لقد رسم لنا الكتاب المقدس الطريق العملى للنصرة الروحية، إذ وضع أمامنا الركائز التالية :
أولاً: الشبع الروحى:
“فالنفس الشبعانة تدوس العسل” (أم 2:27)، فحتى لو كانت الخطيئة عسلاً لذيذاً، إلا أنه مسموم!! والشبع الروحى يجعل الإنسان مكتفياً بأغذيته الروحية، فلا يحتاج ولا يميل إلى العسل المسموم الذى تقدمه لنا الخطية.
ويكون الشبع الروحى بمصادر كثيرة، ذكرناها قبلاً بالتفصيل مثل :
1- الصلوات :
القداس – الأجبية – الصلوات السهمية – الصلوات الخاصة.
2- الإنجيل :
حيث نجد فى الكتاب المقدس بعهديه، غذاءً روحياً دسماً، وخبرات إنسانية هامة، ووصايا وتعاليم ومعجزات ووعود إلهية…
3- الأسرار :
إذ يشبع الإنسان بالتناول المقدس، بعد أن يفرح بالتوبة والغفران ويأخذ الإرشاد المناسب فى الإعتراف.
4- التسبيح :
إذ يتسامى بالفكر إلى آفاق سمائية وإلهية، ويقف بنا خاشعين فرحين أمام عمل الله وكمالاته.
5- المناسبات الكنسية :
كالأصوام التى تنطلق بالروح وتضبط الجسد، والأعياد التى تبهج النفس، فلا تبحث عن أفراح الأرض الزائلة.
6- الخدمة :
إذ يفرح الإنسان بالعطاء، ويستفيد من بركات الخدمة: الروحية والفكرية والإنسانية… إذ “مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ” (أع 35:20).
7- القراءات الروحية :
التى تنير الطريق، وتدسم النفس، وتشبع الذهن.
8- الإجتماعات الروحية :
حيث تشبع النفس بالشركة مع الله فى الصلاة، والإستماع إلى كلمات النعمة فى العظة، والتفاعل بمحبة مع بقية أعضاء الجسد المقدس، الكنيسة، من خلال تكوين صداقات وعلاقات بناءة.
ثانياً: الجهاد الأمين :
إذ يعلمنا الكتاب المقدس: “كل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شىء” (1كو 25:9).
“إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً” (2تى 5:2).
“لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية” (عب 4:12).
ونتذكر هنا جهاد آبائنا القديسين مع كل أنواع الخطايا، سواء فى مجال الجسد أو الفكر أو النفس أو الروح، وكيف انتصروا بنعمة السيد المسيح، على كل حروب العدو، وصاحوا مع النبى: “ليقل الضعيف بطل أنا” (يؤ 10:3)، ومع الرسول بولس: “أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى” (فى 13:4)… “يعظم إنتصارنا بالذى أحبنا” (رو 37:8).
وماذا نقول عن إنتصار الشهداء الذين رفضوا إنكار السيد المسيح، أو التبخير للأصنام، أو التخلى عن العقيدة الأرثوذكسية، أو عن شهداء الطهارة والعفة، الذين كانوا على إستعداد أن يموتوا بأى طريقة، رافضين الخضوع للإثم أو الإنحناء للشيطان.
ثالثاً: الإعتراف الأمين :
فمهما كان الشبع الروحى، ومهما كان الجهاد الأمين، فلن يصير الإنسان معصوماً من الخطأ، ولابد أن يتعثر من آن لآخر. ولهذا رسم لنا الرب، وكنيسته المقدسة، سر التوبة والإعتراف، الذى فيه نأخذ حِلاً وحَلاً، كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث. إذ حينما نعترف بأمانة وانتظام وروح توبة وإستعداد جيد، ننال غفراناً لخطايانا، كما نأخذ إرشاداً لأرواحنا من الأب الروحى، كيف نسلك فى طريق القداسة، وكيف ننتصر على خطيئة ما، وكيف نحل مشكلة نتعرض لها… الخ.
ومهما كان تكرار السقوط فى بعض خطايا المرحلة، فالرب ينتظرنا فاتحاً ذراعيه، قائلاً بفمه الطاهر: “من يقبل إلىّ لا أخرجه خارجاً” (يو 37:6)… المهم أن نستمر فى الشبع والجهاد والإعتراف الأمين، وهكذا تتوارى الخطيئة من حياتنا: كماً وكيفاً!! أى أننا لا نزيد على خطايانا خطايا جديدة، ونبدأ أن ننتصر تدريجياً على خطايانا القديمة، فنتحرر من العادات المسيطرة، وبعد أن كنا نتعثر من آن لآخر، نتركها تماماً بالفعل، ثم ننتصر على مجرد الميل الداخلى نحوها، بنعمة السيد المسيح وأمانة الجهاد… فيكون التعثر بعد ذلك قليلاً، والنصرة هى الأمر الغالب.
وفى هذا يقول معلمنا يوحنا: “كتبت لكم يا أولادى لكى لا تخطئوا” (هذا هو جهادنا وهدفنا أن لا نخطئ)… “وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا” (1يو 1:2،2). أى أن النصرة ستكون هى الأمر الغالب، والتعثر يأتى من آن إلى آخر، والرب يسوع يسند ويغفر ويبارك جهادنا.
رابعاً: روح الرجاء:
فالرب “لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح” (2تى 1:7)، وهكذا فمهما فشلنا فى محاربة أمر ما، فإن النصرة قادمة فى الطريق، وعلينا أن لا نيأس مطلقاً، فالرب هو الذى وعدنا: “لا تخف، آمن فقط” (مر 36:5)، وطلب منا أن نقول دائماً: “لا تشمتى بى يا عدوتى، لأنى إن سقطت أقوم إذا جلست فى الظلمة، فالرب نور لى” (مى 8:7).
ومعروف أن “الصديق يسقط سبع مرات ويقوم” (أم 16:24). المهم أننا فى النهاية نقوم، بقوة السيد المسيح، وأمانة الجهاد الروحى.
وقديماً قال الآباء: “أليق بنا أن نموت فى الجهاد، من أن نحيا فى السقوط”… فلنجاهد إذن بكل قوتنا، فإذا حدث وتعثرنا، علينا أن لا نيأس، بل نمتلك روح الرجاء، فى إلهنا المحب الذى يغفر لنا خطايانا، ويسندنا أمام ضعفاتنا، وينصرنا على عدو الخير.
ختاماً…
يتحدث علماء النفس عن “التسامى” (Sublimation) أو “الإعلاء”، وهو كيميائيا التحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية، دون المرور بالحالة السائلة.. وروحياً هو تحويل طاقة الجسد والجنس إلى أمور أخرى روحية مقدسة كالمحبة الإلهية، والصلوات، والتسبيح، وخدمة الآخرين، والهوايات، والإبداع، والرياضة، والثقافة والفنون والعلوم والآداب، وكافة الأنشطة البناءة.
من هنا نقول لشبابنا المبارك أن يشبع بالسيد المسيح، ويجاهد بأمانة، ويعترف بإنتظام، ويقتنى روح الرجاء، وهكذا ينتصر على كل دوافعه وغرائزه، ويقودها بدلاً من أن تقوده هى، إلى مسالك ومهالك خطيرة.
نيافة الأنبا موسى