تأملات فى تسبحة نصف الليل
التسبيح هو أرقى أنواع الصلاة لأنه يعكس إحساس الإنسان بعمل الله، ويشعره أنه قريب من الله، وفيه يقترب الإنسان من الصورة الملائكية، لذلك يقال عن التسبحة:
إنها طعام الملائكة, أو عمل السمائيين. فى التسبيح يشترك الكيان كله فى تقديم الذبيحة.. الجسد والقلب واللسان والعقل (الذهن)..
تبدأ رحلة التسبحة بصلاة نصف الليل (3 خدمات) :
– بإنجيل الخدمة الأولى، مثل العذارى (مت 1:25-13)، وهو إنجيل انتظار الرب فى رجاء.
– ثم إنجيل الخدمة الثانية، المرأة الخاطئة (لو 36:7-50)، وهو إنجيل التوبة وسكب الطيب – فبعد انتظار الرب فى رجاء, نتقابل معه فنقدم له دموع التوبة وطيب المحبة له.
– ثم إنجيل الخدمة الثالثة، إنجيل القطيع الصغير (لو 32:12-40)، فإذا تقابلنا مع
الله بالحب والتوبة فهو يعطينا وعوده الإلهية بميراث ملكوت السموات، فنصرخ مع سمعان الشيخ: “الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ..” (لو 29:2) نحن الآن نتمتع بالحضرة الإلهية فنبدأ بالتسبيح.
قوموا يا بنى النور ..
هدفنا من السهر هو التسبيح الدائم لربنا يسوع المسيح، فنقدم له التمجيد، ونكون فى استعداد لملاقاته قائلين: “المجد لك يا محب البشر”.
وبعد أن انتظرنا عريسنا السماوى، وقدمنا له دموع توبتنا وطيب حبنـا، وأعطانا وعوده الإلهية بالميراث الأبدى, وإذ صرنا فى شركة مع السمائيين وقد أيقظنا قلوبنا وعقولنا لكى تعى أنها تقف أمام رب الجنود، فنرفع أصواتنا فى تسبيح النصرة.
الهوس الأول :
هو عبارة عن الإصحاح 15 من سفر الخروج : يحكى عن موسى وشعب الله، وكيف أخرجهم الرب بيد قوية وذراع عالية، فقد كان العدو فرعون وجنوده وراءهم والبحر العظيم أمامهم، وكيف كان مستحيلاً أن يعبروا البحر الأحمر! ولكن الرب القادر على كل شئ أنقاذهم وشق البحر الأحمر وفتح لهم مسلكًا للعبور. فنجد فى هذا الهوس تسبحة موسى التى سبح بها الرب بعد عبورهم البحر الأحمر وإنقاذهم من فرعون.
يرمز البحر الأحمر إلى المعمودية التى ندخل فيها فيغرق فرعون “الشيطان”، فننجو نحن من عبودية إبليس من خلال “عصا موسى” التى هى إشارة لخشبة الصليب. نرتل تسبحة النصرة التى أعطاها لنا الله بالغلبة على إبليس بالمعمودية.
وإذ أعطانا الله أن نكون أولاده، فلذا نرتل تسبحة الشكر فى الهوس الثانى.
الهوس الثانى :
هو عبارة عن المزمور (135) “اشكروا الرب لأنه صالح وأن
إلى الأبد رحمته”: فهى تسبحة الشكر التى تقدمها الكنيسة لله من أجل محبته، هو الذى أنقذنا من الموت وأعطانا الحياة, ويعولنا كل يوم، ويرشدنا بروحه القدوس الساكن فينا. وإن كنا نشكر الله على عمله معنا، فهذا لا يعنى زوال الألم أو التجارب عنا، ولكن وسط كل هذه الآلام والتجارب نجد الله فى وسط أتون النار.. فنهتف مع الثلاثة فتية القديسين فى الهوس الثالث: “اشكروا الرب لأنه صالح”.
الهوس الثالث :
هو تسبحة الثلاثة فتية القديسين: “حنانيا وعزاريا وميصائيل” أو “شدرخ وميشخ وعبدناغو” التى سبحوا بها الله فى وسط أتون النار، حينما ألقوا فى أتون النار، لأنهم رفضوا السجود للتمثال الذهب.. وهى فى “تتمة سفر دانيال”.
“الثلاثة فتية ألقوا فى أتون النار”.. هذه مجرد عبارة نقولها. ولكن هل يمكن أن نتخيل أنه مطلوب منا الدخول فى حريق لإنقاذ شىء غال علينا؟ أعتقد أننا سوف نفكر كثيرًا قبل الإقبال على مثل هذا العمل. ولكن إن كان مطلوبًا منى إنقاذ بيتى أو (حياتى الأبدية)، فالأمر مختلف!!.. فى أيامنا هذه قد لا نلقى فى أتون النار بالمعنى الحسى، ولكن يمكن أن يكون فى حياتنا مشاكل وضيقات تجعلنا نشعر وكأننا فى أتون.
فى هذا الهوس نطلب من الله أن يرافقنا فى أتوننا، وينزل معنا إلى المشكلة ويساعدنا فى حلها، ويخرجنا من وسط النار، ويفرحنا ليس بحل المشكلة ولكن برؤيتنا له فى الأتون (المشكلة)، حتى لو لم تحل هذه المشكلة، ولكن يكفينا أننا تمتعنا برؤية ابن الله معنا يرافقنا فى أتوننا اليوم. وهذا الهوس يُظهر عناية الله بأولاده وهو يتمشى معهـم ويحتضنهم فى وسط نار هذا العالم, ويحولها إلى ندى بارد..
تسبحة الثلاثة فتية ترتلها الكنيسة لتعلن :
– أن نار هذا العالم لازمة لتجربة الكنيسة، ولكن الله فى وسط الأتون يحول النار إلى ندى بارد.
– أن السلام الداخلى لا يعنى زوال التجارب والآلام عنا، ولكنه يعنى وجود الله معنا وسط النار.
– أن التسبحة تحمل معنى الغلبة بقوة الصليب وأيضًا نجاة الثلاثة فتية فى أتون النار حيث كان معهم “الرابع شبيه بابن الله”.
– هذه التسبحة تجمع فى منظر واحد وجودنا فى الحاضر الزمنى ووجودنا فى الأبدية، فنحن فى العالم ولكننا فى حضرة الله كأننا فى السماء.
وإذ نحن فى العالم نتمتع بحضور الله معنا، فحضوره يعنى أيضًا حضور السمائيين، الملائكة والقديسين، فنصلى المجمع.
المجمع :
وفى المجمع نشعر بعمق الشركة بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة. فتوجد رابطة حب بيننا، فالسمائيين يؤازروننا بالصلاة عنا، ونحن نعبر عن اشتياقنا لهم فى الصلاة بطلب شفاعاتهم عنا. فنحن نطلب صلاة القديسين عنا حتى يغفر لنا الرب خطايانا، كما نعمل بوصية الكتاب: “انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” (عب 7:13)، فنتمثل بهم فى احتمال الآلام والتجارب حتى نهاية الحياة. وإذ اجتمع السمائيون بالأرضيين، وإذ كان التسبيح هو عمل الملائكة، فنقوم بتسبيح الله وتمجيده معهم.
الهوس الرابع :
هو عبارة عن المزامير الثلاثة الأخيرة من سفر المزامير (مز 148 150،149). فالتسبيح هو عملنا فى السماء، فندعو كل الخليقة لتسبح رب القوات.
فإذا كان الهوس الأول: لنسبحه ولنشكره لأجل النصرة، والهوس الثانى: لنشكره لأجل أعماله، والهوس الثالث: لنشكره لوجوده معنا فى العالم. فالهوس الرابع: هو فقط تسبيح وتمجيد لله لأنه قدوس وصالح وصانع للخيرات. فندعو كل الخليقة معًا فقط لتسبيح الله القدوس، وليس لأى غاية أخرى.
– الإبصالية :
هى ترنيمة لاسم ربنا يسوع المسيح.
– الثيؤطوكية:
هى تمجيد لوالدة الإله “ثيؤطوكوس”، وهى تعلمنا عن العقيدة وسر التجسد، فالعذراء مريم لها أهمية عظمى بالنسبة لسرّ التجسد.
معانى بعض الكلمات المستخدمة فى التسبحة :
– ابصلمودية : هى الكتاب الذى يحوى مجموعة صلوات التسبحة، والابصالمودية نوعان: (السنوى والكيهكى). وهى كلمة يونانية الأصل (ابصالموس بمعنى مزمور)، وهو الكتاب الذى يحوى التسابيح الكنسية..
– هـوس : كلمة قبطية معناها تسبيح.
– ابصاليـة : كلمة يونانية معناها ترتيلة أو ترنيمة.
– ثيؤطوكية : كلمة يونانية معناها تمجيد لوالدة الإله.
– لبش : كلمة قبطية معناها تفسير.
– ذكصولوجية : كلمة يونانية معناها تمجيد.
– دفنار : كلمة يونانية معناها تسبيح بالتبادل, وهى مثل السنكسار لشرح سير القديسين.
– لحن آدام : وهى الطريقة التى تميز الألحان التى تختص بالأيام الثلاثة: (الأحد، الاثنين، الثلاثاء)، وهى مأخوذة من ثيؤطوكية الاثنين التى تبدأ ب “آدام”.
– لحن واطس : (عليقة) وهى الطريقة التى تميز الألحان التى تختص بأيام: (الأربعاء، الخميس، الجمعة، السبت)، وهى مأخوذة من ثيؤطوكية الخميس التى تبدأ ب “العليقة”.