الحب الالهى المنسكب فى حياة الراهب والمكرس والبتول ووجدنا معا كيف ان حياة الرهبنة اثراء وحفط للكنيسة ، كما انها للراهب والمكرس البتول، هى سبق تذوق لحياة الخلود مع رب المجد يسوع الذى له كل المجد الى الابد امين.

المقال بقلم نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى الأسقف العام للشباب